أجمع سياسيون ومختصون، على أنّ الاحتفالات بستينية الاستقلال، لهذه السنة «استثنائية» نظرا لحجم التحديات الإقليمية والدولية، حيث كان لها طعم خاص، كونها تعكس قوة الدولة الجزائرية وانسجام مؤسساتها. أكّد سياسيون تحدثوا إلى «الشعب»، أنّ الاستعراض العسكري الضخم والتاريخي، لإحياء الذكرى 60 لاسترجاع السيادة الوطنية الذي جمع رؤساء دول وشخصيات، من الأشقاء والأصدقاء، حمل رسائل طمأنة للداخل، لكلّ المشكّكين في اللحمة بين الشعب والجيش، وإنذارا للقوى التي تستهدف البلاد، ما يبرز قوة الدبلوماسية الجزائرية، القائمة على مبادئ ثورة أول نوفمبر، وإبراز أنّ أفكار التحرر لا تزال قائمة، بل تعود اليوم وفاءا لتضحيات الشهداء الأبرار. حركة البناء: أفكار الثورة التحررية تعود مجدّدا أكد نائب رئيس حركة البناء الوطني، أحمد الدان، أنّ الجزائر تدخل اليوم في حالة انتقال بين الأجيال، موضحا أنّ الأفكار والرؤى التي قامت عليها الثورة، سواء الديمقراطية أو الدولة الاجتماعية أو الوحدة الوطنية أو مساعدة الدول في التحرر لا تزال قائمة. وأبرز أنّ هذه القيم تعود اليوم وفاءا للشهداء من قبل جيلي الاستقلال الثالث والرابع للتأكيد عليها من قبل أبناء جيل المجاهدين، فأفكارهم لا تزال موجودة، ما ترجم في استقبال الرئيس للفرقاء الفلسطينيين، تعبيرا عن وفاء الجزائر لقيم التحرر التي يدافع عنها شعبي فلسطين والصحراء الغربية، باعتبارهما الطرفين المعنيين أكثر من أيّ جهة ثانية، يضيف الدان. كما شدّد على أنّ الذكرى لم تنس الجزائر التزاماتها بالحرية تجاه الشعوب وتجاه القضايا الأساسية بعد مرور 60 سنة من الاستقلال، مؤكدا أنّ الجزائر أثبتت خلال الثلاث سنوات الأخيرة أنّها قادرة على التصميم وإطلاق روح تنموية جديدة، موازاة مع إدراك المواطن لجميع التحديات، ولعلّ الحراك عكس هذه القيم المرتبطة بالتحرر، الوفاء والاستقلال والسيادة. وأشار إلى أنّ المكاسب المحققة لا تطمس التحديات الأخرى المتعلقة بالأمن الغذائي، الأمن في المنطقة المتوسطية، وهو ما تعمل عليه الدبلوماسية التي عادت كقوة إقليمية اقتصادية تعمل على تحقيق الاستقرار، شريطة استكمال المساعي للاستعداد إلى المستقبل. «الأفلان»: « قوّة الدولة بانسجامها مع جيشها ذكر رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة التحرير الوطني أحمد تمامري، أنّ الاحتفالات بستينية الاستقلال، كان لها طعما خاصا جدّا، باتخاذها لمظهر يعكس قوة الدولة الجزائرية وانسجامها وقوة جيشها، حيث بعثت برسائل إلى كل من تسوّل له نفسه المساس بالجزائر دولة وشعبا، فهي رسالة قويّة جدّا في هذا الباب، كما أنّها تترجم اللحمة بين الجيش والشعب التي نادراً ما تكون موجودة، بالرغم من احترافية الجيش الذي يبقى وليد رحم الشعب. وأكد أنّها وحدة واحدة في المبدأ والأهداف، والاستعداد للدفاع عن الوطن، مضيفا « على أن يرافق ذلك بقرارات سيادية من أعلى هرم السلطة، وتحديدا من الرئيس الذي سبق الاحتفالات بمبادرة لم الشمل، «اليد الممدودة» ما أضفى طابعا خاصا على الذكرى. كما تحدث ممثل جبهة التحرير، عن تتويج هذه المساعي التي بادر بها الرئيس بحضور نوعي لرؤساء وممثلي دول وهو دليل على قوة الدبلوماسية الجزائرية باعتبار الجزائر مؤثرا إقليميا مع التحديات التي يفرضها الظرف الدولي المضطرب، والمقلق دوليا وإقليميا، مؤكدا أنّ الاحتفالات أخذت بعين الاعتبار هذه المعطيات، ما جعلها متميزة، وفي نفس الوقت بعثت برسائل خاصة باستعداد الجيش الوطني الشعبي لأيّ طارئ تفرضه المرحلة. أما عن المكاسب ييشير