تسوية تقنية للبواخر الجزائرية في الموانئ الدولية خبراء: لا حديث عن تطوير الاقتصاد في غياب منظومة نقل قوية قرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، فتح تحقيق فوري لمحاسبة كل المسؤولين عن تدهور قطاع النقل البحري، على جميع المستويات والمسؤوليات. وقد أكد رئيس الجمهورية في وقت سابق، أن "إعادة بعث قطاع النقل البحري، يقتضي محاربة الإهمال ومحاولات تكسير هذه المؤسسة العمومية الاستراتيجية منذ عام". في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد الأحد، وبعد دراسة ورقة طريق لتطوير الأسطول الوطني للنقل البحري والجوي للبضائع، أمر الرئيس تبون ب "فتح تحقيق فوري" لمحاسبة كل المسؤولين عن تدهور هذا القطاع الاستراتيجي، في جميع المستويات والمسؤوليات. كما أمر الرئيس بدمج الشركتين الوطنيتين "كنان متوسطية" و«كنان شمال" المتخصصتين في النقل البحري في شركة واحدة، مع إعادة النظر "جذريا" في هيكلة وسياسة النقل البحري للبضائع، على كل المستويات، من أجل تأهيله، وعرض مشروع استراتيجية التسيير الجديدة "في غضون شهر". وأسدى رئيس الجمهورية تعليمات بالعمل بكل الوسائل، من أجل تسوية تقنية للبواخر الجزائرية في الموانئ الدولية، بالتعاون بين سفراء الجزائر في الدول المعنية، ومسؤولي قطاع النقل، إلى جانب فسح المجال أمام الخبرات الجزائرية المتخصصة في البحرية، ولاسيما الشباب المؤهل والقدماء في هذا المجال، لاستحداث شركات في مجال إصلاح السفن. حجز سفن جزائرية بالخارج يكشف المستور إصدار هذه التعليمات لم يأت من فراغ، فقد كشفت عمليات حجز سفن جزائرية في موانئ عالمية، السنة الماضية، وعودة سفن نقل المسافرين شبه فارغة من رحلات دولية، عن "إهمال" مفضوح و«تواطؤ مسؤولين" لتحطيم الأسطول البحري الجزائري وإبقائه في تبعية لشركات دولية. وقد أثارت هذه الحوادث غير البريئة جدلا واسعا، نظرا لربطها بمشاكل مالية وتقنية، في وقت كانت فيه معظم شركات النقل العالمية تعاني من وضع مشابه بسبب تأثيرات الجائحة الصحية التي امتدت لثلاث سنوات. وتعرضت سفن جزائرية، تابعة للشركة الوطنية للملاحة البحرية شمال والشركة الوطنية للملاحة البحرية متوسط، السنة المنصرمة، إلى عمليات احتجاز على مستوى بعض الموانئ في الخارج، أنشأت على إثرها خلية أزمة قطاعية على مستوى الوزارة الوصية لأجل متابعة هذا المشكل التجاري، الذي كبّد الاقتصاد الوطني خسائر باهظة. تولت هذه اللجنة تحليل ومعالجة جميع المعلومات المتعلقة بوضعية السفن المحجوزة على مستوى الموانئ في الخارج، تقديم مقترحات عملياتية لإيجاد حلول للإشكالات التقنية والمالية المطروحة، تحديد جدول زمني لرفع الحجز عن هذه السفن، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتفادي وقوع مثل هذه الحالات مستقبلا. وأثمرت جهود الجزائر المتواصلة يومها، بحسب تصريحات وزير النقل السابق أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، عن رفع الحجز عن ثلاث سفن شحن كانت محجوزة بموانئ أوروبية، هي سفينة تمنراست (احتجزت يوم 28 أكتوبر 2021، وتم استرجاعها في 25 نوفمبر 2021)، وسفينة الساورة (احتجزت في 29 أكتوبر 2021 وتم استرجاعها يوم 14 نوفمبر 2021)، وتيزيران (احتجزت بإسبانيا في 18 أكتوبر وتم استرجاعها 30 نوفمبر 2021)، والسفينة الرابعة تيمقاد التي احتجزت في بلجيكا. وقال الوزير يومها، "إن جوهر قضية حجز السفن الجزائرية في أوروبا، هو سوء التسيير وعدم مراقبة هذه الشركات". وقد أعقبت هذه التجاوزات، تغيير مسؤولين على رأس هذه المؤسسات، وفتح تحقيق حول الحوادث التي وقعت في الخارج، كما تم عزل ربان كل سفينة تم احتجازها، كما تم توجيه تعليمات صارمة لضمان مطابقة السفن الجزائرية للمعايير الدولية وعدم السماح بإبحار أي سفينة دون تراخيص