بينما ينشغل العالم بالحرب قي أوكرانيا وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية والسياسية الخطيرة، عاد الوضع ليتعقّد في ليبيا بعد أن قام مجلس النواب إثر تأجيل الانتخابات، بتعيّين حكومة جديدة يقودها فتحي باشاغا، أصبحت موازية ومنافسة لحكومة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض التنازل عن السلطة، إلا لحكومة منتخبة. حول هذه الانتكاسة التي تهدّد بعودة ليبيا إلى مربّع الحرب والفوضى والتنازع على السلطة، حاورت «الشعب ويكاند» الأستاذ فؤاد جدو،( جامعة محمد خيضر ببسكرة)، الذي تناول أطوار الأزمة الليبية، وعرّج على تعقيداتها الأخيرة، ليصل إلى خلاصة تعكس تفاؤله بقدرة الأطراف الليبية على تجاوز الأزمة، متوقعا «الحل مع الربع الأخير من هذا العام». - « الشعب ويكاند»: دخلت ليبيا مرحلة جديدة تثير الانشغال خشية العودة الى مربّع العنف والفوضى، خاصة بعد تأجيل الانتخابات، وتعيين حكومة جديدة موازية لحكومة الوحدة الوطنية، ما تعليقكم على هذه التطورات؟. فؤاد جدو: تشكل عملية تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا خيبة أمل بالنسبة لليبيين وحتى للأطراف الدولية ودول الجوار، لأن الانتخابات الرئاسية كانت ستسهم في حل وتحريك الملف الليبي من وضعية الجمود السلبي والتنازع إلى حالة من الديناميكية الفعالة التي تستطيع أن تقوم بتقليص الصراع الدائر في ليبيا. إذا عدنا إلى أسباب تأجيل الاستحقاقات، فإننا سنجدها عديدة، لكن يمكن حصرها في سبب رئيسي وهو عدم التوافق بين الأطراف الليبية التي لم تتفق خاصة بعد صدور قانون الانتخابات والذي اعتبرته بعض الأطراف بأنه جاء على مقاس شخص واحد والمقصود به حفتر دون مراعاة الأطراف الأخرى، هذا إلى جانب عجز المبعوث الأممي يان كوبيش الذي فقد أدوات التغيير وجمع شمل الليبيين خاصة أنه لم يقم بحل أزمة التوافق السياسي حول قانون الانتخابات والاعتداءات التي مسّت العديد من مراكز الاقتراع وبالتالي وصل الأمر الى درجة إنشاء حكومة أخرى في الوقت الراهن، مما يزيد من تأزم الوضع أكثر مما هو عليه. - الحكومة الجديدة بقيادة باشاغا متمسكة بتولي مهامها والاستقرار في العاصمة طرابلس، بالمقابل يصرّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة على أن لا يسلّم السلطة، إلا لحكومة منتخبة، وهذا يذكّرنا بحكومة شرق ليبيا التي كان يقودها الثني وتستقر بطبرق، وحكومة السراج المعترف بها دوليا بالعاصمة، كيف تتصوّرون تجاوز وجود حكومتين تصرّ كل واحدة على إقصاء الأخرى؟. بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا طرح البرلمان الليبي عملية التصويت لتشكيل حكومة جديدة على أساس أن حكومة عبد الحميد الدبيبة قد انتهت بانتهاء الآجال التي وضعت للانتخابات الرئاسية، حيث تم التصويت على تعيين فتحي باشاغا رئيسا جديدا للحكومة و في المقابل نجد رئيس الحكومة في طرابلس، الدبيبة، قد أعلن أنه يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة ولا يعترف بحكومة باشاغا خاصة أن الأممالمتحدة لم تعترف بحكومة باشاغا ولا تزال تعتبر الدبيبة هو رئيس الحكومة الشرعي، الى جانب أن حفتر يدعم الحكومة الجديدة، وبالتالي بدأ الصراع بين الطرفين علما أن انقسام السلطة قد يكون تمهيدا لحرب قد تطول فصولها مع غياب التوافق بينهما و تمسك الأطراف بمواقفها تجاه ما يرونه صحيحا و شرعيا خاصة أن لغة السلاح أقرب ما يكون للغة الحوار بين الفرقاء الليبيين، ولن يتم حسم الأمر بينهما إلا بالجلوس إلى طاولة الحوار سواء عبر وسطاء كالجزائر أو المبعوث الأممي للوصول لحل توافقي خاصة أن البرلمان الليبي وافق على فترة أخرى انتقالية بعد التعديل الدستوري 12 بأن تكون فترة انتقالية لمدة 14 شهرا كأقصى حد وهي فترة طويلة مقارنة بما كان يجب أن يكون، لأنها ستسبب المزيد من الاحتقان السياسي و التدخلات الأجنبية ولن تحل الأمور إلا بالحوار والتنازلات لتجنب الصدام المباشر وعودة الحرب. - الانسداد السياسي تصاحبه مخاوف من اصطدام مسلّح محتمل، خاصة مع مؤشرات يعكسها استعراض القوة لبعض المجموعات المسلحة هنا وهناك، فما هي درجة خطورة الوضع في ليبيا؟ درجة الخطورة في ليبيا عالية جدا بسبب هشاشة الوضع السياسي و الأمني والاجتماعي وتمسك بعض الأطراف بمنطق القوة مع الدعم الأجنبي لها، ومع بقاء أسباب الخلاف و الاختلاف قائمة و المتمثلة في بناء قانون انتخابات شامل و متفق عليه لا يمكن الوصول الى نقطة الرضا بين الإخوة الفرقاء و الاتفاق على تقسيم السلطة والابتعاد عن التجاذبات الأجنبية، وبالتالي فالأمر قد ينزلق في أي لحظة خاصة أن الفترة الانتقالية طويلة 14 شهرا مع وجود حكومتين وهذا يؤدي الى التصادم باحتمالية كبيرة. - في مسعى لاستئناف المسار الانتخابي، عرضت الأممالمتحدة مبادرة لتشكيل لجنة مشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لوضع أساس دستوري للانتخابات، فكيف تقيّمون المبادرة التي لقيت تأييدا داخليا وخارجيا، وما حظوظ تنفيذها، علما بأنّ مبادرات سابقة ذهبت أدراج الرياح؟. جاءت مبادرة لمّ الشمل أو ما تعرف باللجنة الداخلية المكونة من 6 أعضاء بحسب الدعوة التي قدمتها المبعوثة الأممية وليامز ستيفاني،حيث دعت مجلس النواب والمجلس الرئاسي الى تقديم أسماء لتشكيل لجنة من 6 أعضاء لصياغة خريطة دستورية يمكنها ان تتجاوز العثرات و الاختلافات التي جاءت من قبل في قانون الانتخابات السابق و الذي حال دون إتمام الانتخابات الرئاسية في ديسمبر الماضي، إلا أن هذه المبادرة التي لقيت ترحيبا داخل ليبيا، تعارضها بعض الأطراف الليبية خاصة نواب من المجلس الذين اعتبروها تمديدا و تعميقا للازمة الراهنة، لأن الأمر محسوم حسبهم، هو أن قانون الانتخابات وخارطة الطريق متفق عليها وتبقي فقط عملية التوافق وليس العودة مرة أخرى لبناء خارطة طريق جديدة، ولكن في العموم تعتبر المبادرة عملية من وجهة نظري، لأنها ستمهد لغلق مجال الجدل الدائر حول الانتخابات برعاية أممية وهذا بفتح نقاش فعلي و حقيقي بين الأطراف الليبية لتجاوز الوضع الراهن. - لا حلّ غير الحل السياسي وإجراء الاستحقاقات، فهل تتوقعون نجاح الليبيين في بلوغ هذا الهدف في فترة قريبة مثل ما اقترحه الدبيبة الذي وعد بانتخابات تشريعية في جوان، أم أنّ الفترة الانتقالية ستطول والانفراج سيتأخّر؟ الحل في ليبيا لن يكون إلا سياسيا، لأن الشعب الليبي والأطراف الليبية تدرك جيدا ان الصراع المسلح بينهم لن يؤدي إلا إلى الدمار و الخراب وتعطيل فرص التنمية في هذا البلد وبالتالي الحوار سواء برعاية أممية أو عبر مبادرات إقليمية هو الخيار الوحيد للوصول لحلول توافقية مما يحقق الأمن والسلم، وفي نظري لا يمكن إجراء انتخابات قبل 3 أشهر وقد تكون الانتخابات في حدود سبتمبر المقبل وهذا لأسباب عديدة أولا أسباب مرتبطة بقانون الانتخابات الذي قد يأخذ وقتا طويلا لحسمه والاتفاق عليه مع تشكيل لجنة مشتركة و إعادة صياغته وطرحه للتصويت، ثانيا تحييد دور حفتر وقواته في العملية السياسية، وثالثا ضرورة توافق الأطراف الأجنبية واقصد الولاياتالمتحدةالامريكيةوروسيا، هذه الأسباب إذا ما تم حلها ستصل بالأزمة الليبية الى حل يرضي الجميع ويحقق السلم للشعب الليبي. - بعض التصريحات تشير الى انتقال مرتزقة أجانب ومرتزقة من ليبيا للمشاركة في الحرب الأوكرانية إلى جانب أحد طرفيها، فما تعليقكم على هذه التصريحات، وإلى أين وصلت عملية إخراج هؤلاء؟ خروج المرتزقة من ليبيا الى جهات أخرى هذا الطرح قدم من قبل بعد قمة برلين على اعتبار أن القوات الأجنبية و المرتزقة أهم عائق لتحقيق السلم و كان النقاش الى أين سيتجه هؤلاء، هل سيعودون إلى سوريا أم ينتشرون في منطقة الساحل الإفريقي أو يتم إعادتهم لبلدانهم، و مع بروز القضية الأوكرانية برز الحديث عن إعادة تموقع المرتزقة في هذه المنطقة مما يدفع بالوضع في ليبيا نحو الاستقرار وتحقيق أهم شرط في اجتماع برلين وهو خروج المرتزقة من ليبيا ولكن الوضع في أوكرانيا لا يزال غير واضح وبالتالي الأمور لم تحسم بشكل نهائي. - اعتدنا دائما على جهود دول الجوار لمحاولة حلّ الأزمة الليبية، لكن مع انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية، وتداعياتها خاصة الاقتصادية، تراجعت مساعي بلدان جوار ليبيا، فما قولكم حول هذه المسألة؟ المبادرات الإقليمية لحل الأزمة الليبية تبقي محدودة مقارنة بالدور الأممي والذي يقف وراءه كل من روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية أساسا إلى جانب أطراف أخرى كتركيا ومصر، وتراهن الجزائر على الأدوار التي تقوم بها المنظمات الدولية وإن كان التوقيت الحالي الذي تسيطر فيه الأزمة الأوكرانية على المشهد السياسي الدولي فإن العالم وخاصة أوروبا تركز على تحقيق أمنها الاقتصادي والطاقوي ووضع الأزمة الليبية في حالة ركود وهذا لا يخفي الخلاف الروسي الأمريكي بشان الأزمة الليبية والذي تمثل في الخلاف حول المبعوث الأممي لليبيا والذي حل باقتراح بريطاني. - مع التطوّرات الأخيرة تبدو قراءة المشهد صعبة ومعقّدة، لكن هل بإمكان الليبيين تجاوز معضلتهم التي سرقت عشر سنوات من عمرهم، وكيف السبيل إلى ذلك؟ هل ستتجاوز ليبيا أزمتها، أعتقد أن الأمر يتطلب وقتا وسيتم تجاوز الأزمة لا محال والحرب لا بد لها من نهاية ولكن لا بد من شروط أهمها التوافق السياسي بين الأطراف الليبية على إنهاء الأزمة و وضع السلاح جانبا والنقطة الثانية هي ابتعاد الأطراف الخارجية عن تأجيج الوضع الداخلي وترك الليبيين يقررون مصيرهم والعامل الثالث أن تدعم دول الجوار واقصد الجزائر ومصر وتونس المساعي السلمية في ليبيا وبهذا يمكن ان نقول بأن الأزمة الليبية قابلة للحل دون ذلك الطريق لا يزال طويلا. - تجلّت مؤخرا بوادر تعاون اقتصادي بين ليبيا والجزائر، فكيف السبيل إلى إستفادة الطرفين من بعضهما؟ التعاون الاقتصادي بين الجزائر وليبيا والذي تمثل في إعادة فتح المعابر الحدودية وتعزيز التعاون بين البلدين في تنمية قطاعات أساسية خاصة النفط يعود أولا لتفعيل الجزائر للدبلوماسية الاقتصادية كخيار استراتيجي مع دول الجوار، وثانيا حتمية التعاون الثنائي لأن ليبيا ليس أمامها إلا دول الجوار لتلبية حاجياتها الاقتصادية مع شلل الاقتصاد الليبي بسبب الحرب، ولهذا فالتعاون الاقتصادي بين البلدين خيار استراتيجي لتلبية حاجيات كل طرف و هو ما يعزز أيضا التعاون والثقة بينهما ويبني جسور التواصل من خلال المنفعة وغلق باب التهريب والجريمة المنظمة ويحقق الأمن و الاستقرار لسكان المناطق الحدودية للبلدين. - في كلمة، ليبيا إلى أين؟ سؤال صعب لأنه يفتح سيناريوهات عديدة، لكن بالنسبة لي فأنا متفائل بحل الأزمة الليبية وهذا لسببين أولهما الأزمة الأوكرانية و تهديد الأمن الطاقوي الأوروبي وبالتالي ليبيا أحد الخيارات الأساسية لأوروبا لإيجاد حلول سلمية واستقرار ليبيا وضمان إمدادات طاقوية لأوروبا بحكم القرب الجغرافي والسبب الثاني الأطراف الليبية قطعت نصف الطريق فقط بقيت مسألة القانون المنظم للانتخابات والذي يمكن تجاوزه في القريب ولهذا أتوقع أن تعرف الأزمة الليبية الحل مع الربع الأخير من هذا العام نحو الاستقرار والسلم.