يشرع الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بداية من اليوم وإلى غاية الخميس القادم، في زيارة تقوده إلى ثلاثة بلدان أفريقية، الكاميرون ذات الوزن الكبير في القارة، وبنين التي تواجه تحديات أمنية، وغينيا بيساو، وهي أول جولة أفريقية يقوم بها منذ إعادة انتخابه في أفريل الماضي، والتي ستركز على أزمة الغذاء الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، وقضايا الإنتاج الزراعي والمسائل الأمنية. الزيارة التي يستعيد من خلالها ماكرون نشاطه الدبلوماسي في القارة السمراء تأتي تحت عنوان «تجديد علاقة فرنسا مع أفريقيا»، وترمي إلى توجيه إشارة تؤكد الأولوية السياسية الممنوحة للقارة الإفريقية، كما تأتي غداة إعلان باريس رغبتها في إعادة النظر بحلول الخريف، في مجمل الترتيبات العسكرية الفرنسية في إفريقيا، فيما تستكمل قوة «برخان» لمحاربة الجماعات الإرهابية خروجها من مالي. وأكّد ماكرون أنه يريد «ترتيبات أقل ظهوراً وأقل انكشافاً»، معتبراً أن ذلك يشكل «ضرورة إستراتيجية». واختيار الدول الثلاثة السالفة الذكر، لم يكن مطلقا صدفة بل على العكس تماما، فخلال ولايته الأولى، فضّل إيمانويل ماكرون زيارة دول الساحل، والدول غير الناطقة بالفرنسية في أفريقيا، مثل نيجيريا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا، لكنّه اليوم عازم على زيارة الدول التي كانت خاضعة للنفوذ الفرنسي، بوسط أفريقيا، مثل الغابون والكونغو الديمقراطية والكاميرون، في محاولة لاستعادة المكانة الفرنسية التي تراجعت في زحمة التنافس الدولي على المنطقة، وأيضا في ظل تنامي الشعور المعادي للوجود الفرنسي، وهو ما تحاول باريس التصدي له من خلال جولة ماكرون، ومن خلال إستراتيجية جديدة تسعى من خلالها إلى إعادة هيكلة تواجدها العسكري في منطقة الساحل الإفريقي وفق أجندة تضع قواتها في الصف الثاني في مواجهة الإرهابيين على أن تسند المهام الرئيسية إلى الجيوش المحلية. ماكرون يدرك جيّدا التحديات التي أصبحت الدول تواجهها، ويعلم بأن بعث الشراكة مع إفريقيا على قدم المساواة بات حتمية، خاصة وأن دولا عديدة نجحت في مدّ جسور التعاون الاقتصادي والعسكري مع الأفارقة، لهذا قرّر أن ينتهج إستراتيجية جديدة تمحي صورة فرنسا الاستعمارية، التي لا تبحث إلا عن مصالحها، ويضمن البقاء في المنافسة الإستراتيجية المتزايدة التي تجري هناك بين القوى الكبرى. ففرنسا كما خلص إليه ضابط فرنسي متمركز في غرب إفريقيا «لم تعد سوى واحدة من قوى أخرى في مجال عرض التعاون العسكري»، لهذا عليها أن تغير إستراتيجيتها تجاه دول القارة السمراء، وتتبنى أفضل الطرق والأساليب الناعمة في تعاملها مع الأفارقة بعيدا عن السيطرة والتسلّط والاستغلال التي لم تجلب لها غير العداء. فهل سينجح ماكرون في هذه المهمّة؟