زادت معاناة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الصهيونية في ظلّ الحكومة اليمينية المتطرّفة وإعلان وزير الأمن القومى "ايتماربن غفير" التضييق على الأسرى كما جرى في سجن نفحة، ولقد تتبع الدكتور رأفت حمدونة، وهو الأسير السابق، كل الإجراءات التعسفية التي تتعارض مع أدنى حقوق الانسان، واليوم، نتابع الحلقة الثانية من استراتيجية العصيان التي يتبعها الأسرى المغلوبون على أمرهم في مواجهة القمع الصهيوني. 11 - مقاطعة رجالات الإدارة: كثيراً ما يمارس بعض السجانين بحق الأسرى ممارسات عنيفة بقصد الإهانة وقت التفتيشات، أو انتقامية وقت المواجهات والقمعات، أو غير مقبولة مع الأهالي وقت الزيارات، مما يضطر الأسرى إلى تبليغ إدارة السجون بمقاطعة ذلك السجان، ويطالبونها بعدم دخوله للأقسام، مبلغين بعدم المسؤولية عن أي خطر يتهدّده، "وغالباً ما كان هذا الأسلوب مجدياً وفاعلاً يؤدي إلى تأديب أولئك السجانين الذين كانوا يتعرّضون لضغوط نفسية شديدة أثناء فترة مقاطعتهم، وكثيراً ما جاء بعض هؤلاء إلى المعتقلين راجياً فكّ المقاطعة الاجتماعية عنهم، وتخوفاً من تطور المقاطعة لتصل للإيذاء الجسدي وتهديد الحياة بحقهم، وهذه الوسيلة استخدمها الأسرى في انتفاضتهم ضد السجان منذ بدء المعركة. 12 - مقاطعة العيادة: عشرات الشهداء في السجون كانوا ضحية الإهمال الطبي، وتأجيل العمليات الجراحية الضرورية، وعدم القيام بالفحوصات المخبرية، وتجريب الأدوية على السجون، وعدم توفير العلاجات المناسبة والاكتفاء بحبة الأكامول السحرية، ونتيجة لهذا الواقع أضرب الأسرى وخاصة المرضى منهم عن تسلم الأدوية من الممرض، أو النزول للعيادة، أو مراجعة ما يسمى بمشفى سجن مراج - الرملة، "وأتت هذه الخطوة في أعقاب حملة الحياة حق التي أطلقها الأسرى من داخل السجون، وكثيراً ما أجدى هذا اللون من الإضرابات لسببين، الأول، أن مقاطعة ذوي الأمراض المزمنة للعيادة قد يودي بحياتهم، وهذا مرتبط بالسبب الثاني وهو تخوفات دولة الاحتلال من عواقب المقاطعة وتداعياتها التي قد تودي بحياة الأسرى والتي تحرّك الرأي العام والمؤسسات القومية بالدولة لمعرفة ما يحدث من إجراءات تعسفية في السجون الصهيونية إعلامياً وقانونياً لو حصل مكروه لأي أسير نتيجة هذه الخطوة . 13 - مقاطعة المحاكم: إجراءات وقرارات إدارة السجون بحق الأسرى تزامنت مع خطوات الأسرى الاداريين في مواجهة الاعتقال الإدارى، إذ يواصل المعتقلون الإداريون - والبالغ عددهم ما يقارب من (500 معتقل)- معركة مقاطعة المحاكم العسكرية المختصة بالاعتقال الإداري على اختلاف مستوياتها (تثبيت، استئناف، عليا)، كخطوة احتجاجية لإنهاء الاعتقال الإداري وإسقاط سياسته التعسفية التي ينفذها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته. وانطلقت حملة المقاطعة مطلع يناير الماضي تحت شعار "قرارنا حرية"، ولا زالت مستمرة حتى الآن، حيث نسق لها سابقاً بين المعتقلين الإداريين والمؤسسات العاملة في مجال الأسرى وحقوق الانسان، علماً بأن أبناء الحركة الأسيرة دعموا قرار المعتقلين الإداريين الشجاع بالمقاطعة، ويتابعون حتى اللحظة سير القرار عبر الهيئات التنظيمية داخل السجون. ولا بد من الإشارة إلى أن جميع المعتقليين الإداريين ما زالوا ملتزمين بالخطوات النضالية لحملة المقاطعة التي تمتاز بالقوة والانضباط، ويتضح ذلك من خلال عملهم ضمن لجان قادرة على الحفاظ على وحدة القرار والمطالب، ولا بد من استثمار هذه الخطوة الجريئة التي ينفذها المعتقلون الإداريون، لتسليط الضوء أكثر على قضية الاعتقال الإداري