محدثنا أنّ حزب جبهة التحرير ترى أنّ الجزائر حافظت، من خلال العمل الدبلوماسي دوما، على المبدأ الذي أوجدها أساسا والمتعلق بحق تقرير المصير، ما جعلها تدافع بقوّة عن هذا الحق لصالح الشعوب المستعمرة. لذلك تتبنى الجزائر قاعدة حق الشعوب في تقرير المصير، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، احترام سيادة الدول وهي كلها مبادئ تؤكد عليها الشرعية الدولية، موازاة مع احترام مبدأ الاحتكام للهيئات الدولية في معالجة الأزمات، وهي مبادئ تلتزم بها الجزائر. وفيما يخص التحديات، أكد تمامري على الظرف المضطرب، وعلى أنّ الجزائر تدرك جيدا أنّ استقرار الجار هو عمق إستراتيجي، ولذلك عملت على تمكين هذه الشعوب من معالجة أزماتها دون تدخل خارجي، تاركة الحرية لها في اتخاذ القرار وكيفية الخروج من الأزمة وتحديد من يحكمها، مستشهدا بملفات ليبيا، مالي وغيرها على ضوء وجود منظمات إرهابية في الساحل الإفريقي وهي كلها تحديات أمنية. إلى جانب تحديات اقتصادية عنوانها الأكبر الطاقة وعناوين أخرى ترافقها، لاسيما ما تعلق بقانون الاستثمار المنتظر مصادقة مجلس الأمة عليه بعد عيد الأضحى. وأضاف أنّه ينتظر الكثير من هذا القانون لاسيما تحقيق قفزة نوعية في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، سواء من قبل جزائريين يقيمون في الخارج أو أجانب، بإعطائه دفعا اقتصاديا، بعيدا عن التحديات الطاقوية التي عرفت اضطرابات بسبب الأزمة الأوكرانية الروسية، ليخلص إلى القول «نحن نتوق إلى إقلاع اقتصادي عن طريق استثمارات محلية أو وطنية أو مهيكلة». الأرندي: المكاسب هي نتاج ثمار عمل ضخم أكد المكلف بالإعلام بحزب التجمع الوطني الديمقراطي، صافي لعربي، أنّ الاستعراض العسكري الضخم، الذي أشرف عليه الرئيس عبد المجيد تبون، في ستينية الاستقلال، لم يأت وليد الصدفة والعدم، بل هو نتاج عمل ضخم، ليكون الجيش الوطني الشعبي بهذه القوة التي تعزّز الثقة وتثير في نفس القوى التي تترصد ببلادنا خشية أيّ مغامرة. وشدّد على أنّ الجزائر تتعامل مع جميع الدول بالندية، وهذا ما ترجمته من خلال دبلوماسيتها بشقيها السياسي والاقتصادي، وهو ما كرسته قراراتها التي قدمت درسا عن دولة استلهمت مبادئها من بيان أول نوفمبر وعن جيش يستلهم مبادئه من عقيدته الدفاعية. كما ذكر ممثل «الأرندي»، بأنّ الدولة الجزائرية لها مقومات رادعة، ولعلّ ما شهده العالم أجمع بالأمس، على أنّ الجيش يتكيّف مع كل التحولات في إطار عقيدته، خير دليل على ذلك، مشيرا أنّ الجزائر حققت الكثير يتعزّز بمسار إقلاع اقتصادي حقيقي يحقق أمن قوتها ويكمل ما حققه الأمن القومي والسيادي. وخلص محدثنا بالتأكيد أنّ الشعب اليوم اطمأن على قوت يومه، من خلال مساعي الإقلاع الاقتصادي وما حققه، وذهب لقطيعة مع فترة تمّ فيها استنزاف الثروة والعملة الصعبة خلال بحبوحة استنزفها نهب المال العام، واليوم يتحقق مكسب وراء مكسب، يقول العربي. حمس : عودة للساحة الدولية من الباب الواسع أكد رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، أنّ الجزائر تسير اليوم في الاتجاه الصحيح. وأوضح صادوق أنّ «الجزائر بهذه المناسبة تؤكد عودتها للساحة الدولية من الباب الواسع، مع التأكيد على دورها البناء من خلال مؤسساتها الدستورية، ودورها في المحيط الإقليمي، ومواقفها الصريحة والواضحة تجاه القضايا الرئيسية العادلة، في مقدمتها قضية فلسطين». وحول الاستعراض العسكري الضخم، أكّد صادوق «أنّنا شهدنا كيف أنّ الدولة الجزائرية جمعت في المنصة الشرفية الكثير من الدول