الأحداث في منطقة الساحل الإفريقي وبالأخص في مالي، تعرف تدهورا سريعا وخطيرا، ينذر بتفاقم الوضع أكثر مما هو عليه حاليا، قد يقوّض أية عملية تستهدف إيجاد حلول سلمية لأزمة صفت على السطح ونجمت بالأساس على الإنتشار الرهيب وغير المسبوق للسلاح في المنطقة ككل. في الوقت الذي أدان فيه المجتمع الدولي، تفاقم العنف في مالي بعد استيلاء المتمردين العسكريين على الحكم ودعا خلاله مجلس الأمن الدولي، المتمردين الطوارڤ، الوقف الفوري للقتال وعودة الشرعية الدستورية إلى البلاد، تعرضت القنصلية الجزائرية بمدينة غاو المالية إلى اعتداء سافر من قبل «جماعة مجهولة»، حسب وزارة الخارجية الجزائرية، ومن تنظيم سلفي إرهابي حسب العديد من المصادر الإعلامية نجم عنه اختطاف القنصل الجزائري وستة موظفين في القنصلية، اقتيدوا إلى مكان مجهول، دون أن تتبنى أية جهة عملية الاختطاف هذه. اعتداء الجماعة الإرهابية على القنصلية الجزائرية والتنكيل بالعلم الوطني، هو استهداف مباشر للدولة الجزائرية ولمواقفها تجاه العنف المدمّر في دولة جارة على الشريط الحدودي الطويل. عنف مدمرّ ليس لدولة مالي فحسب، وإنما لكل دول منطقة الساحل والشمال الإفريقي، ولما ستؤول إليه الأوضاع المتأزمة وتداعياتها الخطيرة على كل الدول بدون استثناء بما فيها الجزائر. استهداف القنصلية الجزائرية، هو ردّ مباشر على الجهد الكبير والمضي الذي بذلته ولاتزال تبذله الجزائر في إطار محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة وسعيها الدائم لتحسيس وتوعية المجتمع الدولي بالمخاطر التي تنطوي على انتشار السلاح بمختلف أنواعه في المنطقة، وكل ما كانت تخشاه الجزائر وتحذر منه، أصبح ماثلا للعيان اليوم، على نحو سريع، وقد يكون أخطر مما توقعه الملاحظون، خاصة وأن المنطقة تشهد بروز نزاعات طائفية وانفصالية، عقب استيلاء الطوارڤ المتمردين على شمال مالي وإعلان حركة الأزواد تشكيل حكومة «أزوادية» في المناطق التي احتلتها بعد أن عجز الانقلابيون العسكر في مالي على السيطرة على الأوضاع والتحكم في الإنفلات الأمني الذي يسير في اتجاه تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ للتنظيم الإرهابي في بلاد المغرب العربي. الجزائر وعلى لسان الوزير الأول، أحمد أويحيى، اعتبر أن الوضع في مالي يدعو إلى الانشغال مذكرا بالموقف الرسمي للدولة الجزائرية الرافض لأي مساس بوحدة التراب المالي. كما أشار إلى أن بؤرة التوتر على الحدود الجزائرية لها أبعاد عديدة وفيه تلميح إلى التشابك المعقد للمشكلة، قد تكون للتداعيات المباشرة للأزمة الليبية على المنطقة انعكاسا قويا على تدهور الأوضاع في الساحل الإفريقي، لكن تسارع الأحداث يوحي بوجود جهة ما تسعى إلى خلط الأوراق، مستغلة النزاعات الانفصالية والطائفية، من جهة، كما أن التقارب السريع بين الجزائر وليبيا غير المنتظر لنفس الجهة، ساهم إلى حد كبير في التحرك نحو خلق بؤرة توتر أخرى على الحدود الجزائرية المالية، بعد أن وفقت الجزائر في إخماد التوتر الذي كاد أن يعرف أبعادا أخرى بينها وبين دولة ليبيا، عن طريق تبني شراكة فعّالة مع الحكام الجدد في هذا البلد الجار الذي يربطه بالجزائر شريطا حدوديا طويلا ومصالح استراتيجية أطول وأعمق.