ومعاناة الأسرى من هذا الاعتقال الجائر، وتدويلها عبر التواصل مع المؤسسات الحقوقية والإنسانية. ب - وسائل سلمية استراتيجية: 1 - الاضرابات المفتوحة عن الطعام: 2 - قام الأسرى بالعديد من الخطوات النضالية السلمية رداً على انتهاكات إدارة مصلحة السجون، وكانت تلك الخطوات متفاوتة التأثير، وتميزت بالقوة والضعف، وللقليل من التفصيل: 1 - الإضرابات المفتوحة عن الطعام: يعتبر هذا الأسلوب من أفضل الأساليب التى يلجأ إليها المعتقلون داخل السجون، وهو سلاح استراتيجي فتاك، وقد أثبت هذا السلاح فاعليته خلال المسيرة الاعتقالية، منذ سنواتها الأولى وحتى يومنا هذا. فالإضراب المفتوح عن الطعام ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو الخيار الأخير، غير المفضل لدى الأسرى، وتلجأ إليه الحركة الأسيرة بعد استنفاذ كافة الخطوات النضالية التكتيكية، وهناك أهداف ومسميات للإضرابات المفتوحة عن الطعام منها: «الإضرابات الاحتجاجية، والتضامنية، والمطلبية، والسياسية، ومنها الجماعية والفردية، ومنها على الماء والملح فقط، وأخرى مع تناول المدعمات من المحاليل والفيتامينات"، فالإضرابات تشكل أوسع حالة ضغط على الاحتلال نتيجة تحرّك الجماهير الفلسطينية والعربية والدولية، وتدخل المؤسسات الحقوقية والدولية، والتخوّف من استشهاد الأسرى الذي يوسّع من ظاهرة الغضب العارمة التي تحدث بعد كل إضراب مفتوح عن الطعام. 2 - الإضراب عن العمل: قد يلجأ الأسرى في السجون لارباك إدارة مصلحة السجون من خلال رفضهم الخروج لمرافق العمل، على سبيل المثال عمال القسم "النكيون"، والهدف هو استجلاب مدنيين للقيام بمهمة توزيع الطعام واحتياجات الأسرى، الأمر الذى يشكّل حالة ضغط على السجانين وإدارة السجون، وهنالك خطر من تجنيدهم لصالح الأسرى بتهريب بعض الاحتياجات الممنوعة. 3 - تجنيد السجانين: في مقابل محاولات إدارة السجون في تجنيد العملاء لصالحها، استطاع الأسرى تجنيد بعض السجانين للقيام بمهمات تخدمهم، في عمليات تهريب الهواتف النقالة، والمناشير لعمليات الهروب، وإيصال الرسائل والقيام بالتواصل بين الأسرى ومع الأهالي في الخارج للقيام ببعض المهمات الضرورية للأسرى، والتي تشكل خطورة أمنية على إدارة مصلحة السجون. ثانياً - وسائل عنيفة: وتنقسم قسمين عنيفة تكتيكية وعنيفة استراتيجية: أ - وسائل عنيفة تكتيكية: 1 -التكبيروالطرق على الأبواب"موجات الإزعاج والإرباك": تعتبر وسيلة مكرّرة وشائعة، ففي كثير من الأحيان يصل الحدّ من جانب إدارة السجون للتجاهل المقصود للأسرى في حالات مصيرية قد تودي بحياة أحد الأسرى المرضى التي تستدعي حالته النقل إلى العيادة أو المستشفى، حينها يبدأ الأسرى بالتكبير والطرق على الأبواب والإعلان عن حالة استنفار حتى يجبروا الإدارة على الحضور ونقل الأسير المريض لتلقي العلاج، وقد تكون تلك الوسيلة ممنهجة من جانب الأسرى كحالة نضالية ضمن مشروع طويل متفق عليه بين الفصائل، وهذه الخطوة تخلق الذعر في أوساط السجانين، وقد تصل لحدّ التمرد الذي يكلف السجانين حياتهم. وفى انتفاضة الأسرى اتبع الأسرى هذه الخطوة مرات عديدة تحديداً في الخامس عشر من فبراير، حيث إن الأسرى قرروا الوقوف على أبواب الغرف والشبابيك في خطوة لإرباك السجان. 