تأتي الاحتفالات المخلّدة للذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية، ومعها مناسبة للوقوف على إنجازات الجزائر وعلى التحديات الكبيرة التي تعاقبت أجيال ما بعد الاستقلال لأخذها على عاتقها من أجل بناء وتشيد الجزائر الحديثة خلال نصف قرن من الزمن . وإذا تعدّ سنة الاحتفالات فرصة لاستعراض أمجاد وبطولات من ناضلوا وضحّوا بالنفس والنفيس من أجل تحرير أرض الوطن من قبضة الاستعمار الغاشم، فهي أيضا بحكم الاحتفال بعيد الشباب فرصة لتسليط الضوء على الكفاءات الشابة وإنجازاتها، وكذا استعدادها لحمل المشعل ومواصلة التحدي للنهوض بالجزائر، واستكمال ما تبقّى من نداء نوفمبر 1954. يمكن للمتجول في جزائر اليوم، التي ضحّى شعبها الأبيّ بالنفس والنفيس من أجل استعادة سيادتها أولا ومن أجل بنائها واستتباب الأمن والاستقرار فيها ثانيا، أن يقف على إنجازات وتشييدات عظيمة، وأن يكتشف مئات الورشات المفتوحة والمشاريع التنموية المنجزة أو في طريق الانجاز، ويهدف من هذه المشاريع النهوض اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا بالبلد، وإعطاء الجزائر المكانة التي تستحقها بين الدول المتحضرة . وتترجم كل الخطوات البناءة والانجازات التي سجّلها تاريخ الجزائر الحديثة الرغبة القوية لشعبها وروّاده على كسب رهان التحدي الكبير بعد معركة استرجاع السيادة وتقرير المصير، وكذا ليبرهن للعالم أجمع أنّ الشعب الذي اختار أن يكون سيّد نفسه قادر على تكوين إطارات وكفاءات تأخذ على عاتقها مواصلة السير على درب الشهداء وأبطال حرب نوفمبر 1954 المجيدة. والجدير بالذكر، أنّ رفع التحديات الكبيرة هذه لم تكن بالمسألة الهيّنة، ولكنها كانت في كل الأحيان من صنع الوطنية وحب الوطن والعزيمة القوية التي يتسم بها الجزائريون والجزائريات . ونقف اليوم على جزائر تحصي إمكانياتها، تدقق النظر في حساباتها وتضع خطوة عريضة في مسار التقدم إلى الأمام. جزائر لا تتوارى عن أخد القرارات الكبرى بغية الارتقاء إلى كل ما هو تحضر ونم ووتقدم للصالح العام والخاص . ويأتي الحدث العظيم المخلّد لذكرى استرجاع السيادة الوطنية لا للاحتفالات فقط، بل كفرصة تستوقف فيها الجزائر الزمن لتغير المشعل من جيل لآخر، ولبدء مرحلة انتقالية أخرى في ظل الاستمرارية والتواصل من أجل حماية سيادة ومبادئ شعبها، استتباب الأمن له وتحسين ظروفه المعيشية والاجتماعية .