تتميّز عن مختلف الطّبوع الموسيقية بإيقاعها المستوحى من حركات الجمال ومشيتها، ممّا أهّلها لتكون مرجعية للموسيقى المحلية بتمنغست، في إيقاعها سواء فنّا أو تأسيسا، حسب مولود فرتوني شاعر وكاتب بعاصمة الأهقار. رافقت مجتمع الإيموهاغ في مختلف مراحل تواجده عبر التاريخ، بفلسفة عميقة جعلت منها موسيقى تلعب دورا بارزا ورياديا في الحياة اليومية لقاطني منطقة الأهقار وضواحيها، فتعدّدت مجالات استعمالها، على غرار المناسبات كالأعراس والختان، والروحانيات والطب كمعالجة مصابي لسعات العقارب والأفاعي، والاحتفاء بلبس العمامة (الشاش) لأوّل مرة للرجل، وكذا ارتداء لباس ما يسمى ب "التسغنس" للمرأة لأول مرة، وعودة المسافر من السفر وغيرها من المناسبات. «التيندي" بلغة التماهق، أو المهراس (هاون) باللغة العربية، أداة تحوّلت إلى آلة موسيقية إيقاعية، ونوع موسيقي أساسي بتمنغست، من أشهر فناناتها لالة بادي يقول عبد الوهاب بوغردة، كاتب وباحث في الثّقافات الشّعبية في حديثه مع "الشعب". هكذا كان الميلاد.. أرجع الموسيقي والفنان عبد الوهاب بوغردة، بداية حكاية موسيقى التيندي، إلى الأسطورة القائلة إنّ فتاة قامت بقلب طبق مصنوع من سعف النخل، بغية تنظيفه من بقايا التمر ليصدر صوتا صاحبه إصدار المهراس لنغم عجيب لتنطلق بذلك آلة التيندي. ومع مرور الوقت - يضيف المتحدّث - ارتقت الآلة وتطوّرت إلى وضع غطاء جلدي مدبوغ بطريقة خاصة من جلد الجمل على المهراس، وشدّه بعمودين من خشب (المدق) وربطه بحبل محكم لتحسين مسكه، يصاحبهما وضع الماء فوق الجلد على فترات متتالية، لإعطاء الآلة صوتا قويا عند الضرب عليها. يضيف عبد الوهاب بوغردة: بداية قصة ميلادها صاحبتها مجموعة طقوس معينة كالتبرك بها في الأعراس وعند تلبيس العروس، أو عند لبس الفتاة لما يسمى بلباس "التيسغنس" لأول مرة، ولجلب البركة وهو ما يطلق عليه عند الإيموهاغ ب "اسوار" كلمة بالتماهق، أين يتم رمي مجموعة من الحجار بنية إبعاد الشر، وهذا بحضور امرأة منصورة تشرف على العملية. للآلة السر..وللقصائد العبر
في نفس الصدد، يقول المتحدّث إنّ آلة التيندي تحتوي على سرّ كبير وعجيب، فمن أجل عملية غرف الجلد وإعطاء صدى صوتي أكبر ومميز للألة، يتم جلب سبع حجرات ووضعها داخل التيندي، دلالة عن أحسن 7 نسوة يتّصفن بصفات حسنة تميزهن عن غيرهن من النسوة، كتبرك لنجاح العملية. من جانبه، يرى الأستاذ مولود فرتوني باحث في الثقافات الشعبية بالمنطقة، أنّ قصائد "تيندي" بكل إيقاعاتها وأنّاتِها تظل علامة فارقة، لما عرف عن الأمم الأخرى من فن، وفي نشأة هذا النوع من القصائد المغناة حكاية وعبرة. وتقول الأسطورة إنّ أول قصيد تعود لامرأة تدعى "أبونتي"، كانت تتوجّه يوميا إلى بئر ماء لتتزوّد منه، وفي أحد الأيام، التقت ثلاثة رجال كانوا قد سرقوا جملا وذبحوه، وعرضوا عليها أخذ نصيبها ممّا غنموا ترغيبا لها وخوفا من اكتشاف أمرهم، ولكنها رفضت هذه السرقة، وقالت "الشك إتاكس لازم"، وهي حكمة تارقية تعني (القناعة تمنع الجوع)، ثم ذهبت لخيمتها ولم تبح بالسر، وبعد مرور زمن طويل على الحادثة، تلقّت المرأة جزاء من أحدهم لتكتمها وجميل صنعها. هذه القصيدة التي تحمل نفس العنوان "أبونتي" يقول مولود فرتوني، كلها مدح وثناء على المرأة الجليلة التي أنقذتهم من الفضيحة والعار، فمنذ هذه الحادثة عرف التيندي، وأخذت كلماته تمزج الصّحراء والشعور، وتشكّل ملحمة شعرية فريدة، تلتقي