- شبكتنا العنكبوتية لم تنسج على أسس تكنولوجية صحيحة - الأمن الإعلامي والأمن السيبيراني خطران يجب مواجهتهما - التشريع الحلقة المفقودة في النظام الإعلامي الرقمي والتغيير ضروري - جزأرة المواقع الرقمية (.DZ) رهان تفرضه الاستقلالية الإعلامية
تحول أملته المدنية المعاصرة في الزمن الافتراضي العجيب مكسر حواجز الجغرافيا السياسية، مقرب المسافات البعيدة في عالم القرية الواحدة، يقول عنه آهل الاختصاص، أملته محطة مفصلية في حياة الأمم قوامها الحداثة وروحها الرقمنة، إنها الصحافة الالكترونية التي تفرض قوالب جديدة وقواعد آمرة في عالم الإعلام المتغير بسرعة البرق، يفرض التكيف مع مستجداته اليوم قبل فوات الأوان. كيف ولماذا؟ الحوار الذي أجرته «الشعب ويكاند» مع الدكتور عمار عبد الرحمان، أستاذ بكلية علوم الإعلام والاتصال في جامعة الجزائر3، يفصل إجابات عليها وعلى غيرها من أسئلة الراهن الإعلامي والإتصالي. الشعب ويكاند: الصحافة الإلكترونية حديث الخاص والعام، أين موقعنا من هذا التحول الإعلامي الرقمي، ماذا تحقق في هذه التجربة، التحدي؟ **الدكتور عمار عبد الرحمان: فعلا لا يختلف اثنان على أنّ الصحافة الإلكترونية قد أوجدت لنفسها مكانا تحت شمس الأمم، فهي تمثل بالأساس تحوّلا محوريا في حياة الأمم قوامها الحداثة وروحها الرقمنة. إنّ هذا التحول الذي أملته المدنية المعاصرة في زمن ما بعد الحقيقة، يدفعنا للتموقع إلى جانب الأمم الأخرى، نحن نعيش في عالم متناسق إلكترونيا ولا يمكننا أن ننسلخ عنه بأي حال من الأحوال تفاديا للوقوع في الفجوة الرقمية. وهي فجوة من شأنها إحداث القطيعة بيننا وبين باقي الدول الرائدة في مجال التكنولوجيات الحديثة والتي تبنّت منذ فترة الصحافة الإلكترونية، في الوقت الذي ازدهرت فيه سوق الهواتف الذكية. الجزائر مطالبة إذا بمسايرة التقدم والمشي على خطى الحداثة، وبما أنّ الإعلام يعتبر عاملا محوريا في حياة الأمم، فإنّ الانتقال إلى عالم الرقمنة بات تحديا حقيقيا للإعلام الجزائري. نقص التدفق العالي مصدر قلق المشتركين في الخدمات الرقمية الواقع الإعلامي المتغير وتكنولوجيات الاتصال الحديثة، فرضت إذا هذا الخيار، هل خدمات شبكاتنا العنكبوتية تستجيب للطلب وتلبي الغاية؟ في اعتقادي المتواضع، لا زالت الجزائر بعيدة عن الواقع الرقمي بشكل عام، لأنها تعاني نقصا فادحا في التدفق العالي، ومنه لا يمكن الاستجابة للطلب ولا لتلبية الغايات المرجوة، حتى وإن كانت الوزارة الوصية قد لجأت إلى رفع الذبذبات مؤخرا بطلب من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلا أنّ الوضع لا زال يراوح مكانه، فالشبكة العنكبوتية ببلادنا لم تنسج على أسس تكنولوجية صحيحة، في الوقت الذي أبدت فيه السلطة العليا للبلاد إرادتها في التغيير والتحول التكنولوجي. وماذا يمكن أن تقدمه الألياف البصرية في تعزيز الشبكة العنكبوتية وسد الفجوة؟ تعتبر الألياف البصرية مصدر التكامل الرقمي، فقد تفوقت الأمم المتقدمة في عالم الشبكة العنكبوتية بفضل شبكة الألياف البصرية الهائلة، التي مكنتها من تبوأ الريادة في عالم النت، فهي مصدر التدفق العالي، والجزائر تضطلع بتغطية كبيرة بخصوص الألياف البصرية، ومع ذلك لا زالت تعاني من نقص في التدفق العالي والذي يبقى مصدر قلق المشتركين في الخدمات الرقمية. في اعتقادي، إنّ السياسات السابقة في مجال تكنولوجيات الإعلام أسّست للفشل في مجال النت، بالرغم من التغطية الكبيرة بالألياف البصرية، إلاّ أنّ الجزائر لا زالت بعيدة عن هذا الفضاء الرقمي، وللتذكير فإنّ بلادنا كانت سباقة في مجال التغطية بالألياف البصرية، إلّا أن السياسات السابقة الفاشلة عطّلت عدة مشاريع واعدة لم تعرف التجسيد على غرار ال FTTH وFTTX وهي متعلقة بجلب الأنترنت للبيوت وبأكثر سرعة وتدفق عالي. في ظل العولمة الرقمية، كيف السبيل لبسط السيادة على الانترنيت وتحقيق الاستقلالية والأمنين الإعلامي والسيبراني؟ يبقى الأمن الإعلامي والأمن السيبراني، من اهتمامات الدولة الجزائرية، وهي واحدة من المخاطر المحدقة بالأمم ويبقى بسط السيادة الرقمية مرتبط بمدى تمكّن الدولة من إحكام قبضتها على الجوانب الأمنية المتعلقة بالشبكة العنكبوتية ومدى قدرتها على تحصين قواعد بياناتها. أين دور القمرين الصناعيين اللذين أطلقتهما الجزائر في كسب رهان الإعلام الرقمي، وإقامة صناعة ستاتليتية للبث الإذاعي والتلفزيوني والمكالمات وخدمات الانترنيت ونقل المعطيات والبيانات؟ بالفعل تمكّنت الجزائر من إطلاق قمرين صناعيين، إلا أنّ نتائج تلك العملية لن تظهر في الوقت الحالي، فالتجربة التي ترعاها دولة الصين الشعبية ستدوم عامين على الأقل. غياب وكلاء خدمات الأنترنت الخاصة سابقا أزم الوضع نلاحظ أننا لا زلنا مرتبطين بخدمات دول أجنبية حيث معظم المواقع الرقمية خارج الوطن، وضعف إنتاج المضامين أدى إلى عزوف مستعمل هذه المواقع إلى الاتكالية على الأجنبي، كيف يمكن بناء مجتمع معلوماتي في هذه الحالة يوفر منشات قاعدية وطنية للاتصالات وشبكة عنكبوتية لخدمات نوعية؟ الخوض في مجال الرقمنة يستدعي بالضرورة جزأرة المواقع الرقمية (.DZ) على غرار ما قامت به الصين، فالواقع الرقمي خطير جدا في مآلاته، والجزائر للأسف الشديد لا تملك الاستقلالية الرقمية، التي لا يمكنها أن تتأتى في ظل تراجع الخدمات الرقمية والنقص الكبير في التدفق العالي، وهو ما يجعلنا تحت رحمة الدول الحاضنة. كما أنّ تغييب وكلاء خدمات الأنترنت الخاصة (Providers) في العقد الماضي، زاد من تأزم الأمور، ومنه لا يمكن الحديث عن توفير منشآت قاعدية وطنية للاتصالات. لهذا السلطات العمومية مهتمة الآن بهذا الجانب ومنحه الأولوية في ورشات الإصلاح والتغيير. *أمام الانزلاقات والاستعمال غير الأخلاقي للفضاءات الرقمية، جاءت ورشات لتنظيم قطاع الاتصال وحديث عن وضع ترسانة قانونية لضبط المهنة الإعلامية واحترافيتها، كيف تقيمون التجربة وما هو منتظر في إقامة منظومة إعلامية وطنية لها ثقلها ووزنها في الزمن الرقمي المفتوح؟ **إنّ اتساع رقعة مواقع التواصل الاجتماعي على غرار فايسبوك، وكثرة المشتركين فيه (أكثر من 25 مليون مرتبط بشبكة الفايسبوك)، أدى إلى انزلاقات خطيرة، لعلّ أبرزها شيوع الأخبار الكاذبة fake news، وهو ما يستدعي إيجاد منافذ قانونية بوضع ترسانة قانونية تضبط القطاع، التشريع هو الحلقة المفقودة في النظام الإعلامي الرقمي بالجزائر، ومنه جاءت الورشات التي رعتها وزارة الاتصال والتي أشركت فيها منتسبي القطاع والخبراء والأكاديميين للإدلاء بآرائهم وتقديم الحلول الناجعة التي من شأنها ضبط القطاع من جهة وتحديد المسؤوليات الأخلاقية من جهة أخرى. الابتعاد عن الشعبوية في التعاطي مع أمهات الأمور المتعلقة بالرقمنة أين اتصالات الجزائر ومتعاملو النقال في معركة تحويل الوسائط التكنولوجية في الخدمات النفعية والاقتصاد الرقمي، حجر الزاوية في معادلة التغيير وإستراتيجية بناء الجزائر الجديدة؟ في اعتقادي يبقى التحدي لولوج عالم التكنولوجيات الجديثة والرهان أكبر بخصوص مستقبل الجزائر، في ظل التحديات المختلفة وعلى أكثر من صعيد. إنّ المؤسسة الأم (اتصالات الجزائر) اليوم أمام تحديات جسام، فهي مطالبة بمضاعفة الجهود بالتعاطي مع أمهات الأمور المتعلقة بعالم الرقمنة، يعني أنّها مطالبة بإعادة النظر في إستراتيجيتها المتبناة منذ أكثر من عقد، والتي لم تأت أُكلها، فالوضع الراهن يستدعي التحرك بسرعة والاحتكام إلى الميدان وذلك بتبني أفكار جديدة تساهم ولا ريب في تغيير المنحى الرقمي ببلادنا. كلمة أخيرة. إنّ الجزائر تعيش مخاضات عسيرة خاصة في عالم الرقمنة لمسايرة الأمم المتقدمة والرائدة في مجال التكنولوجيات الحديثة، ولعلّ أبرز أسباب التأخر التكنولوجي في بلادنا يعود لغياب الإرادة السياسية في ما سبق والتعامل مسؤولي القطاع (الوزارة الوصية واتصالات الجزائر) مع الملف التكنولوجي بكثير من الشعبوية، وهو ما أثّر سلبا على تقدمنا في هذا المجال بالرغم من امتلاكنا لكفاءات عالية أثبتت عبقريتها في الخارج قبل الداخل، ومنه يتوجّب على القائمين على هذا القطاع الحساس والمستقبلي، الاجتهاد في إيجاد صيغ موضوعية تؤمّن للجزائر ولوج عالم الرقمنة بكل أمان.