ثلاثة أشهر بعد «معركة الجزائر» ثار الشعب الجزائري مجددا عبر كامل التراب الوطني، من أجل إجهاض مخططات فرنسا الاستعمارية، وكسر الحصار على العاصمة، واجتياز حاجز الرعب الذي فرضته قوات الاستعمار بتبني سياسة الترهيب ضد الشعب الذي تفنّنت في ترويعه دون أي تمييز بين من حمل السلاح أو من هو أعزل، لقتل كل عزيمة لديهم في مقاومة غطرسة العدو الغاشم. «بطل واحد: الشعب» وثائقي للمخرج ماتيو ريقوست، أنجزه سنة 2020، يروي ثورة شعب بعد 130 سنة من الاستبداد والقهر، في ذات 11 ديسمبر من سنة 1960. لمدة 80 دقيقة، ينقل الوثائقي شهادات حية لمجاهدين عايشوا الحدث، ومؤرخين درسوا خباياه ومسبباته. يسلط الوثائقي الضوء على معاناة يومية لشعب عرف ازدواجية المعايير والتعامل لسلطة استعمارية حاولت طمس هويته بدءاً من المدرسة، لكن دون إدماجه أو منحه حقوقا مدنية أو حتى إنسانية كتلك التي يتمتع بها المعمِّر أو المواطن الفرنسي. يروي الوثائقي أيضا، قصصا شخصية لمجاهدات أمثال فضيلة عمراني وأختها جميلة ومجاهدين، قد لم تذكرهم كتب التاريخ، لكن يبقى تاريخ ذلك اليوم مرسخا في ذاكرتهم وقلوبهم أمثال عيسى نجاري الذي ذاق الأمرين بعد اعتقاله سنة 1960 هو وأمه، إذ كان الجلاد يتلذذ بالتناوب على تعذيبه هو ووالدته، وهذا مصطفى سعدي أحد سكان العاصمة يقص التمييز الذي عاشه في طفولته، ومسعودة شادر، ولونيس ايت عاودية، وسفيان بارودي، وفوزية فكرون و…غيرهم من أبطال صنعهم الوعي السياسي لشعب طفح به كيل القمع والظلم والاستبداد. ففي يوم 11 ديسمبر 1960، خرج الشعب الجزائري متمردا على القمع الوحشي للسلطة الفرنسية، فاجتاح الشوارع التي كانت ممنوعة على «الأهالي». خرج آلاف النساء والأطفال والشباب، مقيمين مطاعم شعبية ومستشفيات ميدانية بالشوارع، منددين بسياسات الاحتلال من نهب للأراضي وتجويع وتجهيل، واعتقالات تعسفية، مستغيثين بالمجتمع الدولي، بصفة عفوية، بعيدا عن أي تنظيم مسبق. فبعد إضعاف جبهة التحرير الوطني، نظرا للقمع المكثف لقوات الاستعمار بعد «معركة الجزائر»، التي حاولت بكل الأساليب القضاء على التنظيم السري لجبهة التحرير الوطني، أخذ الشعب زمام الأمور، لكسر الحصار المفروض عليه، بعيدا عن كل انتماء سياسي، في هبة رجل واحد ضد القمع، بحثا عن الحرية والاستقلال بعد أن وصل إلى قناعة أن العصيان هو الحل. سيناريو الوثائقي مبني على شهادات آخر من عايشوا الحدث. تغوص كاميرا الوثائقي في أعماق الأحياء التي عرفت جرفا إنسانيا في ذلك اليوم، للكشف عن خبايا كل شبر من الأرض التي وطأتها أقدام المتظاهرين. ليسرد أصحاب الشهادات قصصهم الشخصية، فيرجعوا بذاكرتهم ليوم ليس كسائر الأيام. فتجتاحهم الدموع وتنخفض أصواتهم أثناء الحديث تارة، ويغمرهم الكبرياء والعزة تارة أخرى. تتقاطع شهاداتهم مع تحاليل مؤرخين وباحثين من مختلف الأجيال. إنها قصة نصر لشعب آمن بقضيته فتبناها، تحاكي الشعوب المضطهدة وتمنحهم نبرة أمل أن عزيمة الشعب أم المعجزات.