تعرف المساحات الخضراء بقسنطينة تراجعا ملحوظا ووضعية كارثية في ظل نقص إمكانيات الترفيه والتسلية وفضاءات الترويح عن النفس في ولاية تعد من أكبر الولايات بالوطن بلا منازع. لكن على عكس الكثير من الولايات التي شدت اليها الاهتمام وصارت قبلة العائلات بكثرة الفضاءات الترفيهية، المساحات الخضراء في الصدارة، بقت قسنطينة تحمل الاستثناء وتحتفظ بقاعدته السلبية دون الاقبال على تغيير هذه الصورة البائسة التي ادت ب«الشعب» إلى الخروج إلى الميدان في جولة استطلاعية لرصد الواقع وما يحمله من حقائق خفية وأخرى مغيبة. قسنطينة حافظت على وفائها لهذه الخصوصية التي تناقض مسعى بقائها عاصمة الشرق بامتياز، فهي تغوص في فوضى النقائص التي تعد من النقاط السوداء بعاصمة الشرق، أهمها مشكل عجز مرافق التسلية والترفيه التي اختفت تاركة وراءها المجال لمزاحمة الإسمنت والمشاريع التي شوهت الجمال المعماري والطبيعي للولاية. وضعية الساحات العمومية في خطر بعد محاصرة الاسمنت المسلح لها واكتساحها من البناءات البعيدة عن التناسق العمراني وجاذبيته وديكوره الفاتن، مظاهر أسواق «البازار والشيفون»، والتجارة الموازية في كل مكان. وهو ما أدى إلى تراجع قيمة عدد هائل من الحدائق العمومية سواء المتواجدة بوسط المدينة أو ببعض الأحياء الراقية عبر كامل بلديات الولاية. يحدث هذا على الرغم من أن الحدائق والمساحات العمومية والغابية تكتسي أهمية كبيرة بالمحيط العمراني، سواء من الناحية الجمالية أو الصحية والاقتصادية، إلا أن المعاينة الميدانية التي قمنا بها عبر 43 حديقة ما بين قديمة أنجزت قبل 1962 وحديثة النشأة منها 21 حديقة متواجدة ببلدية قسنطينة، والباقي موزع بين بلديات الولاية، كشفت أن معظمها مغلقة في وجه المواطنين رغم توفرها على مواصفات جيدة من حيث التهيئة. المثال تقدمه حديقة «بيروت» بسيدي مبروك وحديقة «بوجنانة» بجانب جسر «سيدي مسيد»، وهذا لأسباب أقل ما يقال عنها أنها تافهة، مثل انعدام الحراسة ونقص اليد العاملة، ما جعلها عرضة للعوامل الطبيعية من جهة ولتخريب اليد البشرية من جهة أخرى. كما تعاني حدائق أخرى من نقص في النظافة والتهيئة وقلة الإنارة، كحديقة «ابن زياد» وحديقة «ديدوش مراد» بزيغود يوسف ما جعل المواطن يهجرهما وينفر منها. حدائق عمومية تتحول إلى مواقف للسيارات حسب استطلاعنا الميداني هناك حدائق مفتوحة لكن عددها ضئيل جدا بعاصمة الشرق الجزائري، وتشترك مع السابقة في حالة التردي والتسيب والاهمال. وجدنا هذه الحدائق التي زرناها ووقفنا على وضعيتها اشبه بالحدائق المغلقة على مدار العام، وجدنا نفس الصورة تتكرر.. نقص النظافة وانعدام المرافق الخدماتية، وهو الأمر الذي تشهده حديقة «سوسة» وحديقة «ناصر بشير» بوسط المدينة وغيرها من الحدائق الأخرى. وبالرغم من أشغال التهيئة والتحسينات التي طالت هذه المساحات، إلا أنها لم ترق إلى المستوى المطلوب، حيث بقيت من غير تجهيزات، الأمر الذي أفقدها حيويتها مع أنها