اعتبر، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر، د.مصباح مناس، أن المظاهرات العنيفة في الولاياتالمتحدة على مقتل جورج فلويد، «رد فعل غاضب» يعكس الشعور باستمرار العنصرية المقيتة ضد السود، وقال أن الأحداث ستقلص حظوظ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الفوز بولاية رئاسية ثانية. «لا أستطيع التنفس..»، تحولت هذه العبارة التي نطق بها المواطن الأمريكي من أصول إفريقية، جورج فلويد، وهو يختنق ببطئ إلى أن لفظ أنفاسه، تحت ركبة الشرطي ديرك تشوفين (44 سنة)، في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، إلى الفتيل الذي فجر غضب مئات الآلاف من الأمريكيين ضد عنف الشرطة وضد «العنصرية» تحديدا. ومنذ هذه الواقعة التي حدثت في 25 ماي المنقضي، والولاياتالمتحدة تعيش على غليان الشارع، حيث نزل الآلاف من سود وبيض، نساء ورجال للتظاهر بمختلف المدن، وشهدت أعمال عنف وتخريب طالت مختلف المباني والمقرات الفيدرالية، أبرزها مقر شرطة مينيابوليس الذي تحول إلى رماد. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تعاطفا مع فلويد بيسراه، آمرا الشرطة بيمناه، بالتعامل بكل قسوة مع المحتجين، وقال في تغريدة له: «عندما يبدأ التخريب، ينطلق الرصاص». صور العنف وأعمدة الدخان التي اندلعت من سيارات الشرطة والمباني، والمحلات والمهشمة، أزاحت أخبار فيروس كرونا من واجهة الإعلام العالمي ومواقع التواصل الاجتماعي.فالدولة الأقوى في العالم راعية القيم «الليبرالية» و»الديمقراطية»، تعيش على صخب الشارع وذوي بنادق الغاز المسيل للدموع بينما وضع الجيش على أهبة الاستعداد. نتيجة العنصرية بالنسبة لأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر، د.مصباح مناس، لا يمكن عزل الغضب العارم الذي اجتاح الشارع الأمريكي عن «الشعور المتنامي لدى مجتمع السود بالعنصرية ضدهم من قبل أجهزة الأمن». وحسب إحصاء لصحيفة الواشنطن بوست، توفي أكثر من ألف شخص برصاص الشرطة في الولاياتالمتحدة العام الماضي، ويمثل السود العدد الأكبر بينما لا تصدر أحكام على المسؤولين إلا فيما ندر. وقال أستاذ العلاقات الدولية، ل «الشعب»، إن الأحدث التي عمت الولاياتالأمريكية «ليست ظاهرة جديدة، وسبق وأن وقعت في مراحل عدة من تاريخ البلاد»، وأشار « إلى حقبة التمييز العنصري التي كان بطلها رمز النضال الأمريكي مارتن لوثر كينغ». ورغم أن لوثر كينغ، دفع حياته ثمن لكفاحه ضد العنصرية، إلا أن الأوضاع لم تتغير كثيرا، حسب مناس الذي قال: «تحسنت أوضاع الأمريكيين السود منذ اغتياله (لوثر كينغ)، ولكن العنصرية لم تنته في هذه البلاد». وأوضح أنه «بعد انتخاب الرئيس السابق باراك أوباما سنة 2008، كأول رئيس أسود للولايات المتحدة، كانت رسالة للتصالح مع التاريخ العنصري لأمريكا، لكن نتائج استطلاعات الرأي كشفت أن العنصرية عادت لترتفع من سنة إلى أخرى». وتابع: «يمكن أن نفهم الآن، أن العنصرية متجذرة في المجتمعات الغربية عموما والمجتمع الأمريكي خصوصا». وخلص المتحدث، إلى أن « ما يحدث هو تنفيس اجتماعي ناجم عن الشعور بالظلم، الذي لن ينتهي رغم المكاسب المحققة من قبل السود في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية». ليس في صالح ترامب ومع بداية العد التنازلي للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الثالث نوفمبر المقبل، ستؤجج أزمة كورونا والمظاهرات الغاضبة، المنافسة بين الرئيس الحالي دونالد ترامب ومرشح الديمقراطيين جو بايدن. وفي هذا الشأن، اعتبر مصباح مناس، أن المظاهرات الصاخبة على مقتل فلويد، ستكون من محددات النتيجة النهائية للانتخابات المقبلة. ورأى المتحدث، أن ترامب خسر رصيدا معتبرا في استطلاعات الرأي، بسبب سوء إدارته لأزمة كورنا ودعوته لاستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. وقال، إن «الرئيس الأمريكي، حقق نتائج جيدة في الأشهر السابقة، مستفيدا من انتعاشة اقتصادية وتدني مستويات البطالة إلى أقصى حد، غير إدارته الكارثية لأزمة كورونا ونشوب المظاهرات ستكون عاملا حاسما ضده». وأوضح، أن تعاطف البيض مع السود في هذه المظاهرات، لن تكون لصالح ترامب، الذي «يراهن في الغالب على التطرف والتفوق العرقي والهوية الدينية لتحقيق مكاسب انتخابية». وأضاف أن استمرار الركود الاقتصادي الناجم عن أزمة كورنا، لن يجعل ترامب في موقع جيد،»لأن خصومه الديمقراطيين، يركزون على الوضع المؤشرات الاقتصادية كما يهتم المواطن الأمريكي كثيرا بالوضع الاجتماعي والاقتصادي». الكيل بمكيالين وبشأن ما يمكن أن تستخلصه الشعوب الأخرى التي عانت من الاضطرابات وعدم الاستقرار لعقود طويلة، من أحداث العنف التي أعقبت مأساة مقتل جورج فلويد، أوضح مناس أن المقارنة ستؤكد «اعتماد الدول الغربية سياسة الكيل بمكيالين» لما يتعلق الأمر بالديمقراطية والحرية. وتعاملت الشرطة الأمريكية بحزم شديد مع المظاهرات، وأمر الرئيس ترامب وحكام الولايات التي شهدت احتجاجات إلى استخدام أقصى درجات القوة مع المتظاهرين. وقال مناس، أن الدول الغربية «لطالما استخدمت الديمقراطية للضغط على الدول الأخرى التي لا تسير في الفلك الأمريكي»، مضيفا «أن دول العالم الثالث وتلك التي ترى فيها الولاياتالمتحدة والدول الغربية الأخرى مصالح كبيرة عانت كثيرا من الضغوط والتدخلات تحت ذرائع حقوق الإنسان والديمقراطية». ولفت إلى أن تدخل الشرطة الأمريكية ضد المحتجين، يتجاوز من حيث القسوة، تعامل الأجهزة الأمنية بدول نامية وفقيرة مع المظاهرات، معتبرا «أن القاعدة السياسية لدى الغرب تقوم على الازدواجية والشعارات البراقة».