أكّد المخرج السعيد عولمي أنّ الفيلم الوثائقي "على آثار المحتشدات"، الذي أخرجه وأنتج من طرف الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، والمركز الجزائري لتطوير السينما يوثّق لحقبة المستعمر السوداء بالجزائر، وما ارتكبه من جرائم بشعة في حق الشعب الجزائري. وأضاف عولمي، على هامش عرض الفيلم الوثائقي بقاعة سينما "الأوراس" (السينيماتيك) بوسط مدينة باتنة، أنّ "هذا العمل الذي تناول لأول مرة المحتشدات بالجزائر، يعد أيضا مساهمة في تدوين الذاكرة، والمحافظة عليها من أجل تبليغها للأجيال الصاعدة". وأبرز المخرج خلال المناقشة الثرية التي تلت تقديم الفيلم الوثائقي "ضرورة توسيع دائرة عرض مثل هذه الأفلام، التي تكشف ما اقترفه المستعمر من جرائم بشعة في حق المدنيين العزل خلال فترة احتلاله للجزائر، لتشمل المدارس والثانويات والجامعات حتى يتمكن الشباب من الوقوف عليها، ويتعرّف على حجم التضحيات المقدّمة في سبيل الاستقلال، وبالتالي المساهمة في تبليغ هذا الموروث التاريخي للأجيال القادمة حتى تتبناه وتفتخر به". وقال عولمي إنّ العمل "كان أكاديميا وكشف بالصورة والصوت والوثائق والشهادات الحية عن المآسي والجرائم البشعة، من إهانات وتحقير وترحيل واغتصاب واستنزاف للخيرات، مع الاعتماد على استنطاق أماكن الذاكرة، وأيضا مقاربة النظرات المتقاطعة، كما جاء ليدوّن لهذا الجزء من الذاكرة، وتبليغه للجمهور الجزائري وأيضا للأجانب". وعلى الرغم ممّا تتطلّبه مثل هذه الأعمال من وقت وجهد وبحث، ألحّ المتحدث على ضرورة "تدوين شهادات من لازالوا على قيد الحياة" لأن برحيلهم، كما قال "سيضيع جزء من الذاكرة"، مشددا على وجوب دعم الأعمال التي تساهم في المحافظة على الذاكرة. وكشف السعيد عولمي أن فيلمه الوثائقي التاريخي حول المنفيين إلى "غويانا" (أمريكا الجنوبية)، وصل إلى مرحلة التركيب وسيكون من أربع حلقات بعنوان "كيان قصّة جحيم"، مضيفا أن "حوالي 25 ألف جزائري نفاهم الاستعمار إلى هذه المنطقة بين سنتي 1852 و1939". وأضاف "نحن بصدد التحضير لعمل درامي يكون إما في شكل فيلم أو ربما مسلسل سيتناول مأساة نفي الجزائريين خلال فترة الاحتلال العصيبة، وستوثّق كل تلك الأحداث لاحقا في كتاب، وتدخل كلها في إطار المساهمة في المحافظة على الذاكرة. للإشارة، تابع الفيلم الوثائقي "على آثار المحتشدات"، الذي تمت برمجته من طرف مديرية الثقافة والفنون بباتنة، بالتنسيق مع متحف سينما الأوراس (سينماتك باتنة)، جمهور غفير من المثقفين والباحثين والمهتمين بتاريخ الثورة التحريرية، وأيضا طلبة وإعلاميين والذين جمعتهم بالمخرج جلسة نقاش ثرية. وقد كان من بين الحضور، أولئك الذين استذكروا بالدموع فترات عصيبة، عاشوا فيها كأطفال أو شباب في بعض هذه المحتشدات بباتنة وخنشلة، وقدّموا شهادات حية بالمناسبة عنها، فيما تطرّق آخرون لأماكن مماثلة مثل معتقل النساء ب "تيفلفال" ومجزرة "سرى لحمام بكيمل"، التي ذهب ضحيتها أكثر من 70 طفلا.