التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي تصنّف أداء الاقتصاد الجزائري في خانة التنقيط الإيجابي، معترفة في كل المحاور التفصيلية التي تتناولها قدرة هذا الاقتصاد في الحفاظ على توازنه، خاصة ما تعلق بالمؤشّرات التي تتحكّم في الدورة الاقتصادية ومدى فعاليتها في مسار المردودية، ونعني بذلك مستويات النسب المتوجهة إلى معرفة حركية النمو والتضخم والبطالة. ونسجّل دائما في قراءة أولية لهذه التقارير ورود توصيات تجاه الاقتصاد الجزائري، وأول ما يلاحظ الدعوة الملحة إلى “التنويع”، ويقصد منه عدم الابقاء على المصدر الأحادي في المداخيل المعتمدة على المحروقات فقط، وفتح أفق أخرى مقابل ذلك. ومن جهة ثانية، هناك إشارة واضحة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية الخاصة بالاستثمار، هذه التوصيات وغيرها هي دائما التي تتكرّر كل مرة يخرج فيه تقييم “الأفامي” للاقتصاد الجزائري. وبالتوازي مع ذلك، نوَّه تقرير صندوق النقد الدولي بالشق المالي في المنظومة الاقتصادية الجزائرية، واصفا إيّاه بالناجح نظرا لقدرته على مواجهة تعاقب الأزمات المالية التي عصفت باقتصاديات العالم، وانتهاج صيغة المرحلية والتدرج، والحذر من أجل الاندماج في المؤسسات المالية العالمية، وإضفاء مبدأ الأمن المالي والديمومة، والحصانة على النفقات المالية تجاه المشاريع التنموية المقرر إنجازها بداخل الوطن. هذه المعطيات الحيوية والإيجابية الواردة في تقارير صندوق النقد الدولي هي التي حرّكت إدارة هذه الهيئة من أجل مطالبة الجزائر بأن تدعّم رأسمال الصندوق مستقبلا، وهذا الطلب هو الآن محل دراسة معمّقة من قبل السلطات العمومية في الجزائر، التي ستبحث في كل جوانبه حتى تتخذ القرار النهائي من هنا وإلى غاية شهر أكتوبر تاريخ عقد الإجتماع السنوي للصندوق، علما أنّ السيدة كريستيان لاغارد رئيسة الأفامي من المقرر أن تزور الجزائر في أواخر السنة. لابد من التأكيد هنا أنّ طلب الأفامي نابع من اعتراف صادق بأنّ أداء المنظومة المالية في الجزائر خاضع لشروط صارمة لا يمكن التلاعب به باتجاه التبديد أو التبذير أو أشياء من هذا القبيل، وتدخّل البنك المركزي في هذا الإطار زاد من الحرص الشديد والمراقبة المستمرة على هذه الأرصدة المالية. وقد أشادت تقارير صندوق النقد الدولي بعمل بنك الجزائر ومتابعته المتواصلة لحماية قيمة الدينار، واحتياطات الصرف وكل ما له صلة بالنفقات والمداخيل والتجارة الخارجية، انطلاقا من هذه المعاينة تأكد لدى مجلس إدارة الصندوق بأنّ الجزائر شريك فعّال يمكن الاعتماد عليه مستقبلا في المسائل المالية التي تخصّ هذه الهيئة. والجزائر تعرف جيدا آليات عمل الصندوق، وهي لا ترتمي في أحضانه بمجرد أنّه بادر بهذا الطلب، وإنّما هناك خبراء جزائريون لهم الكلمة النهائية في هذا الشأن، وأول سؤال يطرح في هذا المجال ماذا ستستفيد الجزائر من دعمها المالي للصندوق؟ إذا استطعنا الإجابة عن هذا الاستفسار، فإنّ كل الأمور التقنية الأخرى يمكن تجاوزها بالسهولة المعهودة. علينا أولا أن نثير فرضيتين هنا، هل طلب الأفامي سياسي أم اقتصادي؟ نعتقد بأنّ صندوق النقد الدولي يسير بمنطق مالي صارم، وما فرضه على اليونان من شروط قاسية رفقة مجموعة اللتحاد الأوروبي، تعدّ حقا ضريبة موجعة وأليمة، لأنّها مسّت الجانبين الاقتصادي والاجتماعي مقابل منح هذا البلد قروض تصل إلى 100 مليار أورو على دفعات. وأزمة اليونان وبعض البلدان الأوروبية كإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، حتّمت على الأفامي التدخل بطريقة أو بأخرى لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من انهيارات متتالية لاقتصاديات هذه البلدان. وانطلاقا من هذه العيّنات الواقعية لمس خبراء الصندوق بأنهم في حاجة ماسة إلى مزيد من الدعم المالي، من طرف البلدان القليلة مثل الجزائر التي أظهرت قدرة فائقة وكفاءة عالية في إدارة مداخيلها من العملة الصعبة، وقد وصل احتياط صرفها إلى أكثر من 155 مليار دولار. وأيّ مساهمة جزائرية تجاه هذا الصندوق يجب أن تكون مشروطة، انطلاقا من معرفة على الأقل وجهة تلك الأموال على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، حتى لا تمنح لبلدان ليست في حاجة إليها، ففي كل مرة يمنح هذا الصندوق أموالا لدول لا يتطلب الأمر أن تحصل عليها بالنظر إلى دول أخرى. ونتذكّر جيدا أنّ هذا الصندوق كان قاسيا على الجزائر خلال مرحلة التسعينات، في عهد “كامديسوس”، وقد فرض برنامجا تصحيحيا وهيكليا أدّى إلى غلق وحلّ ألف مؤسسة اقتصادية، وتسريح 400 ألف عامل، وخطوط القروض كانت ممنوعة على الجزائر، وإن تمّت الموافقة عليها تعود بالسلب علينا لأنّها تشترط أشياء صعبة التطبيق اجتماعيا. وبعد استرجاع الجزائر عافيتها المالية، يعود الصندوق ليطلب دعم رأسماله اعترافا بمنظومته المالية.