2 - رفض التفتيشات العارية والاقتحامات الليلية: تعمدت إدارة مصلحة السجون الصهيونية باتباع سياسة الإذلال والإهانة للأسرى تحت ذرائع أمنية، ومن تلك السياسات التي سببت الكثير من المواجهات والصدامات العنيفة من جانب الأسرى وحالات الاحتجاج الجماعية هو التفتيش العاري عند دخول أي سجن أو الخروج منه، أو اقتحامات غرف الأسرى ليلاً من فرق خاصة، وإخراج الأسرى في البرد الشديد بعد تقيدهم لساعات طويلة، وخلط ممتلكاتهم وملابسهم، والاطلاع على خصوصياتهم كألبوم الصور العائلي ورسائلهم الخاصة، وقلب كل الغرفة وتخريب كل ما فيها بحجة الأمن، ولقد رفض الأسرى هذا النوع من التفتيشات والاقتحامات، وتعرضوا نتيجة هذا الموقف للضرب الشديد والعزل الانفرادي والغرامات المالية والعقابات المختلفة، لرفضهم هذه الأسلوب غير الإنساني الممكن استعاضته بوسائل تكنلوجية بديلة، ويخشى السجانون غضب الأسرى بعد كل حالة تفتيش تمارس بالقوة تجنباً لصدام يؤذيهم. وقرّر الأسرى رفض التفتيش خاصة على البوابات الالترونية التى نصبتها إدارة مصلحة السجون أمام بوابات الأقسام. 3 - الاحتكاكات والمشادات اللفظية: في بدايات الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة تعمّد السجانون بإطلاق الكثير من الألفاظ والشتائم والإهانة لعدم بلورة أشكال تنظيمية، أو خطوات نضالية، أو وحدة موقف اعتقالي، وبعد بلورة تلك الشروط وقوة الحركة الأسيرة، لم يجرؤ السجان على المس بالأسرى ولو لفظياً، واستطاع الأسرى وضع حد لتلك الإهانات، ولو وصل الأمر للعزل أو المواجهة، ويمارس الأسرى هذه الوسيلة في انتفاضتهم الحالية. ب - وسائل عنيفة استراتيجية: 1 - عمليات الطعن: حاولت إدارة مصلحة السجون الصهيونية ممارسة سياسة الإذلال والإهانة بحق الأسرى الفلسطينيين منذ بدء الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، التي كان يشبع فيها السجان رغبة كراهيته وعنصريته بالاعتداء على الأسير متى شاء وكيفما شاء، ولم يكن يدرك بأن تلك المعادلة لن تستمر طويلاً، حتى بدأت حالة التململ في العام 1968م، وبلغت الأمور ذروتها بتاريخ 18 / 2 / 1969 م، عندما قام أحد السجانين بشتم أحد الأسرى في محاولة لإذلاله وإهانته، فرد عليه الأسير الصاع صاعين، وهنا أقدم السجان على ضرب الأسير، فما كان من الأسير إلا أن ضرب الشرطي، فأعلنت حالة الاستنفار داخل المعتقل . هذه الوسيلة النضالية اتبعها الأسرى بشكل فردي، أو بتغطية وبقرار تنظيمي جماعي يهدف لخلق معادلة رعب مع إدارة السجن، التي لن تسلم من الرد حال أي اعتداء على أي أسير. شهد الباحث حادثتين مماثلتين في عزل الرملة نيتسان خلال عزله تحت الأرض لعامين متتاليين من "1990 - 1992" في ظروف لربما الأسوأ على مدار الحركة الأسيرة بشروط حياة غير مسبوقة، مما أدى ذلك الوضع لحالة انفجار، فقام الأسير أحمد شكرى المحكوم بمدى الحياة بتشفير شرطى وحاول طعن ضابط القسم، "فقامت الادارة باقتحام الغرف، واعتدت على الأسرى، وحدثت مواجهة بين الجانبين وقع فيها جرحى من الشرطة الصهيونية، ومن ضمنها جرح ضابط الأمن وأخذ خمس غرز في رأسه وتم عزل الأسير شكرى بعد الاعتداء عليه بظروف قاسية جداً. ويروى الباحث تجربة أخرى عايشها في سجن نفحة في أعقاب انتفاضة 2000، بعد تفتيش غير مقبول لزوجة أسير في يوم الزيارات، يومها عمّت حالة الغضب الجماعية، ونزل تعميم داخلى بضرورة الرد، وحضر مدير السجن للأسرى واعتذر عما حدث وتعهّد بعدم تكراره، إلا أن الأسير هانى جابر من سكان الخليل لم يقف على العدد، ليتم انزاله للمحاكمة في غرفة المدير أو نائبه بوجود عدد من طاقم الادارة، واستطاع أن يخبئ سكين قام باعدادها بنفسه من قطعة معدنية، وقام بطعن المدير وضابط وشرطى ردا على الحادثة، ومثل هذه الحوادث تكرّرت عشرات المرات، ودفع الأسرى ثمنها الدماء وسنوات من العزل الطويلة والغرامات والمنع من الزيارات والتضحيات الجسام، إلا أنها حافظت على الأسرى وكرامتهم، وعززت أمام السجان عدالة قضيتهم، وأوجدت حالة من الارباك والقلق لدى إدارة مصلحة السجون، وقوت عزائم وإرادة الأسرى، وتضاعفت ثقتهم بامكانياتهم وقدراتهم وأسلحتهم النضالية التي أوصلتهم لمعادلة توازن الرعب مع جلاديهم رغم قلة الامكان. وقام الأسير يوسف المبحوح بطعن ضابط صهيوني بسجن نفحة في العشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2021، وتداولت وسائل إعلام صهيونية مقطع فيديو يوثق لحظة قيامه بعملية الطعن. 