المراقبة والصيانة اللازمة. وعلى إثر ذلك، اتخذت الوزارة الوصية عدة إجراءات وتوجيهات لضمان مطابقة السفن الجزائرية لمعايير النقل العالمية. وكان رئيس الجمهورية، قد أمر في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 14 نوفمبر، بإعادة تجديد حظيرة النقل البحري، وذلك من خلال اقتناء سفن جديدة، وإعداد تقرير شامل ومفصل عن وضعية هذا القطاع، الذي يقتضي إعادة بعثه من جديد، "محاربة الإهمال ومحاولات تكسير هذه المؤسسة العمومية الإستراتيجية" مثلما جاء في بيان مجلس الوزراء. وتملك الجزائر أسطولا للنقل البحري للبضائع تابعا للقطاع العمومي، يقدر ب12 باخرة، 7 بواخر لشركة "كنان شمال"، و5 بواخر ل«كنان ماد"، بالإضافة إلى الأسطول الذي يحوزه القطاع الخاص والذي يقدر بباخرتين. أما أسطول النقل البحري للمسافرين التابع للقطاع العمومي، فيقدر ب3 بواخر متوسطة وقديمة، والذي تعزز مؤخرا بباخرة جديدة بسعة 1800 مسافر و600 عربة. في حين توجد قاعدة لصيانة وتصليح البواخر التابعة للمؤسسة الوطنية لتصليح البواخر "أروناف"، وتم تقديم عدد معتبر من طلبات الاستثمار في مجال النقل البحري للمسافرين والبضائع، ومجال النقل البحري الحضري والنزهة. 30 يوما لتقديم استراتيجية التسيير الجديدة منح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الحكومة مهلة شهر لتقديم مشروع استراتيجية التسيير الجديدة لقطاع النقل البحري، خاصة وأن منظومة النقل تضطلع بدور مهم في إنجاح برنامج الإنعاش الاقتصادي، ضمن مسعى متكامل وسياسة قطاعية متناسقة، تستجيب للرهانات الكبرى في الوقت الحالي، والتي تتمثل في الاستدامة وتحسين منظومة النقل وتكامله وأمن وسلامة أنظمة النقل وتجسيد فتح النقل الجوي والبحري على رؤوس أموال خاصة وطنية وأجنبية. وعليه اضطلاع قطاع النقل بدوره الجديد، في ظل تطورات الاقتصاد العالمي، وتسجيل احتياجات تنقل حادة وطلبات لوجيسيتة أكثر تعقيدا، لا يمكن أن يتحقق دون تحيين وتطوير المنشآت الأساسية للنقل، والاعتماد على برامج الصيانة لضمان منشآت وعتاد آمن ومؤمّن. ويرى أستاذ الاقتصاد الدكتور عمر هارون، في تصريح ل "الشعب"، أن تنظيم قطاع النقل ككل بشكل جيد، سيخفض تكاليف واردات الغذاء والمواد الأولية والصناعية، على الأمدين المتوسط والبعيد. كما يسمح للجزائر مستقبلا بفتح باب الاستثمار في هذا المجال، وتصبح هي التي تقدم هذه الخدمة للدول والشركات، وهذا ما سيجعل قطاع النقل مدرا للعملة الصعبة. وأكد أستاذ الاقتصاد، أنه "لا يمكن الحديث عن تطوير الاقتصاد الوطني، ولا إنجاح أي برنامج كان، إذا لم تكن هناك منظومة قوية للنقل، سواء النقل البحري أو الجوي أو البري". وأضاف، "أظن أن الجزائر باشرت مشاريع جد طموحة في هذا الإطار، طرق برية سريعة، ومدّ خطوط النقل بالسكك الحديدية وموانئ عصرية". واعتبر الأستاذ هارون، أن قرارات رئيس الجمهورية ترمي لتفعيل مخطط النقل البحري، خاصة أن هذا القطاع يمتص حجما كبيرا من العملة الصعبة، نظرا لأن تكاليف النقل البحري أصبحت جد مرتفعة، وإمكانات الجزائر لو تم إعادة تنظيمها والاستثمار في شراء بواخر جديدة، ستمكن من تخفيف تكاليف النقل البحري وهذا ما سيساعدنا على تخفيض تكلفة الواردات، ودخول عالم تقديم هذه الخدمات إلى شركائنا بمختلف أنواعهم". أما تعزيز الرقابة التقنية، فقال إنها "قضية تنظيمية وتحتاج إلى إطار تنظيمي يستحدث هيئات لمساعدة ومتابعة كل البواخر الجزائرية على المستوى التقني"، مشيرا إلى ضرورة إصدار نصوص تطبيقية لقرارات الرئيس التي وصفها ب "الشجاعة والمنطقية والفعالة"، والعمل على جذب الكفاءات الوطنية، ووضع برامج لتكوين كفاءات أخرى حتى نضمن الاستمرارية في هذا المجال وعدم التعرض لمثل مشاكل حجز البواخر الجزائرية التي حدثت في موانئ عالمية لأسباب تقنية.