فيها الكلمات وجمال صوت المرأة، وإيقاعات "تيندي" وعلى ركح يتساوى فيه الجميع، فهن على شفير القصيدة وحرقة البوح سواء، كما لم يتساوين في أمر سواه. البداية من أهقار.. أرجع مولود فرتوني تاريخ دخول موسيقى "تيندي" إلى منطقة "أهقار" و«آزجر"، إلى حدود سنة 1930 تقريبا من أدغال "إيفوغاس" إحدى قبائل الإيموهاغ، وهو الرأي الذي يؤكّده الدكتور بادي ديدة، مختص في الأنثروبولوجيا في العديد من المناسبات، لتتغنّى النساء منذ هذا التاريخ بهذه الموسيقى التي ترافق الإيقاعات التيندية بأغاني تحمل نفس التسمية. وقال المتحدّث "إنّ ما نراه من مظاهر الاحتفاء بالفارس والشعر عند العرب، هو ذاته وبنفس الحدة ما نراه عند الطوارق فالشعر في هذه المجتمعات يلازم الفرد من فترة المناغاة إلى فترة الشيخوخة. فمثلما نرى الطفل حين يولد تستقبله القابلة بزغرودة موَشَّحَة بأغان بها سمات شعرية، وفي فترة طفولته الأولى يهدهد بمقاطع شعرية تعرف ب "إسُوضَاصْ"، أي "أغاني ما قبل النوم وأيضا عندما يتعلم المشي يتغنون له كذلك عند الإيموهاغ". الطّبوع والأنواع..
على غرار العديد من الطبوع الموسيقية والفنية، أضاف بوغردة عبد الوهاب صاحب كتاب "موسيقى الهقار من الشفهية للتدوين"، أنّ التيندي لها أنواع وطبوع مختلفة ومتنوعة تختلف باختلاف مواضيعها ومناسباتها، منها: "تيندي تهانجميت": سمي هذا النوع نسبة للرجال الذين يشاركون النساء بأهازيجهم وآهاتهم لصوتهم الحنجري دون الغناء، إذ نجد أنّ المغنية تؤدّي غناءها يتبعه تصفيق منتظم، والرّجال يصدرون صوتا خاصا من حناجرهم. تيندي المدائح (تيمال): نجد هذا النوع يطغى عليه الكلمات الدينية والمدائح المفعمة بالرشد والنصح، والتي يمكن تصنيفها ضمن الموسيقى الدينية. تيندي إيلوجان أو تيندي الجمال (المهاري): سمي هذا النوع بهذا الاسم نسبة لمشاركة الجمل لهذا النوع الغنائي والايقاعي، إذ نجد الجمال بصفة خاصة ترقص على إيقاعه بشكل متناسق ومتكامل مسايرة بذلك للإيقاع، بشكل دائري حول حلقة للمجموعة الموسيقية النسوية، وفي هذا النوع يرتدي الرجل أحسن لباس له، ويزين الجمل بأحلى اللباس الجلدي، فيعد هذا النوع الموسيقي الغنائي "تيندي إيلوجان" من أعرق العادات التي تميز بها الإيموهاغ منذ القدم، والتي لا زالت حاضرة إلى يومنا هذا، خاصة في الأعراس والمهرجانات. تيندي ايسوهاغ أو "تيندي الغناء": يطغى على هذا النوع الغناء سواء بمناسبة أو بدون مناسبة، وتكون على مستوى المنزل. تيندي تبلكوريت: فهو نسبة لآلة موسيقية محلية تسمى "تبلكوريت" المطوّرة من آلة تيندي المصنوعة من قدر الزنك، ويتم تغليفه بغلاف مطاطي خاص، بحيث تعطي هذه الآلة نبرة صوتية أقوى من آلة التيندي المعهودة. تيندي إيسوات: تسمى بهذا الاسم نسبة للكلمات التي تستعمل في الطابع الغنائي لإيسوات، لكن يستعمل في هذا النوع الايقاعي إيقاع تيندي وأغاني إيسوات، وتكون حاضرة بشكل كبير مع تسجيل غياب الرقص عن هذا النوع. تيندي الهوميشة: هذه التسمية تعود للقافية التي ينتهي بها هذا النوع الغنائي من التيندي، وهو الشين ويستعمل هذا النوع بالتجمعات السكانية لأماكن الأهقار. أداء منفرد.. تنفرد موسيقى التيندي بطريقة أداء ومميزات عن غيرها، يقول عبد الوهاب بوغردة، فهي تؤدّى ضمن مجموعة من النسوة اللاتي يمثلن "الكورال" أو "الفرقة" بشكل موحّد من "الآهات"، صوت منخفض نوعا ما مع اللاتي يسمون بالتماهق ب (أسكبال)، وهي كلمة بالتارقية تعني