تحل الجمعة القادم الذكرى التاريخية المستمرة لتأميم المحروقات من إنتاج وأنابيب للنقل وتوزيع، إنها الذكرى التي انتزعت قطاع المحروقات من قبضة الشركات الفرنسية ليؤول لملكية الدولة، موظفة ذلك الموروث الطبيعي لفائدة إعادة بناء الجزائر من كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فكانت العجلة الاستثمارية الوسيلة العملية لترجمة أهداف الثورة وفي مقدمتها النهوض بالإنسان. سياسيا كان القرار المعلن في 24 فيفري 1971 من طرف الرئيس الراحل هواري بومدين منعرجا حاسما أعاد الثروات لأصحابها مدشنا الطريق الواضح لبلد كان يبحث عن إنهاء آثار حقبة من الاستغلال والنهب الاستعماري. من منظور اقتصادي وهو المضمون الثمين لذلك الموقف الوطني الذي أنهى التردد، وفي ظل الظروف الراهنة وبعد أن تم تحرير القطاع قبل سنوات للاستثمار الأجنبي بحكم دخول اقتصاد السوق، سرعان ما أعيدت صياغة إستراتيجية الخيارات باسترجاع حق الدولة في امتلاك الأغلبية في أي استثمارات بالشراكة مع الشركات البترولية العالمية. وتمثل قاعدة 51 49 صيغة عملية لأقلمة قطاع استراتيجي مثل المحروقات مع متطلبات قواعد اقتصاد السوق والانفتاح على الشراكة مع الخارج دون أن تفقد الدولة أحد أذرعها الاقتصادية، علما أن الأزمة المالية العالمية أظهرت مدى الحاجة للدولة في ضمان استقرار التنمية إلى درجة أن بلدانا عريقة في الرأسمالية لجأت إلى إعادة تأميم بنوكها، فما بالك بمؤسسات إنتاج الطاقة. لم يكن اللجوء إلى التأميم خيارا اعتباطيا أو ارتجاليا وإنما كانت له مبرراته ومسبباته الراهنة والمستقبلية خاصة وأن الجزائر خرجت من تلك الحرب التحررية الضروس بفاتورة مكلفة زادها ما ارتكبته الإدارة الاستعمارية على مدى الاحتلال الفرنسي البغيض مستهدفا الأرض والإنسان، فكان الفقر والتخلف وقائمة لا تنتهي من المعاناة، مما استوجب وبلا تردد لجوء الدولة الحديثة إلى استرجاع خيرات البلاد بهدف توظيفها في برامج تمويل التنمية الشاملة. لعب البترول والغاز الدور الحيوي في تجسيد بناء أسس الاقتصاد الوطني وتوفير مساحات واسعة من فرص العمل ما أنتج تحولا اجتماعيا تؤكده المؤشرات الراهنة على كافة الأصعدة. ولا يزال قطاع المحروقات من بترول وغاز ومعه قطاعات أخرى ذات وزن ثقيل مثل مناجم الذهب بمثابة حجر الزاوية لبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في انتظار إرساء اقتصاد بديل على المديين القصير والمتوسط، ومن ثمة يحتاج في كل مرحلة إلى إعادة تجديد النفس من حيث كافة الجوانب بما فيها ترشيد مسارات التسيير الداخلي والضغط على النفقات خارج ما تتطلبه الأنشطة الاستكشافية والاستغلالية وذلك بالنسبة لمختلف المؤسسات ذات الصلة وأولها شركة سوناطراك التي تبقى الممول الأساسي بالعملة الصعبة. تبقى المحروقات بمثابة الساعد القوي للدولة في خوض مسار التنمية الشاملة ولا يتعارض ذلك مع الانسجام السليم مع اقتصاد السوق بكل ما يعنيه من روح المبادرة والمنافسة من حيث الجودة في انجاز المشاريع في الاتجاهين الأفقي والعمودي والالتزام القوي بعنصر الآجال الذي يمثل جوهر معادلة المنافسة التي تفرضها السوق العالمية في انتظار إرساء منظومة اقتصادية من بدائل خارج المحروقات وهو الرهان الحالي والمستقبلي جدا.