يؤكد رضوان بوهيدل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن تصريحات رئيس الجمهورية الأخيرة في لقائه مع وسائل إعلام تصب كلها في خانة التأكيد على الدور الجزائري المحوري في القارة السمراء وسدّ الثغرات أمام محاولات تدخلات الدول ذات النفوذ في المنطقة، وقطع الطريق أمام محاولات تغلغل الكيان الصهيوني والتهديدات التي يمكن أن تستهدف الأمن القومي الوطني. كما أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة ستجلب «حلفاء» للجزائر في القارة من أجل توحيد المواقف مستقبلا. «الشّعب»: تحدّث الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرا، عن عديد القضايا التي تمس الشأن الخارجي للجزائر، ما الرسالة التي أراد إيصالها؟ بوهيدل: إن حديث رئيس الجمهورية عن السياق الخارجي، جاء بالتوازي مع تحركات وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، على مستوى عدد من الملفات، حيث تكلم الرئيس على عودة الدبلوماسية الجزائرية، ما يؤكد على أن التحركات الدبلوماسية الحالية هي دليل على عودة الدور الجزائري لاحتواء عدد من الملفات، خاصة على المستوى الإفريقي. وهي رسالة موجهة للخارج وللداخل أيضا، على أن «الجزائر موجودة» كموقف وهو موقف لا يمكن تجاوزه. كما أن كلام الرئيس كان مقسما إلى عدة محاور، أولا تحدث على أمر مهم وهو ضرورة أن تلعب الجزائر دورا لإيجاد حل لأزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، وهو ما يعطي انطباعا حول عودة الجزائر لدورها الإفريقي، والعودة الى الريادة في إيجاد حلول للأزمات، وهذا لقطع الطريق أمام القوى الخارجية التي تتدخل في شؤون الدول المعنية، علما ان هناك دولا حاولت وفشلت في الوساطة سابقا. - كيف كان رد الرئيس على دعوة الملك المغربي لفتح الحدود، بعد أن انحدر نظام المخزن إلى مستويات دنيا في محاولته استهداف وحدة الشعب الجزائري؟ الرئيس يؤكد على نقطة مهمة وهي تعزيز دور الجزائر الدبلوماسي على المستوى الإفريقي، حيث أظهر من خلال حديثه في الحوار المتلفز، أن موقف الجزائر ثابت عندما تجاهل دعوة الملك المغربي لفتح الحدود، معناه أن ما قاله الملك المغربي لا يقدم ولا يؤخر شيئا، وهو الذي أراد من خلال تصريحاته حول الحدود توجيه رسالة للمجتمع الدولي فقط، حتى يظهر بمثابة الحمل الوديع ويحمّل الجزائر توتّر العلاقات بين الجارين. بينما كان رد الرئيس واضحا، حيث أكد على نقطة مهمة وهي بمثابة رسالة مباشرة للنظام المغربي، على أن الجزائر لن تتخلى عن مبدإ حقّ الشعوب في تقرير مصيرها وتصفية الاستعمار، حيث أقامت الجزائر الحجة على المغرب؛ بمعنى أنها ليس لها دخل في هده القضية وأنها ستقوم بدور الملاحظ فقط، والأمر متروك بين الطرفين. كما أكد الرئيس على نقطة أخرى، وهي أن ّنظام المخزن لم يستجب لمطلب الجزائر، بعد بيان الخارجية وطلب استفسارات وسحب سفيرنا بالرباط للتشاور وهو ما لم يلق ردا من الطرف المغربي بالتبرير على موقفهم مثلا، حيث أكدوا على الموقف الغريب فيما يخص المطالبة بتقسيم الجزائر وشعبها وهو أمر خطير، وبذلك فإن الرسالة واضحة، من أن الجزائر تجاوزت موقف فتح الحدود في مشكلتنا مع نظام المخزن، فالمشكل أعمق مع وجود تحرشات مغربية إعلامية ودبلوماسية، يضاف لها قضية الهرولة للتطبيع الصهيوني. - وماذا عن الجارة الشرقية تونس؟ في هذه النقطة، فأن الجزائر لا تزال تدعم استقرار تونس، وان ما يحدث شأن داخلي فلا تتدخل الجزائر فيه. لكن يهمها استقرار تونس، لأن أمنها من أمننا. فكلام الرئيس حول أن قيس السعيد له ثقة كبيرة في الجزائر وأن هناك أمور لا يمكن البوح بها، ما يعني وجود ثقة مابين البلدين في التشاور والتحاور لاستقرار المنطقة ككل. - في رأيكم ماذا يقصد بوجود تهديدات من الخارج؟ التهديدات المقصود منها، هي تهدديات دبلوماسية، من خلال تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني وخطره على الحدود، حيث أصبح تهديدا لنا، من منطلق أن الكيان الصهيوني عدو للجزائر، كما أن محاولة إقحامه في الإتحاد الإفريقي، ولو كملاحظ، هو تهديد آخر للجزائر، وهو ما يقصد من تصريح الرئيس حول كلامه بوجود إملاءات صادرة من وراء الستار لزعزعة استقرار الجزائر. ضف إلى أن هناك من يحاول إثارة قلاقل على الحدود في ليبيا، حيث أكد الرئيس على دعم المسار الانتخابي في ليبيا، وتواصله مع رؤساء دول مثل تركيا وفرنسا فيما يخص الملف الليبي، حيث ان الجزائر على نفس المسافة من كل الأطراف الفاعلة في ليبيا، ويقصد بكلامه أن الجزائر لا تتحيز لطرف على حساب آخر ولسنا مع حكومة على حساب حكومة، بل نحن في محاولة لتقريب الرؤى وتوحيد وجهات النظر مع الجميع حول الانتخابات في ليبيا. الرئيس أيضا ركز كثيرا على البعد الإفريقي وعلى دور الجزائر الذي يجب أن تقوم به في المرحلة الحالية، وسد الثغرة بدلا من تدخل القوى الكبرى، حيث كانت دول تتدخل في القارة، وهذا بعدما سجل تراجع لبعض الدول. لذلك، فإن الجزائر كان عليها القيام بواجب سد الثغرات والتركيز على دور الجزائر على مستوى العمق الإفريقي، حيث لم يتحدث الرئيس عن المغرب العربي، من منطلق أن هدفنا هو القارة السمراء، خاصة بعد محاولات الكيان الصهيوني اقتحام البعد القاري الأفريقي، حيث سارعت الجزائر لاستقطاب المواقف وإعادة النظر في قرار رئيس المفوضية الذي أراد إقحام الكيان كمراقب، فالجزائر تضرب عصفورين بحجر؛ حلّ المشاكل الإفريقية، وتحتسب تلك المواقف لصالحها، حتى تكسب «حلفاء» في القارة الافريقية من أجل توحيد المواقف مستقبلا، وتعود الجزائر لدورها الإقليمي. - وبشأن الوضع الداخلي للبلاد؟ أما عن الشأن الداخلي، فقد جاءت بعض القرارات التي كشف عنها ومست الشباب، وهو مشكل عويص يثير مشاكل اقتصادية واجتماعية، حيث اقترح رفع منحة البطالة وهو حل مؤقت لا يعالج المشكلة من أساسها، لكن على الأقل قبل إيجاد حلول أخرى وتوفير مناصب الشغل، ولكن ليس على طريقة شراء السلم الاجتماعي وتدخل في إطار المساعدات المقدمة من طرف الدولة، في انتظار إيجاد حلول نهائية للمشكل. كما ركز الرئيس على ضرورة التلقيح لمواجهة المتحور دلتا لوباء كورونا، حتى نتفادى مشاكل أخرى من اجل تحقيق المناعة، وهو الحل الأمثل. كما أكد على دور الجيش الوطني الشعبي، بغية الرد على كل من يطعن في المؤسسة العسكرية من خلال الحديث عن صراع الأجنحة. لذلك، فأن الرئيس، وفي كل مرة يؤكد أنه العمود الفقري للدولة، وأنه لا توجد مشاكل كما يروج له الإعلام المغربي أو الفرنسي، بوجود صراح مابين الرئاسة والجيش، حيث يؤكد كقائد للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، أن هناك تعاونا وانسجاما بين الطرفين ولا يمكن الإستغناء عنه.