الفرقة، وبدورهم يقدّمون حافزا كبيرا للفنانة، وتقوم المغنية الرئيسية بالعزف على التيندي والغناء، وقد تكون عازفة خاصة على آلة التيندي ومغنية تقوم بالغناء. أما بالنسبة للإيقاع المرافق لكل أشكال موسيقى التيندي - يضيف المتحدث - "فيبقى نفسه، حيث نلمس هناك اختلاف طفيف من ناحية الإيقاع، وهنا يبرز لنا الفرق ما بين غناء وأشعار التيندي المؤدات في التجمعات السكانية، والتيندي المؤدات في المناطق الصحراوية البعيدة عن التجمعات". أمّا عمّا يعرف ب "الريتم" في إيقاع التيندي، يقول المتحدث: "هناك نوعان الخفيف السريع نوعا ما، والذي هو أساس هذا الايقاع في منطقة الأهقار، والثقيل الذي نجده في المناطق الحدودية لمنطقة الأهقار كمنطقة تين زواتين المتأثّرة بتيندي المنطقة المسماة "أيار"، والمتواجد بمنطقة عين قزام المتأثرة بتيندي المنطقة المسماة "تمسنا"، وأضاف "في حين المعروف أنّ اسم التيندي لمنطقة الأهقار يعرف ب (بليكنزي)، والذي يكون على إيقاع وريتم منتظم على نحو (تدم تدم) التي تعني آلة ريتمية". دعوة للمحافظة على التيندي ولأنّها قديمة قدم تواجد الإيموهاغ، وشاهدة على هجرات مجتمع الطوارق وتجوّلهم، يقول الباحث في الثقافات الشعبية مولود فرتوني، لا بد من المحافظة عليها والعمل على تصنيفها والتعريف بها على المستوى العالمي على غرار "الإمزاد". هذه الخطوة - يضيف المتحدّث - تفرض على الفاعلين في المجال الثقافي بشكل خاص، ضرورة الاهتمام الأكاديمي بموسيقى التيندي، من خلال إقامة ورشات خاصة بها، وإدراجها ضمن أبحاث تعنى خصيصا بالموسيقى في مخابر البحث عن الموروث، في وقت تلعب فيه المناسبات والأفراح العائلية دور الحامي والمحافظ عليها من الاضمحلال، ممّا يتطلّب حسبه الانتقال إلى العمل على وضع خطة جدية على غرار ما تمّ تطبيقه على "الإمزاد" التي اقتحمت العالمية من أوسع أبوابها. في نفس السياق، أكّد مولود فرتوني أن الاهتمام الشعبي الذي تحظى به التيندي في الواقع المعيش، لا بد أن يرافقه اهتمام علمي، ولِم لا إنشاء مدرسة خاصة أو ملحقة بالمعاهد الموسيقية تعنى بهذا الشأن، ومنه تدوين موسيقاها وإيقاعها بمختلف ألوانها واختلافاتها، لكونها مرتبطة بمجتمع الإيموهاغ في كل مراحله. وفي نفس الشأن، أكّدت باعلي مينا، فنّانة مختصّة في موسيقى التيندي ل "الشعب"، أن طابع التيندي رفيق الإيموهاغ الدائم وفي كل المجالات المرتبطة به، الأمر الذي حسبها يتطلّب الوقوف عليها ووضعها في المكانة التي تستحقها، بالنظر للاستعمال شبه اليومي لها منذ ميلادها كطابع موسيقي مميز عن غيره. وطالبت المتحدّثة بضرورة إنجاز بحوث ودراسات على طابع التيندي، والترويج لها محليا بطريقة أكاديمية ووطنيا وحتى عالميا، خاصة وأنّ استعمالها يفوق استعمال الإمزاد في الحياة اليومية للمجتمع، ممّا يؤهلها للتصنيف العالمي ويساعدها على الاستمرارية لعقود أخرى من الزمن. وأضافت سعدية أسوني رئيسة جمعية "الإصل إن موهاغ"، المهتمة بتراث المنطقة، أن التيندي لطالما كانت ملازمة لمجتمع الإيموهاغ، إلى أن تمّ إطلاق اسم أحد جبال المنطقة على آلة التيندي، ممّا يبين أهميتها الكبيرة في حياة المجتمع المحلي للأهقار. وبالرغم من اختلافها من منطقة إلى أخرى، إلا أنّ الأهمية والمكانة الخاصة بها تبقى واحدة لدى الإيموهاغ، ممّا يتطلّب إيلاء أهمية خاصة لها للمحافظة عليها، وتقديم الدعم والحافز لجميع الفنانين والناشطين في طابع وموسيقى التيندي.