شهد قطاع العدالة تحولات ملموسة منذ بداية تنفيذ الإصلاحات في العهدة الأولى لرئيس الجمهورية الذي جعل من إصلاح القطاع أولوية وطنية لإرساء دولة الحق والقانون وذلك بعد التشخيص الشامل للأوضاع التي قامت بها اللجنة الوطنية لإصلاح قطاع العدالة التي تم تنصيبها، مما سمح بإحداث تغييرات على جميع الأصعدة لا يمكن لأحد نكرانها. لم يعد قطاع العدالة منذ بداية تطبيق الإصلاح الذي دخل عامه السابع على حاله بل شهد ثورة حقيقية مست كل الجوانب منها إعادة النظر في القوانين وسن قوانين جديدة، عصرنة القطاع، تطوير الموارد البشرية وإصلاح السجون، فقد حاز قطاع العدالة على حصة الأسد من حيث عدد النصوص القانونية التي تمت مراجعتها تدريجيا وتكييفها مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد منها القانون المدني، قانون العقوبات، قانون الإجراءات الجزائية وقانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي يحتوي على أكثر من ألف مادة والذي سيسمح ولأول مرة في تاريخ الجزائر بإنشاء محاكم إدارية لمعالجة القضايا الإدارية التي كانت تعالج في إطار النشاط العادي للمحاكم وذلك بعد تطبيق الإجراءات الجديدة بداية السنة المقبلة أي بعد مرور عام على صدور القانون. كما سنت قوانين أخرى هامة على غرار القانون التجاري، القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، الوقاية من الفساد ومكافحته، محاربة الرشوة والعمل على استئصال هذه الأمراض والآفات التي تضر بالمجتمع والاقتصاد وكذا تسهيل اللجوء إلى القضاء والفصل في القضايا المطروحة أمام العدالة. والى جانب تحيين المنظومة التشريعية باعتبارها القاعدة الأساسية في العمل القضائي تم الاهتمام أيضا بالموارد البشرية وتطويرها من خلال وضع برنامج خاص تمثل في اتخاذ إجراءات للرفع من عدد القضاة بما يعادل نسبة 50 بالمئة (أي 1500قاض) من العدد الحالي في آفاق عام 2009 مع تحسين مستوى التكوين القاعدي الذي ارتفعت مدته إلى ثلاث سنوات ابتداء من سنة 2000 سنة بعدما كانت سنتين عام 1999مع تكثيف التكوين المتواصل والمتخصص فضلا عن إعادة النظر في المناهج والمحتوى التكويني للطلبة القضاة، وإدراج مواد جديدة لها علاقة بالتطورات الاقتصادية الحالية في برامج التكوين القاعدي للقضاة بالمدرسة العليا للقضاء، كقانون الاستهلاك وقانون المنافسة وقانون الصفقات العمومية والإفلاس والتسوية القضائية والملكية الفكرية وجرائم قانون الأعمال وتقنيات البنوك والتحكيم، كما أولت أهمية لرفع مستوى الأداء القضائي من خلال تخصص القضاة في قانون الأعمال بمختلف فروعه منذ عام 2000 واستفادتهم من تكوين بفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية ومن التكوين التخصصي في القانون الجنائي الاقتصادي والجرائم المعلوماتية ببلجيكا. وإلى جانب التكوين حظي القضاة باهتمام كبير وتم تحسين ظروفهم الاجتماعية والمهنية لحمايتهم من كل أشكال التأثير أو الضغط وتحصينهم من كل محاولة إغراء وذلك بإصدار القانون الأساسي للقضاء وقانون تنظيم سير المجلس الأعلى للقضاء كما تم رفع عدد القضاة من2500 قاض سنة 1999 إلى 3582 قاض حاليا موزعين على مختلف الجهات القضائية. وأولت السلطات عناية خاصة لعصرنة القطاع والارتقاء به إلى مصف النظم القضائية الحديثة وذلك بإعادة النظر في تنظيمه وإدخال التكنولوجيات الحديثة على جميع مصالحه وربط الشبكة المعلوماتية بين مختلف الجهات القضائية والتسيير المعلوماتي للملفات وخلق بوابة للقانون على شبكة الانترنت وترقيم الأرشيف القضائي وإنشاء مركز وطني للسوابق العدلية. أنسنة السجون من بين الأولويات وشهد قطاع السجون بدوره تغييرات ملموسة بفضل قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين الذي جاء في إطار أنسنة ظروف الحبس وتعزيز دور المؤسسات العقابية في إعادة إدماج المحبوسين من خلال تكثيف النشاطات الثقافية والرياضية ودعم التعليم والتكوين المهني داخل المؤسسة حيث أكد المسؤول الأول على القطاع في أكثر من مناسبة على ضرورة الاهتمام بالمؤسسات العقابية وتكثيف الرعاية المطلوبة للمسجون الذي تقيد حريته ويبقى يحتفظ بجميع حقوقه مثل أي مواطن جزائري،ما سمح بوجود ما يقارب 37 ألف سجين يتابعون دراستهم وتكوينهم في الجامعات والمعاهد ويعودون إلى المؤسسات العقابية، هذا