في كتاب (غرق الحضارات) le naufrage des civilisations الصادر العام الماضي بباريس بالفرنسية للكاتب اللبناني أمين معلوف، يتحدث الكاتب عن ضمورِ كثيرٍ من القِيَّم الإنسانية وفي مقدمتها قيم المحبة والتسامح التي حملتها الحضارة الشرقية قديما، ثم يتساءل الكاتب : « لوأن أتباع الأديان السماوية التوحيدية المختلفة ظلوا يعيشون معًا في تلك المنطقة من العالم « الشرق «، واستطاعوا أن يُحققوا الانسجام في مصائرِهم لكانتِ البشرية جمعاء قد شهدت اليوم نموذجًا مُعبرا عن التعايش لوئامٍ ورخاء تستلهمه وتهتدي به، ولكن الذي حصل كان العكس للأسف، حيث سادت روح البغضاء، وأصبح العجز عن العيش هوالقاعدة السائدة». ثم يتساءل الكاتب مع نفسه : هل كنتُ محقًا بالقول إن الظلماتِ قد انتشرت عندما خَبَتْ أنوارُ الشرق وزالتْ حضاراتٌ مثل حضارة مملكة سَبَأ في اليمن التي كانت توصف بالسعيدة. يبدولي أن هذه التساؤل الذي طرحه هذا الكاتب اللبناني المرموق مُحقة، لوأن الكاتب أضاف له أن الحضارة الشرقية لم تبق محصورةً في تلك الرقعة الجغرافية من العالم فقط، بل إن أنوارها قد امتدت إلى مختلف أصقاعِ الدنيا وإلى ما وراء الشمال الإفريقي، حيث شملت شبه الجزيرة الإيبرية، إذ وصل الفتح العربي الإسلامي بقيادة الفاتح البربري طارق بن زياد إلى إسبانيا والبرتغال التي حملت تحت لواء المسلمين اسم الأندلس بمدائنها العامرة من إشبيلية إلى غرناطة إلى قرطبة إلى مرسيا، إلى مَلَقة، إلى قشتالة، إلى سَرقُسْطة، إلى واديِ الحجارة، إلى بَلَنْسية،، إلى الوليد ، حيث مكث المسلمون هناك سبعة قرون في إسبانيا وأربعة قرون في البرتغال وبنوْا واحدةً من أعظم الحضارات العالمية، إذ كان أبناء ملوك وأمراء أوروبا الغارقة تلك الفترة في ظلام الجهل يُرسلون أبناءهم للدراسة، ويبعثون بعلمائهم للاستفادة من العلوم التي تبحر فيها العرب المسلمون. لكن أنوارَ تلك الحضارة انْطفأتْ للأسف بعد كل تلك القرون الزاهرة حيث راح العرب واليهود يتعرضون معًا لأكبر مذبحةٍ شهدها التاريخ على أيدي أولئك غلاة المتطرفين من المسيحيين الإسبان، وخصوصا المتعطشين للدماء والثأر من أمجاد العرب والمسلمين الذين فتحوا تلك الأراضي بالرغم من أنهم تعاملوا مع أهلها معاملة إنسانية راقية،وفي نفس الوقت فقد انتهى الوجود العربي الإسلامي في جارة اسبانياالبرتغال بعد أن أمضوا هناك أربعة قرون. شعارات انسانية زائفة وقيم ديمقراطية مغشوشة وقد جاءت جائحة كورونا اليوم لتُعَرِّيَ كثيرًا من الشعارات الإنسانية الزائفة والقيم الديمقراطية المغشوشة التي لطالما بَشَّر بها الغرب، خصوصا خلال العشريات الثلاث الماضية التي تلت سقوط حائط برلين وانهيار القطبية الثنائية وبروز العولمة وظهور قطبيةٍ أحادية كاسحة بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم ها هوالعالم يَشْهد صعودَ بعض أقطاب التيار اليميني المتطرف في العديد من دول أوروبا الغربية وبروز تيارات يمثلها هذا اليمين تتوزع حسب التقسيمات التالية : يمين عنصري. يمين فاشي. يمين راديكالي. وهذا اليمين بتركيباته وأصنافه المتعددة لا ينتمي لأوربا الغربية فقط، بل إنه يمثل جزءا من دول