عندما يمتلك الإنسان الحرية ويستنشق عبيرها كل صباح في ربوع الوطن، ويتخلى عنها من أجل أن تعيش الأمة بكرامة وعزة وشموخ، لا بد وأن يتربع هذا الإنسان في أعماق قلوبنا، ويجب أن يكون في محل اهتمامنا جميعًا، هذا هو الأسير الفلسطيني العظيم.. ضحّى بزهرات شبابه لتنبت زهرات الوطن بكل ما تملك من جمال.. هو أعطانا لحن الأغنية لكي ننشدها كل صباح مع شقشقة العصافير التي تُغرد مع نسمات الصباح المشرق والمطل على قلوبنا بالخير والبركات.. هذا هو الأسير الفلسطيني العظيم.. تقدم نحو القيد ليُعطي الحرية للمرابطين المشتعلين بالحق ليذيقوا هذا العدو من كأس جبروتهم الذي مارسوه سنين طويلة ضد المستضعفين والمقهورين.. وليرسم على جدران الوطن وشوارعه بسمة الصدق والوفاء والعطاء لا يأبه بسنين القيد التي تنتظره.. من مثل هذه الوردة التي أعطت للوطن رائحة بنفسجية لا تذبل أبدًا؟.. من مثل هذه الياسمين التي فاحت عطورها بين ثنايا الروح لنشتم نسيمها ما حيينا وحتى لا ننسى جمالها؟.. من مثل هذه النجمة التي تُزين ليلنا لتعطي وطننا نوراً مضيئاً لا يمكن له أن ينطفئ؟.. هذا هو أسيرنا المبارك يُشعل القلوب بحبه ويعطينا قوة وصلابة لنواصل كدحه نحو المجد والحرية.. هذا هو أسيرنا الذي اشترى الحرية بالحرية ليُعلمنا كيف نصنع هذه الحرية رغم آلام القيد ورغم آلام الفراق.. هذا هو أسيرنا الذي زرع في طرقاتنا سنبلة الجهاد لتثمر عنفوانًا متواصلًا رغم قنابل الموت التي يزرعها هذا الغاصب في كل بقعة من بقاع وطننا.. فمن ذا الذي يستطيع أن يُعطي هؤلاء الرجال حقهم بكل وفاء؟ من ذا الذي يستطيع أن يعشق هؤلاء العظام حق العشق المنقوش في قلوبهم وأرواحهم وعقولهم وجدران زنازينهم؟.. من يستطيع أن يرسم لوحة الشرف المقدس الذي امتلكوه بصبرهم وعنفوانهم وَجَلَدِهِم وشوقهم؟.. لوحة رسموها بكل ألوان الطّيف لتطوف في سماء عشقهم لتُشهد الكون على جبروت هذا الغاصب لكل ما هو جميل في حياتنا.. هذا هو الأسير الفلسطيني العظيم.. تقدّم ليُشعل فينا صرخة بلال وسمية وعمار لكي نستلهم من سيرتهم كلّ معاني الصبر والتحدي، ونواصل طريقهم مستأنسين بالذين تقدّموا من أجل أن تنعم أمتهم بحرية وأمان وطمأنينة وكرامة.. فيا شعلة الحق في زمن ضاع فيه الحق!.. يا نسمات ربيعنا في ربيع لم نشتم مسكه كما الماضي! هذا هو يومكم يجيء وحالنا يشكو حالنا!.. حيث وطن ممزق!.. وحارات حزينة!.. وساحات لا تحمل في طياتها سوى (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)!.. تقطّع أمرنا وصرنا شيعًا وأحزابًا متفرقة؟! وَهَانَ الله علينا فهُنّا على الله، وهُنّا على أعدائنا حتى أصبحنا في نظره لا نساوي شيئًا!.. هذا هو يومكم يجيء وساحاتكم تفتقر لأمثالكم! ساحاتكم تشكو فراغها ونسيانها! لكن تبقى صوركم مُزيّنة لتلك الساحات ولكل شوارع الوطن المبارك والمنكوب.. لن تنساكم مهما تقاعس البعض ونسوا آهاتكم!.. لن تنساكم وكيف تنساكم وأنتم منقوشين في جدرانها وأشجارها وطرقاتها.. كيف تنساكم وأنتم ماء حياتها وزعفران صباحها ومسك مسائها.. فهي ساحات مجد نفتخر بها ونباهي بها كل الأمم.. فالمجد كل المجد للذين رفضوا أن يعيشوا خارج حدود المستحيل.. المجد كل المجد للذين نُقشت أسماؤهم في صدارة الواجب وقداسة «الإمكان».. المجد كل المجد للذين صنعوا من معاناتهم وآلامهم تاريخًا يُحتذى به ويُدرس للأجيال القادمة لتستلهم منه كل معاني الصبر والعطاء والتضحية.. فمن يستطيع أن يُحافظ على لوحة الشرف التي رسموها لنا بكل أمانة؟.. من يستطيع أن يحافظ على لملمة آلامهم ورشقها في وجه سجّانيهم لتتحول إلى غضب مستمر بكل صدق؟.. من يستطيع أن يُخفف عنهم من سياط جلاّديهم بكل جرأة ووفاء؟.. من يستطيع أن يزرع الأمل في قلوب أبنائهم وذويهم كما صنعوا لنا أملا مستمرا للسّير نحو المجد والكرامة؟.. فهل يستطيع أبناء هذا الوطن المنكوب حمل الأمانة والدفاع عن قضيتهم المقدسة وهم مشتتون.. متفرقون.. متخاصمون؟!..