إلى جانب توفير الوجبات الغذائية الأساسية والصحة والراحة للمسجون. ولم تغفل السلطات مشكل الاكتظاظ الذي طالما أرق الكثيرين باعتباره نقطة سوداء تسعى الوصاية جاهدة للتخفيف من حدته، وذلك بإنجاز نحو13 مؤسسة عقابية جديدة بطاقة استيعاب تتراوح ما بين 1000 و2000 مكان خاصة في الهضاب العليا والجنوب ما سيوفر حوالي 19 ألف مكان للتخلص من الاكتظاظ ليصل عدد المؤسسات العقابية الجديدة المستحدثة في إطار برنامج إصلاح العدالة إلى حوالي 81 مؤسسة عقابية. كما اتخذت إجراءات أخرى للقضاء على ظاهرة الاكتظاظ وتوسيع طاقة الاستيعاب منها تدابير بديلة كالإفراج المشروط والحرية النصفية خاصة بالنسبة للناجحين في امتحانات نهاية السنة. كما أصبح للموثق قانونه الجديد وبات الموثقون بموجبه على درجة عالية من التنظيم والمهنية سواء من حيث شروط الالتحاق بالمهنة والتكوين أونظامهم التأديبي وما يوفره لهم من ضمانات، وارتفع عدد الموثقين في الجزائر الذي لم يكن يتعدى ال 144 موثق بكل التراب الوطني إلى الألفين. وبالنظر إلى ما تحقق في هذا المجال ومجالات أخرى ذات الصلة يجمع العديد على أن الإصلاحات حققت تقدما هاما رغم النقائص التي لا تزال تطرح خاصة ما تعلق بمعالجة القضايا والفصل فيها وهي النقطة التي عادة ما يثيرها المساجين وأوليائهم. تكييف المنظومة التشريعية مع المتطلبات الاقتصادية على صعيد آخر، ساهمت الإصلاحات في قطاع العدالة على خلق الظروف المطلوبة في النمط الجديد لتسيير الاقتصاد من جهة، وحماية الاقتصاد الوطني من مختلف أشكال الإجرام التي يمكن أن تطرح أمام التفتح الاقتصادي من جهة أخرى وذلك من خلال تكييف المنظومة التشريعية مع متطلبات الاقتصاد الوطني بإدخال تعديلات على القانون التجاري وتعزيز الأحكام المتعلقة بإصدار الشيك بدون رصيد التي أثبتت الممارسة الميدانية قصورها من خلال وضع تدابير وقائية تلزم الهيئات المالية بما فيها المؤسسات المالية والبنوك على إجراء رقابة مسبقة قبل تسليم أول دفتر للشيكات لقطع الطريق أمام التجاوزات الخطيرة والتلاعب بالأموال العمومية. وفي إطار عصرنة المعاملات التجارية والمالية عمل قطاع العدالة على تعديل القانون المدني بمراجعة الأحكام المرتبطة بالقانون الدولي الخاص عن طريق رفع بعض القيود التي تعيق الاستثمار الأجنبي وتكريس التوقيع الإلكتروني كوسيلة إثبات جديدة وذلك إلى جانب إعداد القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما لحماية الاقتصاد الوطني والنظام المالي والمصرفي من هذه الآفة. آليات جديدة لمكافحة الرشوة وفي مجال ردع مخالفات التشريع والتنظيم المتعلقين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، بادرت وزارة العدل بتعديل القانون المتعلق بقمع هذا النوع من المخالفات والذي أظهر نقائصه وحدوده بخصوص مكافحة هذه المخالفات كما أعيد النظر في النصوص المتعلقة بالجرائم الاقتصادية المرتكبة من طرف مسيري المؤسسات الاقتصادية وتوسيع الاختصاص المحلي لبعض الجهات القضائية للنظر في الأنواع الجديدة من الإجرام منها الجنح والجنايات المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف والرشوة، بناء على تعليمات رئيس الجمهورية الذي أكد على ضرورة التصدي بقوة القانون لسلوكات التطفل والغش بشتى أشكالها ومظاهر الفساد والرشوة بجميع أصنافها. وفي هذا المجال تعتبر الجزائر من الدول السباقة التي أعدت مشروع قانون خاص بمكافحة الرشوة يتضمن آليات ناجعة لمكافحة هذه الآفة بما يتطابق والاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد التي كانت الجزائر من الدول الأوائل التي صادقت عليها وذلك بغرض تحقيق الشفافية وضمان المنافسة النزيهة في المعاملات التجارية. من جهة أخرى، وفي مجال تسوية المنازعات تم إدخال طرق بديلة لحل النزاعات وتجنب اللجوء التلقائي للجهات القضائية من خلال استحداث الصلح والوساطة،إلا أن بعض المشاكل لا تزال تطرح في القطاع رغم التقدم الذي حققه منها تطبيق الأحكام القضائية والجهة التي تتكفل بذلك إلى جانب الفصل في القضايا حيث لا تزال عدة قضايا في أدراج المحاكم تنتظر الفصل فيها رغم تأكيد وزير العدل على أن كل القضايا المطروحة يفصل فيها في ظرف ستة أشهر كأقصى تقدير إلا أن هذه المسالة تعد صعبة التنفيذ خاصة فيما تعلق ببعض القضايا.