رصدت جريدة « الشعب» أمس بمسقط أجواء انتخابات المجالس البلدية التي جرت أمس ولأول مرة في مختلف محافظات سلطنة عمان ال11 المقدر عدد سكانها إجمالا 1,4 مليون نسمة حسب آخر الاحصاء. ولوحظ بالجهة الشرقية للسلطنة مدى الاهتمام الكبير الممنوح للحدث المحلي الذي يصنع في هذا البلد الخليجي الذي يخوض تجربته السياسية باستقلالية محافظا على خصوصيته رافضا التنازل عنها قيد أنملة.عكس دول عربية كثيرة فتحت المجال لاستيراد التجارب والممارسة الديمقراطية جاعلة من نفسها حقل اختبار دون وضع في الحسبان المخاطر والتداعيات على السيادة والقرار السياسي والمستقبل. توقفت عند هذه الحقيقة « الشعب» اليومية الجزائرية الوحيدة الحاضرة بعين المكان لتغطية استحقاق مدرج في سياسة اصلاحية تنتهجها السلطنة بهدوء بعيدا عن الارتجالية عبر الانتخابات البلدية بعد مجلسي الشورى والدولة. توقفت « الشعب» عند هذه المسألة وهي تغطي الحدث الانتخابي المحلي بمراكز انتخابية بقريات التابعة لمحافظة مسقط، وصور المحافظة بأقصى الشرق. وهي المنطقة الاولى في شبه الجزيرة العربية التي تطلع بها الشمس. منطقة ساحلية تقع بواجهة بحر العرب الشهيرة بصيد الاسماك وصناعة السفن التقليدية المحافظة عليها متحدية تداعيات الزمن وانقلاباته وسيرورة التحول السريع. ويلاحظ مدى الشبه بين صور العمانية وصور اللبنانية في اكثر من امر واتخاذ كل منهما شكل راس ممتد في البحر مع الفرق في الموقع وتاريخ النشأة والتسمية والوظيفة. وتمايز أهل صور العمانية بتعاطيهم مهنة التجارة مع الاجناس الاخرى عبر البحر طيلة عصور مضت ولا زالوا متمسكين بوظيفة ربابنة السفن حتى الان. صور تصنع التمايز انها صور حملناها في الذهن ونحن ندخل بوابة صور المفتوحة عبر الطريق السيار المدشن منذ عامين مقربا المسافة مع مسقط مزيلا أعباء التنقل عبر الطريق السابق الوعر الضيق المرهق. دخلناها في حدود الواحدة بتوقيت السلطنة ال10 بتوقيت الجزائر. ووجدنا بالمركز الانتخابي «الشراع » حركة غير اعتيادية وتهافت على مكتب التصويت لاختيار 29 مترشحا للمجالس البلدية كل واحد منهم يحمل برنامجا انتخابيا مغايرا يؤكد انه الانسب لتقديم خدمة للمواطن العماني المتطلع للمزيد. وحسب عبد الله بن سالم الحصري مساعد رئيس التنظيم فإن مراكز الاقتراع الثلاثة بصور التي يوجد بها 19 الف ناخب مسجل وعد سكانها 60 الف نسمة حضرت للاستحقاق كما يجب من اجل انجاح التجربة الديمقراطية التشاورية. ويرى المهندس صلاح السالم في تصريح لنا ان النظام الالكتروني المعتمد من السلطنة منذ انتخابات « الشوري» العام الماضي، كتجربة ريادية بالخليج ساعد على إجراء العملية الانتخابية في أحسن الظروف. وسد كل فجوة تزوير او تحايل تضرب في العمق مصداقية الاقتراع ونزاهته. واعترف عبد الله محمد ناصر العريمي ( 31سنة مدرس ) بجدوى الاقتراع وأهميته قائلا أنه صوت بمكتب « الشراع» على من يراه أكثر قابلية لخدمة المواطن والتكفل بهمومه وايصال رسالته الى السلطات المختصة دون ابقائها في طي النسيان. ومن جهته اكد محمد سالم البكري مخرج تلفزيون قناة عمان الثانية( 40 سنة ) ان المؤسسة الاعلامية جندت فرقها لتغطية الحدث الاستثنائي ناقلة أدق التفاصيل والتصريحات التي تصب في مجملها في إعطاء التجربة الديمقراطية حقها المستحق دون اعتبارها مجرد حدث عابر مناسباتي. وتدخل عبد الله سالم العلوي ( 28 سنة موظف بالشركة العمانية للغاز) في تصريحه لنا بالقول انه يرى من الانسب في تجربة المجالس البلدية الموسعة ضرورة متابعة ومحاسبة الفائزين فيها على مدى تطبيق الوعود الانتخابية وحمل الأمانة والمسؤولية كاملة دون نقصان. مشهد واحد.. غايات واحدة نفس المشهد تكرر في المركز الاقتراعي « بلاد صور» المخصص للنساء حيث التهافت عليه في حدود الثالثة والنصف بالتوقيت المحلي .