أوروبا الشرقية التي انبثق بعضها من الجمهوريات السوفيتية السابقة، ومن يمين أوروبا الشمالية التي لم نعهد فيها بشكل مفضوح من قبل ظاهرة التطرف مثل السويد والدانمرك وهولندا والنمسا وحتى بريطانيا وسويسرا، ناهيك عن فرنسا التي برزت فيها منذ عدة أعوام مارين لوبين زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني خلفا لوالدها الضابط السابق في الجيش الفرنسي بالجزائر جون ماري لوبين الذي طلَّق السياسة بسبب خلافات حادَّة مع ابنته التي طردته من حزبه اليميني المتطرف منذ 2015 بعد أن سرقته منه حزبه اليميني المتطرف، وتنكرت حتى لمفهوم الأبوة بشكليْها البيولوجي والسياسي معا، فكيف لامرأة هذا ديدنُها مع والدها ألا تعمل على تأجيج الكراهية ضد المسلمين خصوصا والمهاجرين عموما. وقد قرأتُ باستغراب تحليلاً مشوِهًا لحقائق الواقع خَرْبَشَهُ أحد «الباحثين» العرب ذكر فيه بأن أسباب صعود التيار المتطرف في أوروبا يعود إلى تفاقمِ أزمة اللاجئين وأغلبهم حسبه من المسلمين العرب في أوروبا. ويبدولي أن هذا التحليل الأعرج من هذا المحلل العربي العبقري الذي يُدعى محمد حامد نسي أن أسباب هذه الهجرة القسرية تمت نتيجة المظالم التي طالت الكثير من شعوب البلدان العربية سواء بسبب وجود أنظمة ديكتاتورية حاكمة ساهم الغرب أصلا في صناعتها ودعمها بمختلف وسائل الدعم، وجعل من بعض «قادتها العرب « مجرد أعوانٍ يتقاضون أجورهم بالعملة الصعبة من مخابرات تلك الأنظمة الغربية «الديمقراطية»، وهوأمر سبق لعدد من الصحفيين العرب، ومن بينهم الراحل محمد حسنين هيكل أن تناولوه في كتبهم وكتاباتهم، أونتيجة إشاعة ما اصطلح عليه ب «الفوضى الخلاقة» والإرهاب في تلك البلدان العربية التي وجدت نفسها في مواجهة تنظيمات إرهابية تتبنى «الجهاد الإسلامي « مثل تنظيم «داعش» الذي هوفي حقيقة الأمر مثل تنظيمات إرهابية أخرى، ومن بينها «القاعدة» التي تتبنى الفكر الجهادي الإسلاموي، وإن كانت في حقيقة الأمر سوى صناعاتٍ مفبركة وأدوات غربية بهدف ضرب الكيانات العربية الهشة أصلا في العمق وإِحداث تقسيمات دينية ومذهبية بعد أن عملوا في السابق، بل وما يزالون على إحداث تقسيمات عرقية وجهوية في العديد ممن الأقطار العربية والإسلامية. والحقيقة أن هذه العوامل قد جعلت الكثير من الفئات المثقفة وخاصة رجالات الفكر والسياسة والباحثين في علم التاريخ والحضارات في الشرق كما في هذا الجزء من الشمال الإفريقي يستعيدون وعيهم بشأن ما يُدبر ضد أوطانهم من مؤامراتٍ ودسائس. اصوات ناعقة لا تعرف الحقائق صحيحٌ أن هناك بعض الأصوات الناعقة التي لا تعرف الحقائق التاريخية تلجأ بين الحين والآخر إلى تسويد الماضي برمته لتجعل الأجيال الحالية تتنكر لماضيها، وتكفرُ بحاضرها، وتيأسُ من مستقبلها وهي لا تُذَكِّرُ هذه الأجيال سوى بقصص التقاتل والتناحر بين المسلمين، وتحاول في نفس الوقت أن تَطويَ الصفحات الزاهية من التاريخ العربي الإسلامي وتتجاهلَ كل ما وصل إليه المسلمون خصوصًا في ظل الدولة العباسية والدولة الأموية ودولة الأندلس قبل أن تتكالب عليها قوى الشر والعدوان ويدخل أمراؤها في صراعات بينهم وفي ما اشتهر بحرب