2 - استخدام الحرائق: قد تصل حالة العنف ما بين الأسرى والسجان للإقبال على حرق الفرشات والغرف، كما حدث مع الأسيرات لحظة الاعتداء عليهن في سجن الدامون نهاية يناير 2023، الأمر الذى حدث أكثر من مرة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، فقام الأسرى في العام 1970 بحرق منجرة في سجن بئر السبع للتعبير عن غضبهم كوسيلة احتجاج، وقام الأسرى في 27 / 7 / 2015م بالإعلان عن حالة التمرّد والعصيان في وجه إدارة مصلحة السجون ووحداتها القمعية في سجن نفحة، وقاموا بحرق عدد من الغرف، ولجأ الأسرى إلى إحراق أقسامهم في سجن النقب يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 2007، وأقدم عشرات الأسرى الفلسطينيين في أحد أقسام سجن ريمون الصحراوي الصهيوني على حرق محتويات زنازينهم بعد شروع الاحتلال في تركيب أجهزة تشويش لمنع أي محاولة اتصال بينهم وبين العالم الخارجي في مارس 2019، ولا يسبعد أن يقوم الأسرى باستخدام تلك الوسيلة في حال استمرت إدارة السجون على اجراءاتها القمعية في هذه الانتفاضة. خاتمة: في النهاية، أعتقد كباحث في شؤون الأسرى وكأسير محرر أن الأسرى لديهم من الخبرة والتجربة ما يؤهلهم للانتصار في هذه المعركة، وفي استخدام وسائل احتجاج سلمية وعنيفة منوعة لتحصيل حقوقهم، فالوسائل العنيفة أوجدت معادلة رعب في المعتقلات بين الأسرى وإدارة مصلحة السجون وطواقمها، وردعت السجان من خلال استهداف حياته في حال الاستمرار في إذلال الأسرى والاعتداء عليهم، في حين أن الوسائل السلمية حركت الجماهير الفلسطينية والعربية والمؤسسات الحقوقية والدولية للضغط على الاحتلال لتطبيق مواد وبنود الاتفاقيات الدولية التي أكدت على حقوق الأسرى. وأعتقد أن سرّ نجاح الأسرى والمعتقلين في مواجهة السجان هو تسلحهم بعدالة قضيتهم، واحتكامهم للقانون الدولي والإنساني في عملية الرفض، والاحتراف في المواجهة من خلال مناقشة جماعية مستفيضة عبر مؤسسات اعتقالية للظروف العامة والسياسية المحيطة، واستخدام كل الوسائل والتفكير بجميع البدائل، والانتقال من مرحلة تكتيكية إلى أخرى استراتيجية، ومن وسيلة سلمية بسيطة إلى وسيلة عنيفة معقدة، وانتقاء الفرصة المواتية لبدء المعركة، وشكلها، وأدواتها المتفرعة والموزعة في الجانب الحقوقي والإعلامي والجماهيري، وتهيئة المتضامنين الفلسطينيين والعرب والأحرار من العالم لمساندتهم ودعمهم في خطواتهم التي يعلنون عنها ويجهزون لها عبر الاتصالات المسبقة مع الشخصيات والقيادات والفصائل والمؤسسات الداخلية والخارجية، المحلية منها والدولية. كما لا بد من الاشارة لمواصلة حشد الجماهير للتصدي لسياسات الاحتلال العنصرية والعمل على تطوير المقاومة الشعبية والذي يشكّل إجماع فلسطيني ووطني وهو أحد أهم البرامج النضالية في هذه المرحلة إلى جانب الحراك الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني على المستوى الدولي لفضح سياسة الاحتلال والتأكيد على توسيع دائرة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد الاحتلال والسجان. الحلقة الثانية