جماعات تهريب الأفراد تجني 35 مليار دولار سنويا كشف العقيد بالجيش الوطني الشعبي مصطفى مراح، «أن كميات ضخمة من الكيف المعالج مصدرها الرئيسي نظام المخزن، الذي يفرض نفسه مخدرا مرجعيا في المنطقة، لكونه أكثر أنواع المخدرات انتشارا واستهلاكا بين فئة الشباب مقارنة بغيره من أنواع المخدر». وأبرز أن «تواصل إنتاج وتدفق القنب والحشيش بصورة منتظمة ومستقرة من المغرب نحو دول الجوار والساحل، يسهم في تمويل الجماعات النشطة ويهدد بزعزعة استقرار المنطقة بسبب تشابك عصابات الاتجار بالمخدرات والجماعات الإرهابية التي تنشط بالمنطقة» حذّر، أمس، العقيد مراح في مداخلة ألقاها بمناسبة مشاركته في يوم برلماني موسوم ب «الجزائر وإفريقيا... فرص وتحديات»، نظمته لجنة الدفاع بالمجلس الشعبي الوطني، من تدفق القنب والحشيش بصورة منتظمة ومستقرة من المغرب نحو دول الجوار والساحل، وهذا حسب تقرير صادر عن منظمة الأممالمتحدة، صدر في أوت 2020، مستشهدا بتقرير المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان الصادر في شهر جوان 2020، والذي كشف أن المغرب يعتبر أول ممون لأوروبا بالقنب الهندي والحشيش بحوالي 72% من مجموع المخدرات المحجوزة عبر إسبانيا فقط». تمدّد حلقة الاتجار بالمخدرات وأوضح في السياق، أن «تمدد حلقة الاتجار بالمخدرات من المغرب وكثافة انتشارها في السنوات الأخيرة، بات يحمل تبعات مدمرة لصحة المجموعات المحلية وتلاحمها في الجزائر ودول الساحل. كما أن العائدات الضخمة لشبكات الاتجار بالمخدرات أعطاها قوة مالية ولوجستية قادرة على اختراق أقوى أنظمة الأمن، وأضحت عاملاً لنشر الفساد وإضعاف الحكومات. كما جعلت منحة تجارة المخدرات لمحترفيها إغراء لا يقاوم للتنظيمات الإرهابية في الساحل وبالدرجة الأولى تنظيمي «بوكو حرام» و»القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» التي عمدت إلى عقد تحالفات مع شبكات تجارة المخدرات. دوائر إقليمية غير مستقرة أما عن دور الجيش الوطني الشعبي في تجسيد استراتيجية الجزائر لمواجهة التهديدات الأمنية على حدودها، فقد أبرز العقيد مراح أن «الجزائر مرتبطة أمنيا بعدة دوائر إقليمية غير مستقرة، وهذا ما يزيد من إمكانية تعرضها لعدة مخاطر من شأنها أن تهدد استقرارها وأمنها القومي، لذلك كان لزاما على بلادنا أن تكون فاعلا إقليميا لا مناص منه وشريكا لا غنى عنه في حلحلة مختلف الأزمات والقضايا الشائكة التي تعرفها إفريقيا عامة ومنطقتنا الإقليمية بصفة خاصة». وشدد في سياق حديثه عن تنامي الظاهرة الإرهابية، على أنها «تتغلغل في قارة إفريقيا لخمس مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، ولديها صلات بتنظيم القاعدة، وهي: «بوكو حرام» في نيجيريا، و»القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» شمال الصحراء الكبرى، وحركة «الشباب المجاهدين» الصومالية، وحركة «أنصار الدين» السلفية الجهادية في مالي، وحركة «التوحيد والجهاد» في غرب إفريقيا، والتي باتت مصدر تهديد ليس لإفريقيا فحسب، بل حتى لأمن دول الجوار العربية وللدول الأوروبية. كما تمكنت هذه التنظيمات من الوصول إلى مختلف الدول المجاورة لمنطقة الساحل. كما نسجت هذه التنظيمات صلات متشابكة ومعقدة مع تجار المخدرات والأسلحة تحت غطاء علاقات المنفعة المتبادلة بحيث أصبح من الصعب على الأجهزة الأمنية التفريق بينها». في سياق آخر، حذر العقيد مراح من تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية، حين قال: «تعاني الجزائر من تداعيات هذه الظاهرة باعتبارها مركز عبور بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول الساحل الإفريقي، خاصة مالي، النيجر وتشاد، حيث تقدر الأرباح التي تجنيها الجماعات المتخصصة في تهريب الأفراد من بلدانهم الأصلية لأسباب سياسية، اقتصادية واجتماعية إلى ما يقارب 35 مليار دولار سنويا. وتتجلى خطورة الهجرة غير الشرعية أو الهجرة الداخلية، في استغلالها من طرف شبكات التهريب والجريمة المنظمة، وكذا الخلايا الإرهابية الناشطة». الجزائر لن تكون دركي المنطقة على صعيد آخر، أبرز المحاضر، بالمناسبة، أن الجزائر تتمسك