لن يستقيم المسار الديمقراطي وتثمر الإصلاحات دون أن يتحمل القضاء كامل المسؤولية في القيام بما يقع على عاتقه من واجبات على جبهة محاربة الفساد ومكافحة أشكال الجرائم والجنح المالية. وقد شدد القاضي الأول للبلاد في مجلس الوزراء الأخير على ضرورة أن يطبق القضاة القانون بحذافيره في هذا المجال بهدف كسر شوكة الفساد والجريمة الاقتصادية ومن ثمة توفير مناخ أكثر شفافية وامن للنشاطات الاقتصادية والمالية والتجارية وفقا لقواعد اقتصاد السوق وحرية المبادرة. بالطبع لا يعني اقتصاد السوق وحرية المبادرة بأي حال من الأحوال أن تترك الساحة مفتوحة على كافة أوجه الفساد الذي كاد أن يطال جميع مناحي الحياة لولا أن ناقوس الخطر نبه للمنزلقات التي تنجر عن حالة التردد أو اللامبالاة وحتى ذهاب البعض عبثا إلى درجة محاولة تبرير ما يحدث. لقد عانى الجهاز الاقتصادي والمالي من تجاوزات وجرائم هزت الرأي العام في أكثر من مناسبة ولوا أن حبى الله البلاد برخاء مالي غير مسبوق لتعطلت عجلة التنمية التي أصبحت تشتغل بكامل طاقتها من خلال برامج الاستثمارات العمومية التي سطرتها الدولة على مدار السنوات الأخيرة ولا تزال وتيرتها بنفس القوة لكن مع تشديد ضوابط وآليات المتابعة والمراقبة حتى لن تذهب الجهود سدى ومن ثمة التوصل بالضرورة إلى تامين ساحة المال العام والدفع به نحو البرامج الاستثمارية والتنموية وفقا لقاعدة لا إفراط ولا تفريط. حقيقة لا يمكن الإفراط في ضخ الموارد المالية ومن ثمة ضرورة الالتزام بقواعد الصرامة والحسم البراغماتي بخصوص المشاريع ذات الأولوية الوطنية والجهوية والمحلية وحسب القطاعات باعتماد صيغة المشاريع المندمجة والمتكاملة جغرافيا وقطاعيا وتنسجم مع المخططات التنموية. ولتفادي أي تفريط محتمل وتحت أي ذريعة كانت أصبح من الحتمي وبلا جدال التركيز على مضاعفة وتوسيع مساحة مكافحة الفساد في مختلف مفاصل المنظومة الاقتصادية والمالية وان يقوم القضاة كل في موقعه بما يقع عليه من واجبات طبقا للإجراءات القانونية المكرسة للعدل والشفافية خاصة وان الدولة وضعت ما يلزم من آليات مرافقة لهذا الواجب الذي يرتبط بالمصالح الحيوية للمجموعة الوطنية ومن هذه الآليات التشريعية القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما وتعزيز استقلالية الخلية الوطنية للاستعلام المالي التي تنتظرها أعمال كثيرة حان الوقت للحسم فيها وإنهائها بتسليط الأضواء على ملفات ثقيلة والإمساك بخيوطها حتى تقود إلى من ورائها من مجرمي الفساد الاقتصادي.