وقالت لنا السيدة رحمة يوسف صالح الفارسي ( 32 سنة ربة بيت وام ل4 اطفال ) انها صوتت على برنامج انتخابي يعطي الاولوية لانشاء مؤسسات تمتص البطالة التي تعاني منها منذ سنوات وقدمت طلبات توظيف منذ 1995 دون جدوى. وعن غياب المترشحات في هذا المركز ارجعت المتحدثة السبب الى بقاء سيطرة الثقافة الرجولية التي تعمل المستحيل من اجل بقاء المرأة بالبيت تهتم بتربية الاولاد والاشغال المنزلية فقط. لكن هذه الصورة ليست معممة على كافة مراكز الانتخابات التي توقفت عندها « الشعب» بقريات الولاية التابعة لمسقط ويقطنها 30 الف نسمة. فقد وجدنا بالمركز الانتخابي الغدير الذي بدأنا من خلاله عملية الاستطلاع الميداني في وقت مبكر رؤية اخرى مغايرة وموقف نسائي يشجع حواء العمانية باقتحام المواقع السياسية بعد القطاعات الاخرى التي كسبت فيها الاستحقاق والاعتبار. فقد اكد احمد بن هلال البوسعيدي والي قريات ان المراة العمانية حاضرة بقوة في التحول والبناء.وهي شريكة اساسية في مسار النهضة التي شرعت فيها السلطنة منذ السبعينيات بقيادة السلطان قابوس. وذكر الوالي ان وجود نساء مرشحات في القوائم الانتخابية بمركز الغدير يحمل دلالته ويثبت مدى التقاسم الوظيفي بين مختلف ابناء وبنات السلطنة في الدفع بالمشروع النهضوي الى الامام. المرأة..بعيدا عن التمثيل الرمزي وعن مكانة المرأة في الهيئة الناخبوية والنسبة التي تمثلها قال السيد الوالي في تصريح ل « الشعب» ان العمانيات بقريات يمثلن 40 في المائة من الهيئة الناخبة وان كان ترشحن لا يتعدى الاثنين في قائمة تضم 17 مترشحا للاستحقاق. ودعمت خديجة عبد الكريم محمد الزجالي نائب رئيس المركز الانتخابي الغدير بقريات تجاوب المرأة العمانية مع التوجهات السياسية للسلطنة وتشديد قائد البلاد السلطان قابوس دوما على الإصلاح السياسي تفتح المجال للمشاركة النسوية تحتاجها السلطنة. ورأت السيدة انتصار عضو التصويت في مكتب الغدير المخصص للاقتراع النسوي ان مشاركة 46 عمانية في الانتخابات البلدية يحمل الدليل القاطع عن رغبة المرأة في كسب المزيد من المواقع ودخول مراكز القرار دون القبول بما هو متوفر لها. واعتبرت مريم جمعة البلوشي استاذة التعليم ان العمانية حاضرة في الاستحقاق بقوة.وانها اختارت التصويت على من تراه أنسب تمثيلا وقدرة على حل المشاكل والانشغالات. واعترفت شيخة بن خلفان محمد الفارسي ( 24 سنة عاطلة) ان الانتخابات البلدية هي القاعدة الاساسية في الديمقراطية التشاورية شريطة ان يفي الفائزون بالاستحقاق بالعهد وتجسيد ما وعدوا به .لان هذه المسألة هي اساسية في تكريس علاقة ثقة بين المواطن العماني ومنتخبيه حسب الهام جمعة البلوشي وشيماء لالم البستاني مشددتين على مضاعفة الجهود في تحريك المنشأت القاعدية أساس البناء وقاطرة انطلاق المشاريع الاخرى بامتياز. انها انشغالات ، مطالب واقتراحات تحملها الانتخابات البلدية بالسلطنة التي يعلن عن نتائجها المفصلة وزير الداخلية اليوم في لقاء مع الصحافة ويجيب على اسئلة ماذا تحقق في هذا الاستحقاق المصيري الذي تخوض الدولة الخليجية تجربته بتحد إعتمادا على الذات معبرا عن الخصوصية العمانية محل الاهتمام.