ساهم قطاع المحروقات في مجال التنمية بالبلاد منذ تأميم المحروقات بما يفوق 800 مليار دولار، لذا فهو يوصف بقاطرة التنمية في الجزائر والممول الرئيس لجل برامج الحكومات المتعاقبة، والتي لطالما رسمت مخططاتها وفق إيرادات الدولة التي تسهم الجباية البترولية فيها بالحصة الأكبر. لذا فحتى ولو تم التسليم بضرورة تنويع مداخيل الدولة، إلاّ أن الجزائر تظل بحاجة الى إيرادات النفط والغاز من أجل تمويل مخططات التنمية، ومخطط الإنعاش الاقتصادي الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. تداعيات ارتفاع أسعار النفط ءو ما يمكن وصفه بالانتعاش في أسعار الطاقة، قد لمسه الكثير من خلال الزيادات المتتالية التي أقرها رئيس الجمهورية في الأجور ورفع الدعم الموجه، خصوصا وأن مؤشرات عديدة تلوح في الأفق بشأن استمرار هذا الارتفاع، مدعوما بما تفرزه التوترات الجيو- سياسية التي أصبح أثرها واضحا بشأن أسعار الطاقة التي تنعكس إيجابا على خزينة الدولة. وأصدرت «أوبك» تقريرا تتوقع فيه استقرارا في الأسعار عند مستويات 90 و100 دولار لبرميل النفط، حيث عرف السداسي الأول من العام الجاري ارتفاع الطلب على النفط ب1.3 مليون برميل يوميا، كما يتوقع ارتفاع الطلب على النفط إلى 100.3 مليون برميل في نهاية عام 2022. ومن المتوقع أن تصل عائدات النفط، نهاية العام الجاري، الى حدود 50 مليار دولار، وهو من أهم المدخلات التي تسهل على الحكومة تطبيق مخططها المتمثل في الإنعاش الاقتصادي بشكل فعلي، إذا أن أكبر عائق يواجه تطبيق أي مخطط حكومي هو التمويل الكافي لإنجازه. من جهته يرى الخبير الاقتصادي محمد حميدوش، أنه عوض أن يقابل ارتفاع أسعار البترول بزيادة سريعة في النفقات الحكومية، مهما كان سببها وأهدافها، فإن المهم هو الحفاظ على التوازنات الكلية الاقتصادية والمالية. وقال حميدوش ل «الشعب»: «أظن أن السنوات العجاف تعقبها أعوام الخير، وعليه أرى أنه من المهم أن يضم مخطط الإنعاش الاقتصادي تأمين الدورات الاقتصادية ليكون برنامج محل الأمد الطويل. ويضيف الخبير الاقتصادي، أنه قد حان الأوان لتغيير صندوق ضبط الموارد، من آلية لتمويل العجز إلى أداة تمويل مخصصة تنبثق منها ثلاثة صناديق، أولها صندوق الصدمات، الذي يمول حد العتبة الخاصة بالديون الداخلية للخزينة الواردة من السوق النقدي والسوق المالي (سندات)، وديون البنك المركزي والمنجر عنها العجز المالي السنوي أو المتراكم بحيث تحدد هذه العتبة بنسبة 10٪ من مجموع الديْن العام وعجز الميزان التجاري بالمقارنة مع الناتج المحلي الخام. ودعا حميدوش إلى تخصيص تحويلات من صندوق الصدمات في تمويل عملية تكوين احتياطات من الذهب لتأمين الدينار مقابل العملات من تذبذبات احتياطي الصرف. إلى ذلك، يوجد الصندوق السيادي (لشراء أسهم وسندات والأوراق المالية) من الأسواق العالمية، أي لتكوين حقيبة مالية متنوعة ذات مردودية لا تقل عن 8٪، أمّا الصندوق الثالث فيتعلق بصندوق التنمية والمخصص لتمويل بنك الجزائر للتنمية (BAD) والموجه لتمويل ومرافقة مشاريع المستثمرين الكبرى في الخارج وتقديم القروض للحكومات الأجنبية ضمن اتفاقيات ثنائية أو تمويل مشاريع شراكة الجزائر بغية ضمان مداخيل من خارج البلاد بالعملة الصعبة. مؤشرات تدعم آليات تمويل المخطط يرى الخبير حميدوش، أن مساهمة الجباية البترولية بالنسبة للمداخيل الكلية تختلف من سنة لأخرى، بحسب وضع السوق النفطي وكذلك تطور النشاط الاقتصادي في البلاد. فبالنسبة لسنة 2022، بالنظر إلى توقعات المالية لهذا العام، والذي تضمنه قانون المالية رقم 21-16 المؤرخ في 30 ديسمبر، فكانت هذه الجباية تعادل 37٪. وأشار حميدوش، أنه ومع قانون المالية التكميلي طبقا لأمر رقم 22-01 المؤرخ في 3 أوت 2022، فقد ارتفعت الجباية البترولية المتوقعة إلى نسبة 45,87٪، والمتمثلة في إيرادات إضافية والمقدرة ب1.108 مليار دينار وهو ضعف مما كان متوقعا، وهو مبلغ يمكن من مباشرة تمويل برامج عديدة، من بينها مخطط الإنعاش الاقتصادي. من ناحية أخرى، أكد الخبير أن مخطط الإنعاش من 2020 إلى 2022 سطر أهدافا متعددة، من بينها تحقيق معدل نمو الناتج المحلي الخام في حدود نسبة 4,30٪ في عام 2022، ليستقر عند معدل 3,84٪ بين 2023 و2025. وذكر المتحدث بأن على قطاع المحروقات تحقيق معدلات نمو نسبة 8٪ خلال سنة 2022، وبمتوسط 3,28٪ خلال الفترة من 2023 إلى 2025. كما ينتظر من قطاع الفلاحة، المرتبط بالظروف المناخية، من تحقيق نمو بما يعادل 3,45٪ خلال الفترة الممتدة من 2022 إلى 2025، على غرار قطاع الأشغال العمومية والبناء والري الذي برمج له ولنفس الفترة تحقيق نمو 4,54٪ وهي النسبة الأعلى. مشراوي: الاستكشافات الطاقوية تعزز مناخ الاستثمار أكد الخبير الطاقوي أحمد مشراوي، أن الهدف من الاستكشافات في مجال الطاقة، هو تعويض كل ما يتم استهلاكه. لذا فالاستكشافات الطاقوية تحافظ على مخزون الطاقة في أي بلد، مستشهدا بإحصائية تعود الى الفاتح من جانفي سنة 1999، حيث كشفت على أن الاحتياطي المسجل في مخزون النفط آنذاك يعادل نفس الاحتياطي المسجل في سنة 1971، وهو ما يعني أن كل ما استهلك طيلة 28 سنة تم تعويضه باكتشافات جديدة.