كل ما يجري من اضطراب حاد في أسواق الغذاء العالمية، مرشح إلى مضاعفة الضغط على تدفق المواد الغذائية نحو البلدان خاصة منخفضة الدخل، ويتوقع أن يحدث ذلك تغيّرات كبيرة على الأمدين القريب والمتوسط ليس فقط على صعيد الأسعار أو عدم انتظام الامدادات بتأثيرات قوية من الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، بل على مستقبل انتظام التموين في العالم، علما أنه قبل ذلك غير فيروس كورونا المعطيات وعجل ببروز الاختلال في جني المحاصيل وشحنها ومن ثمة تعطيل الأسواق العالمية بفعل قساوة قيود الإغلاق، التي مازال العالم يدفع ثمنها، وسيستمر لفترة أطول، لا يمكن تحديد زمنها. ملايين البشر معرضون لمواجهة الجوع، الأشهر المقبلة، وبالتالي ستمسّهم الحروب والأزمات بشكل غير مخطط له، وهذا ما جعل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ومعه منظمة التجارة العالمية، تتحرك لإطلاق توصيات مستعجلة، لتفادي وقف تصدير الغذاء والأسمدة بهدف حماية الفقراء من موت مؤكد بسبب غلاء الأسعار وقلة العرض. تهديد كبير لا يمكن تحديد حجم مخاطره في الوقت الحالي سيطال حتى الدول المتوسطة الدخل، خلال الأشهر المقبلة، ومرشح بالتزايد بشكل قياسي، لأنه حيثما حلّ الجوع ستنتشر الأوبئة الفتاكة والمعدية وتسوء الرعاية الصحية ممّا يزيد من مآسي البشر، مع النار المشتعلة في أوكرانيا، أحد أكبر موردي الحبوب في العالم، خاصة بعد أن توقفت عن شحن ثروتها الزراعية عبر موانئ البحر الأسود، ما أربك التجار والسوق على حد سواء، حيث يتخوف كثيرا أن يتراجع إنتاج القمح هذه السنة بنسبة لا تقل عن 45 بالمائة ليصل إلى 18 مليون طن، وموازاة مع ذلك، ينتظر أن تبلغ صادرات الموسم المقبل حوالي 10 ملايين طن. تعالت الأصوات المحذرة بل وباتت تحمل ذعرا كبيرا في حالة استمرار الحرب ومعها ستمتد أزمة انكماش الغذاء العالمي إلى المزيد من القارات التي تمون العالم بمواد غذائية أساسية مثل الأرز، فمع غلاء فاحش للأسمدة المنتجة بروسيا وأوكرانيا، سينعكس ذلك على أسعار، المادة الاستراتجية التي يستهلكها نصف سكان الأرض، وهذا بدوره ما أثر على النظرة المستقبلية للإمدادات، غير أنّه في حالة استمرار الحرب لوقت أطول، ستكون التداعيات جدّ سيئة تشمل الجميع.