والشخصيات ذات البعد الرمزي، حينما اجتمع الرئيس الفلسطيني الذي يمثل الطابع الرسمي، مع رمز المقاومة الفلسطينية، تريد الجزائر من خلال هذه الرسالة، أن تقول إنّها مع ضرورة حلّ قضية فلسطين وفق الشرعية الدولية». ولفت السياسي ذاته، أنّه «حينما تدعو الجزائر الرئيس الصحراوي، فهي تريد أن تشير إلى أنّ قضية الصحراء الغربية، هي قضية تصفية استعمار وفق الشرعية الدولية والجزائر كانت وستبقى قبلة الثوار في العالم، حيث أخذ هذا الاحتفال الكثير من الأبعاد الرمزية، بالتأكيد أيضا إنّ مالي جزء من العمق الإستراتيجي للجزائر، ما يستوجب حماية الفضاء الحيوي للمنطقة. وأضاف «حينما تحيي الجزائر هذه المناسبة بهذه الطريقة القوية، خاصة حينما يتم استعراض كتيبة للمجاهدين، إنما تريد إعطاء رسالة أنّ الجزائر الجديدة ترفض التدخل في شؤونها الداخلية، كما لا تتدخل في شؤون الآخرين وترفض أيّ ابتزاز أو تدخل، مقابل شراكة متوازنة. ودعا قيادي حمس، إلى رصّ الصف الداخلي من أجل التوافق الوطني، قائلا « يجب أن يجتمع الجزائريون على الرؤية المستقبلية لبلدهم، ويجب أن تسع الجزائر الجميع بمختلف انتماءاتهم وتعدد توجهاتهم، بالعودة إلى مبادئ جزائر الثورة، وسط تحديات داخلية وتحولات خارجية، وجب أن يلتف حولها الجزائريون، خاصة ما تعلق بمشروع النهضة والتحدي الاقتصادي والاجتماعي». سمير محرز: جزائر قويّة وجديدة تطرق أستاذ العلوم السياسية، سمير محرز، إلى معطيات ميزت الجزائر اليوم وهي تُحيي ستينية الاستقلال، منها العرض العسكري واستقبال ضيوف الجزائر وقبلها نجاح حفل افتتاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط وتقديم صورة مشرفة عن الجزائر، يضاف إليها نجاح الجولات الماراطونية لتعزيز المكانة الدبلوماسية للبلد إقليميا وقاريا وعالميا، أبرزها زيارات رئيس الجمهورية خاصة نحو تونس، مصر، قطر، تركيا وإيطاليا واستقطاب أكبر قدر ممكن من المشاريع الاستثمارية. كما أكد أنّ الجزائر، «أتمت تنصيب كل المجالس المنتخبة البلدية الولائية والبرلمان بغرفتيه، الى جانب مجالس استشارية آخرها المجلس الأعلى للشباب، صاحبها عودة الديناميكية والحركية لمؤسسات الدولة مع تجسيد الرئيس أغلب التزاماته، وبالرغم من تحديات سياسية وعوائق تنموية وأزمة كوفيد وتداعياتها، إلا أن هناك ارتياحا شعبيا بعد ما تحقق الكثير من الإنجازات. وأبرز أنه حان وقت «التركيز بالجانب الاقتصادي والتنموي وإطلاق مشاريع اقتصادية حقيقية والبداية بمشروع ميناء شرشال وفق مقاييس عالمية والذي يعتبر بوابة اقتصادية، الى جانب إطلاق مشاريع استثمارية كبيرة متوسطة وصغيرة وفي كل القطاعات والمجالات خاصة بعد مصادقة البرلمان لقانون الاستثمار الجديد والذي سيكون بمثابة متنفس حقيقي لإنعاش الاقتصاد، دون إغفال الاهتمام بقطاع الفلاحة خاصة الفلاحة الصحراوية وتقوية سلة الغذاء الوطني والأمن الغذائي، مع التركيز على إنعاش التجارة بكل أنواعها وأشكالها ومجالاتها وتشجيع التصدير أكثر من الاستيراد، مع التوجه للعمق الإفريقي ووضع بصمة للمنتوجات الجزائرية خاصة المواد ذات الاستهلاك الواسع». كما شدّد الأكاديمي على «تعزيز دور الرقابة الحقيقية داخل الولايات من أجل تجسيد مشاريع حقيقية، واستقطاب أكبر قدر من اليد العاملة لأنّ منحة البطالة في النهاية ليست حلا، مع التركيز على اقتصاد المعرفة وتفعيل المؤسسات الناشئة الاقتصادية. وأضاف، «حان الوقت لإنشاء مشاريع ومركبات ومستشفيات بمقاييس عالمية وإنشاء قرى سياحية على مستويات عديدة وتوظيف الطاقات العلمية الجزائرية».