الطوائف، تماما كما تكالب هذا الغرب علينا نحن الجزائريين بقيادة فرنسا ومن التف حولها من أساطيل الغرب في موقعة نافارين التي أدت إلى تحطيم الأسطول الجزائري الذي كان يرعب تلك القوى، ومن ثم التمهيد للاحتلال الفرنسي للجزائر رغم كل ما قدمته الجزائر من مساعدات ومن حماية عسكرية لفرنسا التي استنجدت بالأسطول الجزائري مرارا من اعتداءات بعض الدول الغربية عليها. ويبدولي أن جائحة كورونا قد كشفت لبقية العالم عن القناع الإنساني المغشوش الذي ما تزال بعض دول الغرب تخفيه كل ما تعلق الأمر بالإنسان الذي لا ينتمي للغرب، فبعد أن كالت القوى الغربية الاتهامات للصين بشأن جائحة كورونا، وجدنا كيف أن طبيبيْن فرنسيين راحا يتبجحان بدون حياء على الناس في إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية بالدعوة لإجراء تجاربَ على المواطنين الأفارقة في القارة الإفريقية بشأن اللقاحات والأدوية التي يمكن أن تُعالِج من جائحة الكورونا، وكأن هؤلاء الأفارقة ونحن جزء لا يتجزأ منهم قد أصبحوا بذلك حقل تجارب مثلهم مثل الفئران!! وهذه التصريحات الهمجية الخالية من كل روح إنسانية والتي لا يمكن وصفها إلا بالتصريحات الموبوءة تُذكِّرني بالعديد من الممارسات المشينة التي أقدم عليها عتاة المستعمرين وغلاة العسكريين الفرنسيين أثناء احتلال بلادنا . «ليت أهل الجرائم يعرفون مذهبي في العفو، حتى يذهب الخوف عنهم»
فقد جرب الفرنسيون ومَن جاء بهم من أوروبيين متعطشين لدماء الجزائريين ونهب خيراتهم في حملتهم الاستعمارية ضد الجزائر مختلف أنواع التعذيب والتجارب على شعبنا لإبادته وتركيعه. فقد سُبقت التجربة النووية الفرنسية بصحراء الجزائر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بعمليات فظيعة مارسها المحتلون منذ بداية احتلالهم للجزائر واستمروا فيها إلى نهاية الاحتلال،ومن بينها قيام العديد من البواخر الحربية الفرنسية بشحن عظام آلاف الجزائريين بما فيهم الأطفال بعد قتلهم بطرق بشعة وفي مجازر جماعية يندى لها الجبين نحوالموانئ الفرنسية وإرسالها إلى مصانع السكر لتحويلها إلى قطع من السكر، ناهيكم عن قطع رؤوس المقاومين الجزائريين من قبل ضباط وجنود الاحتلال واستظهارها بكل فخر أمام قادتهم لينالوا بها أعلى الرتب والترقيات العسكرية . والملاحظ أن تلك الأصوات والأقلام المسعورة والمهوسة بالإساءة لتاريخ الأجداد ولحقائق التاريخ والتي تلتقي في طروحاتها مع بعض الأقلام والأصوات المسعورة في العالم الغربي تتناسى وربما عن قصد ما بناه مثلا الخليفة المأمون أحد خلفاء الدولة العباسية، حيث شهدت خلافته ازدهارا فكريا وعلميا وفلسفيا غير مسبوق، فقد كان يجالس العلماء ويحاورهم في مختلف الشؤون الفكرية والعلمية والفلسفية والدينية بروح المسؤول من جهة، وبفكر العالم المتبحِّر في مختلف العلوم من جهة أخرى، كما أنه كان معروفًا بحلمه حتى قال ذات يوم :» ليت أهل الجرائم يعرفون مذهبي في العفو، حتى يذهب الخوف عنهم «. كما ذهب إلى حد تقييم عمل الحاكم بقوله: « إذا أصلح المَلِكُ مَجلسه، واختار مَنْ يجالسه، صلُحَ مُلكه كلُّه «. وكان من حرصه الشديد على العلوم والمعارف أنه