أعطى أحمد ماضي رئيس النقابة الوطنية للناشرين وأمين عام اتحاد الناشرين المغاربي قراءته في المشهد الثقافي المتغير بالجزائر على ضوء خمسينية استعادة السيادة الوطنية. وقال ماضي الذي كان «ضيف الشعب»، في تقييمه للمكانة التي تحتلها الثقافة بالجزائر وموقعها في الاصلاحات التي يجري تطبيقها في الميدان على أكثر من صعيد بغرض بناء دولة المؤسسات، وهي دولة تحتل فيها الثقافة العمود الفقري، و«دينامو» التحول. ويرى ماضي مدير دار الحكمة، أن جريدة «الشعب» بفتحها ركن «ضيف الشعب»، تفتح الأبواب للثقافة.. للكلام عن الثقافة الصحيحة، لمحاورة أهل القطاع حول شجون الثقافة، وهمومها بعيدا عن المهرجانات، الكرنفالات وما يدرج ضمن «ثقافة.. ''الشطيح والرديح». وحسب أحمد ماضي، فإنه بات من الضروري العمل على التغيير من الوضع الستاتيكي الذي تعيش فيه الثقافة، وتجد نفسها أسيرة تناقضات، واهتزازات وغياب الفعل الثقافي الحق مصدر التغيير، والمنطلق نحو بناء معادلة ثقافية متوازنة، لا تشوبها شائبة، ولا يسودها اختلال واخفاق. وتساءل في رده على سؤال حول ما العمل وكيفية إصلاح الأمر، كيف يمكن التمادي في التعامل مع الشأن الثقافي برؤية تجاوزها الظرف، لا تعطي أي قدر للمسؤولية في التغيير والاصلاح. تساءل أيضا كيف يتمادى الوضع بعد خمسينية استعادة السيادة الوطنية، ولا يتجاوب مع صرخات المثقفين ونداءاتهم المتكررة في التكفل بالثقافة، واسناد الملف لأهله الذين يحترقون في صمت، ويناضلون بلا توقف لإعلاء الكلمة، ورفع شأن الكتاب إلى مقام تجعل منه سفير الجزائر حامل موروثها الثقافي وهويتها ومكنون شخصيتها.. وثار ماضي غضبا وهو يرصد التحول الثقافي ما له وما عليه، قائلا : «كيف يمكن الحديث عن الثقافة في ظل معطيات ومؤشرات سلبية معاكسة، تعمل ما في المقدرة من أجل بقاء الوضع على حاله، في الأسفل.. كيف السبيل للحديث عن الشأن الثقافي في ظل غياب إحصائيات دقيقة عن عدد المثقفين، وصناعة الكتاب و الناشرين.. هل من المعقول الشروع في اصلاح الخلل الثقافي دون الاستناد إلى دراسة واقعية تحدد المؤشرات، والمعطيات تكتمل بها الصورة الكبرى. المؤكد أن للجزائر أكبر المثقفين، ألفوا كتبا أحدثت ضجة واهتماما في مختلف أصقاع المعمورة.. وأتخذت سيناريوهات لأفلام مازالت حديث الخاص والعام. المؤكد أن هناك مثقفين جزائريين برزوا للوجود وفرضوا أنفسهم في العالم وسط تحديات ومنافسات بالجملة، واحتلوا أولى الصفوف بجدارة واستحقاق. وبلغة الأرقام حسب ماضي، هناك للجزائر دور ثقافية يحسب لها الحساب، هناك أول دار نشر في الجزائر تعود إلى 1830 وثاني مطبعة بالعالم العربي في بلادنا. دار النهضة عمرها أكثر من 70 سنة. لكن عند الدخول إلى شوارع العاصمة والمدن الكبرى تكون الصورة المقززة مرسخة في الذهن، برؤية كيف تحولت المكتبات إلى دكاكين.. للاطعام السريع.. ولماذا أغلقت المكتبات التي كانت تزين المشهد الثقافي وتمنحه الديكور المتميز، وتستقطب أكبر المؤلفات وأكثرها شهرة في المعمورة والوطن. تحولت المكتبات جملة وتفصيلا إلى دكاكين ''الفاست فود'' وبيع العطور والروائح، تماشيا وثقافة الاستهلاك التي طغت بثقلها وفرضت نفسها رغم المقاومة من أهل الثقافة، ونضالاتهم غير المتوقعة، الرافضة الاستسلام للمنطق التجاري، وعقلية البزنسة المتمادية بسرعة البرق الضاغطة بمنتهى القوة لجعل كل شيء يباع ويشترى ولو على حساب الثقافة وقيم الأمة وأصالتها وروحها المتوهجة. لكن الأمور بدأت تتحسن.. وتتغير بدءا من الألفية، بمجيء الرئيس بوتفليقة للحكم، واعتماده لبرنامج موسع غايته إعادة الاعتبار لصناعة الكتاب، واشراك دور النشر في هذه الصيرورة باعتبارهم أول المعنيين وآخرهم بالمهمة المقدسة التي تعود للثقافة مكانتها المفقودة وترجعها إلى أيام العز والشأن. بهذه الطريقة بدأت صناعة الكتاب تنتعش مع تظاهرتي سنة الجزائر بفرنسا، والجزائر عاصمة الثقافة العربية، دون نسيان الصالون الدولي للكتاب الذي يعد بحق واجهة للمبدعين والمثقفين وعصب قوتهم وديناميكية في الاصلاح الثقافي، الوجه الآخر للاصلاح السياسي الذي تستقيم به المعادلة ويستقر توازنها إلى أبعد الحدود.