كانت المكان المفضل الذي يرتاده الفنانون والمصورون، والمكان المفضل لتنظيم السهرات والحفلات، على غرار ساحة الشهداء والمعروفة باسم «لابريش»، وكذا ساحة «النجمة» التي تتوسط المدينة والتي كانت في وقت ما قبلة ومقصد كبار رموز الفن في العالم والجزائر لتتحول اليوم إلى موقف للسيارات حيث التلوث يضرب أطنانه مناطق غابية خلابة والسلطات في غنى عنها من غريب الصدف في جولتنا الاستطلاعية ان نقف على نفس الديكور بالمساحات الغابية التي كان من المفروض ان تكون رئة التنفس لسكان قسنطينة وواجهة تجوالهم وتنزهم لكن هيهات بين النظري والواقع.. بين الطموح والحقيقة. تزخر مدينة سيرتا بثروة غابية لا بأس بها، فبدءا من الطبعة الجمالية التي تتمتع بها وصولا الى قلة التجهيزات والإمكانيات اللازمة لاستقبال المواطنين، نجد على سبيل المثال غابة «جبل الوحش» وعلى الرغم من موقعها الإستراتيجي الخلاب، إلا أنها فقدت الكثير من طابعها الجمالي بسبب انعدام اليد العاملة، التي تسهر على المحافظة عليها وكذا انعدام التهيئة، ما جعلها عرضة للتأثيرات البشرية وحتى الطبيعية. فهي تحتاج اليوم إلى تهيئة جديدة وفعالة تلبي رغبات المواطنين في الاستجمام والراحة، باعتبارها قطبا سياحيا مميزا، نفس المشاكل تعاني منها الغابات الأخرى على غرار «المريج»، «المريخة» ببلدية «عين السمارة» وغابة «الحاج بابا» ببلدية «بكيرة». دراسة توجيهية لتسيير المساحات الخضراء في سياق مواز يطالب المواطنين إعادة تأهيل وتسيير المساحات الخضراء بقسنطينة، وهو ما دفع بالسلطات للقيام ب «دراسة توجيهية سيتم ضبطها قريبا» من مكاتب دراسات متخصصة حسب ما أوضحه مصدر مسؤول بمديرية البيئة ل «الشعب»، ويتعلق الأمر يقول ذات المسؤول بمبادرة محلية «أولى من نوعها» تهدف إلى حماية وحفظ الآليات التقنية العلمية لكل المساحات الخضراء بالإقليم، وسيتم تنفيذ مخطط تدخل مفصل ودقيق يستهدف جميع المساحات الخضراء عبر البلديات ال 12 التي تعدها الولاية، وذلك على إثر دراسة توجيهية ترمي إلى أن تكون «أداة دعم ومرافقة ناجعة» لجميع المتدخلين، على غرار مديرية البيئة، ومن شأن استغلال هذه الدراسة أن تسمح لمهنيي البيئة بإجراء تدخلات «هادفة ومحسوبة» من الناحية التقنية، وكذلك البيئية يضيف ذات المصدر. وستقدم هذه الطريقة الخاصة بتسيير المساحات الخضراء لمهنيي البيئة، جميع التقنيات الضرورية التي من شأنها أن تضمن تكفل أحسن بجميع النقاط «الرئوية» بالولاية. واستنادا لذات المصدر فإن التوجيهات والمبادئ التي تضمنتها هذه الدراسة التوجيهية ستعتمد «كمرجع» للمسؤولين والمنتخبين المحليين، المكلفين بعمليات إعادة تأهيل المساحات الخضراء المدعوين للتشاور، ومن شأن هذه الدراسة أن تساعد على ابتكار السبل اللازمة لغرس ثقافة خضراء وسط المواطنين وذلك بمساهمة مختصين، وأعلن مدير البيئة أيضا عن تعيين قريب لمكاتب دراسات مختصة مكلفة بمتابعة كل العمليات المتعلقة بالجانب البيئي بعاصمة الشرق الجزائري.