بنظرتها لمعالجة ملف اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الأفارقة، بالرغم من الانتقادات التي لا تكف بعض الدول الغربية عن توجيهها لها، وتؤكد أن سياستها في هذا المجال تحترم حقوق الإنسان وتحفظ كرامة المهاجرين غير الشرعيين وتشجع التعاون الدولي لمواجهة هذه الظاهرة العابرة للحدود، لكن بشرط أن يكون بعيدا عن تأدية دور «الدركي» الذي يحمي أوروبا من مواجهة أفواج اللاجئين القادمين إليها من الجنوب المثقل بأزمات الإرهاب وعدم الاستقرار الأمني والمعيشي». في نفس السياق، أوضح العقيد، أن الجزائر وبحكم موقعها الجيو استراتيجي ووزنها السياسي والاقتصادي، هي رقم مهم في تسوية النزاعات في المنطقة، وهو ما تعترف به الدول الإفريقية التي تسعى للاستفادة من التجربة الجزائرية في هذا المجال، لاسيما وأن الجزائر تدرك جيدا ما يجب القيام به لتعزيز مجابهة الإرهاب». وأوضح أن «المقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب تقوم على عدة مبادئ، أهمها عدم التفاوض مع التنظيمات الإرهابية، العمل على ضرورة تخفيف المنابع المادية والفكرية للظاهرة الإرهابية، المقاربة الشاملة المستندة للربط بين السلم والأمن والتنمية لمواجهة التهديد الإرهابي، التنسيق والتعاون على المستوى الإقليمي دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ التعاون والشراكة مع الشركاء خارج المنطقة الإفريقية والمغاربية». وأشار نفس لمسؤول، أن المقاربة الأمنية للجزائر، تتمثل في أن «عقيدتنا دفاعية ولا مساعي لدينا للتوسع»، مثلما جاء ذلك ضمن كلمة الفريق رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي خلال زيارته إلى قيادة القوات البرية». أما في المجال العسكري وفي إطار أفرقة الحلول وتنسيق الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب، بعيدا عن الوصاية الخارجية والتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول، ذكر العقدي بأن الجزائر أنشأت لجنة الأركان العملياتية المشتركة CEMOC، مقرها تمنراست في أفريل 2010، والتي تجمع أربع دول هي: الجزائر، مالي، النيجر وموريتانيا، وتضم وحدة الاندماج والاتصال الخاصة بجمع وتبادل المعلومات والمتواجد مقرها في الجزائر العاصمة. وتهدف هذه اللجنة إلى تبادل المعلومات وتقديم المساعدات بين الدول الأعضاء لمحاربة الإرهاب والجريمة بنيوياً بالتنمية الديمقراطية من خلال تعزيز أطرها البنائية كبناء دولة القانون والمؤسسات والحكم الراشد واحترام حقوق الإنسان. مسح 902 مليون دولار كما بادرت الجزائر، يضيف مراح، بتقديم مساعدات اقتصادية ومالية لدول الساحل الإفريقي، من خلال إنشاء صندوق لفائدة مشاريع تنموية لإقامة بنى تحتية في مدن «قاو»، «کيدال» و»تمبوكتو»، بمبلغ يقدر ب10 ملايين دولار أمريكي لإنشاء مراكز للتكوين المهني والتعليم، ومراكز للطب والصحة وحفر آبار لمياه الشرب، وهذه المبادرات تكون بالتعاون المشترك للدول الساحلية والدعم القوي من الجزائر، بالإضافة إلى مسح 902 مليون دولار من الديون ل14 دولة أفريقية أغلبيتها من دول الساحل والصحراء. وحول التحديات الجديدة في محيط استراتيجي غير مسبوق وتطور الأحداث الخطيرة التي شهدتها وتشهدها المنطقة الإقليمية، شدد مراح على أنه أصبح مطلب تكوين مورد بشري مؤهل يتحلى بالمهنية والاحترافية يمثل أحد المنافذ التي تمكن من رفع التحديات المعاصرة على صعيد الدفاع والأمن الوطنيين». الجيش في المواجهة بالإضافة إلى تأدية مهامه بفعالية واحترافية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، فإن الجيش الوطني الشعبي يقول مراح يعمل على تعزيز الجبهة الداخلية ومواجهة التنظيمات والحركات التي تعمل على زرع الفتنة والتفرقة في صفوف نسيجنا الاجتماعي، ووحدتنا الترابية خدمة لأجندات خارجية. كما يسهم اقتصاديا في تعزيز التنمية الوطنية ودعم النسيج الصناعي الوطني. أما إنسانيا، فلطالما كان الجيش الوطني الشعبي جاهزا مستعدا للتدخل لتنفيذ مهام إنسانية وبفعالية أثناء مختلف الكوارث والمحن التي تمس البلاد، إلى جانب تقديم الرعاية الصحية، خصوصا بالمناطق الحدودية والمعزولة.