أمر العلماء والمترجمين بنقلِ وترجمةِ علوم مختلف العلوم من الأمم الأخرى من الفرس واليونان وغيرهم. وإضافة إلى كل هذا فإن «بيت الحكمة» التي تأسَّست في بغداد في عهد هارون الرشيد، وكانت في البداية عبارة عن مكتبة، ثم تحولت في عهد المأمون ثم المنصور لا إلى مجرد مكتبة تحتوي آلاف الكتب بما فيها تلك الكتب التي جُلبت من الروم والهند وفارس وجرت ترجمة تلك الكتب إلى العربية، بل إن «بيت الحكمة» تحولت إلى جامعة بالمفهوم المعاصر، وصارت بغداد بذلك عاصمةً للعلوم والمعارف ومَحجَّةً لطُلاَّب العلوم والمعارف . وإذا كان المأمون قد عرف بتشجيعه لمختلف العلوم وكان يشجع العلماء و يحاورهم في العديد من التخصصات والمسائل، فإن الخليفة المنصور كان مولعا هوالآخر بالعديد من العلوم من رياضيات وفلك وطب وهندسة، وقد استمر في النهج الذي سلكه قبله المأمون بجلب العديد من الكتب التي تمت ترجمتها للعربية. كما برز العديد من العلماء والأطباء المسلمين الذين قدَّمُوا خدماتٍ جليلة للطب الإنساني في وقت كانت فيه أوروبا غارقة في الظلام والخرافات ويخاف أمراؤها حتى من مجرد ساعة حائطية تهدى إليهم من بعض أمراء الشرق. وقد كان من بين أبرز العلماء المسلمين الذي يعتبر أول طبيب وعالم في علم الأوبئة أبوعلي الحسين بن علي المعروف بابن سينا الذي كان يوصف بالرئيس، وكان يعطي قيمة كبيرة للفكر والعلم، إذ أن من بين ما نُقِلَ عنه قوله : « إن قوة الفكر قادرة على إحداث المرض والشفاء منه في نفس الوقت «. ويقال بأنه ترك وراءه حوالي 450 كتابا في مختلف التخصصات والعلوم، وأنه لم يبق من هذه الكتب للأسف سوى أقل من 240 كتابا. وقد عُرفَ عنه أنه كان موسوعيا، فقد نَظَمَ الشعر، وتبحَّرَ في علوم المنطق والفلك والطب والفلسفة والرياضيات. ولعل أهم البصمات التي تركها ابن سينا للبشرية في مجال اكتشاف الأوبئة الناقلة للأمراض، أنه كان أول من أشار إلى خطورة التأثيرات التي يُحْدثُها الهواء المُلَوَّث الفاسد بنقل الجراثيم المُحدثة للأوبئة للإنسان، مع العلم أن العصر الذي عاش فيه ابن سينا لم يكن قد عرف بعد لا التلوثَ البيئي ولا الانبعاثَ الحراري نتيجة عدم وجود تصنيع في تلك الفترة، ولا وجود سيارات تتسبب في التلوث البيئي، فقد ولد ابن سينا عام 890 م وتوفي عام 1037 م، إذ لم يكن حينها قد بلغ الستين عاما، ومعنى ذلك أنه كان سابقا لعصره. اكتشافات ابن سينا في الطب لم تكن حكرا على المسلمين واللافت للنظر أن اكتشافات ابن سينا وخاصة في مجال الطب لم تكن حكرا على المسلمين ليستفيدوا منها وحدهم، بل جاءت لتستفيد منها البشرية كلها، مثلما استفادت البشرية لاحقا من بعض الاختراعات المختلفة لعلماء من مختلف بقاع العالم. ولكن روح الجشع وطغيان المادة وظاهرة التسلط لدى عدد من الحكام في العالم وفكر التسلط والهيمنة لدى بعض القوى التي بدأت في الظهور قبيل الحرب العالمية الثانية وما بعدها قد جعلت البشرية تعيش كثيرا من الويلات أيضا من جراء الاختراعات العديدة، وخاصة اختراعات الأسلحة بما فيها الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل والأسلحة التي دخلت في ما بات يُعرف بالأسلحة الخاصة بالحرب البيولوجية والتي تجرد فيها بعض العلماء خاصة في الغرب من كل القيم الإنسانية. ومع ذلك فإن الندم قد ساور نفوس بعض هؤلاء المخترعين بعد أن تحولت تلك الاختراعات إلى وسائل فتاكة بالعنصر البشري بعد أن دخلت عالم الحروب رغم أن بعض مخترعي تلك الأسلحة كان يدور في ذهنهم أن الهدف من اختراعاتهم هوالحفاظ على العنصر البشري من خلال بث فكرة الردع والتخويف. فالعالِمُ الألماني ألبرت أينشتاين الذي كان وراء اختراع تحويل الطاقة إلى كتلة يكون قد نصح الرئيس الأمريكي روزفلت بصنع قنبلة نووية لردع هتلر الذي كان علماؤه يحثون الخطى لصناعة قنبلة نووية، ولكن أينشتاين ندم على اختراعه عقب ذلك، بعد أن تحولت فكرته إلى حقيقة إثر قيام عدد من العلماء الأمريكيين وفي مقدمتهم روبرت أوبنهايمر على صناعة قنبلة قتلت آلاف الناس الأبرياء في مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، وكذلك الأمر لمخترع الديناميت ولميخائيل كلاشينكوف مخترع الكلاشينكوف الذي أُصيب بإحباط كبير بعد أن أصبح سلاحه آلة للقتل مثلما هوآلة للدفاع.. لقد اختبأ الغرب منذ الحرب العالمية الثانية خصوصا وراء عدة شعارات زائفة تارة باسم ضرورة تكريس قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عن الأقليات، وتارة أخرى باسم محاربة الأنظمة الديكتاتورية محاولا بذلك إخفاء الوجه المستتر للجشع الذي كان يسكنه وحتى بعض الأحقاد التي ظل يخفيها ضد الإسلام منذ الحرب الصليبية والتي لم تغب حتى وقت قريب عن ممارسات ولا خطابات بعض القادة الغربيين، ومن بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن عندما جاهر بذلك على الملإ عقب أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001. وقد كان الغرب عموما يحاول رغم الاختلافات في المصالح بين دوله وتكتلاته أن يظهر بين الحين والآخر بأنه متماسك سواء تحت لواء الحلف الأطلسي، أوتحت لواء التكتلات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي الذي جاء على أنقاض السوق الأوروبية المشتركة. لكن جائحة كورونا اليوم أفسدت كل التكهنات وبينت أن مفهوم الدولة القومية والمصلحة الضيقة لهذه الدولة أوتلك هي فوق كل الاعتبارات والحسابات. وقد بات الملاحظون على ضوء هذه المتغيرات يطرحون ملاحظات مفادها أن هذا الغرب المسكون بالمادة والجشع والذي غابت عن بعض أنظمته الروح الإنسانية وعامل التضامن سيتفتت لا محالة، وأن بعض دول الشرق رغم أمراض التسلط الداخلي والحكم المنغلق على نفسه التي سادت بعض أنظمته في السابق، ثم عودة بعض دوله لاكتساح السوق العالمي خاصة الصين والهند، والتمدد الهادئ في مختلف قارات العالم، والقدرة على معالجة وباء كورونا بأعصاب باردة وبنجاعة وسرعة فائقة وتحويل هذه الجائحة إلى عنصر قوة والاستثمار فيها سياسيا وتجاريا، هي مؤشرات على عودة الشرق إلى سالف عهده ليستعيد بذلك أنواره ومجده التليد الذي ضيعه منذ قرون. وإذا ما حدث هذا فإن تلك الروح الشرقية الشفافة من شأنها أن تُعيد الإنسانية للإنسان وإلى الكرة الأرضية من جديد، وتعيد شمس الشرق وأنواره من جديد من الشرق بعد أن غَطَّاها ضبابُ الغرب سنينَ طويلة.