تمضي الجزائر بخطى ثابتة ومدروسة نحو الخروج من التسيير "الإداري" للمناطق الصناعية، إلى التسيير وفق رؤية اقتصادية محض، مبنية على خطط مدروسة ترمي إلى تحسين مناخ الأعمال في البلاد، وتضع قطار الإنتاج الصناعي المستديم على السكة الصحيحة وتصويب المسارات الخاطئة؛ لإنهاء عهد نهب العقار وتوقيف تحويله عن مساره. بالنظر إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها العقار الصناعي كرافد أساسي لعملية الإنعاش الصناعي، أمر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بالتحضير لمشروع ثلاثة مراسيم رئاسية تنظم توزيع العقار الاقتصادي والسياحي والحضري، والخروج من النظرة التقليدية القديمة لعملية تسيير هذه الفضاءات التي رهنت مشاريع عديدة بسبب عراقيل إدارية وبيروقراطية مقيتة، حرمت مستثمرين حقيقيين من فرص تجسيد مشاريعهم، ومنحت غيرهم مساحات كبيرة، ظلت مسيّجة لسنوات، أو حولت عن مسارها لاستغلالها في نشاطات لا علاقة لها بالتصنيع والتنمية. وعلى هذا الأساس، أمر رئيس الجمهورية بأن يكون إنشاء وتنظيم وتسيير المناطق الصناعية ضمن رؤية جديدة، مستقطبة للاستثمار، بما فيها الاستثمارات الخاصة، وأن يتم التمييز بين الاستثمارات الاقتصادية والسياحية والحضرية التي تسيرها الوكالات العقارية، كلاّ على حدة، تكريسا للشفافية وتحقيقا للنجاعة الاقتصادية، بحكم أن المناطق الصناعية هي المناطق المخصصة لإقامة المشاريع الاستثمارية، هذه المناطق تكون في الغالب داخل المدن أو في الضواحي التي يسمح تقسيمها بالاستخدام الصناعي. أما بالنسبة للمشاريع السياحية أو حسب طلب المستثمر، يمكن الاستفادة من عقار صناعي خارج المناطق الصناعية. وأمر رئيس الجمهورية، في وقت سابق، وزير الداخلية والجماعات المحلية باستحداث فوري لبطاقة تقنية حول وضعية كل المناطق الصناعية بالولايات، من حيث النشاط والملكية العقارية، فالعبرة كما أكد الرئيس تبون "ليست بكثرة استحداث المناطق الصناعية، بل بجدواها الاقتصادية، من خلال استحداث مناصب الشغل وتحريك الاقتصاد الوطني، لجلب الاستثمار الحقيقي المنتج، وليس بالقرارات الإدارية". وهذه الخطوة لن يتم بلوغها، كما قال، "إلا بالتفكير في تنظيم جديد وعميق، وحده كفيل بالنهوض بالاقتصاد الوطني، تكون فيه الدولة مرافقة لأصحاب الأفكار والمبادرات بعيدا عن الريع والربح السريع، كما ساد سابقا والسماح للقطاع الخاص بإنشاء مناطق صناعية". تطهير العقار واسترجاع المساحات غير المستغلة المقاربة الجديدة لتسيير العقار الصناعي، بدأت بتطهير العقار الصناعي والفلاحي والسياحي، والعمل على ضمان استغلاله الأمثل، وتثمين دوره في دفع عجلة التنمية، بعد أن كان يشكل - مثلما قال الرئيس تبون في الندوة الوطنية للإنعاش الصناعي - "أكثر الطرق استعمالا، وأسهلها من أجل نهب المال العام والمضاربة". وحرصت الحكومة على المتابعة الصارمة لمسار تطهير العقار، من خلال التحسين الدوري لقاعدة البيانات المتعلقة بوفرة العقار ومتابعة الإجراءات الرامية إلى تحسين العرض العقاري الصناعي وتحسين استغلاله بشكل أمثل. وأطلقت، من أجل ذلك، عملية إحصاء قامت بها وزارة الصناعة للمناطق الصناعية، أفضت إلى تحديد 694 منطقة صناعية ومناطق نشاط، تتربع على مساحة إجمالية قدرها 27 ألفا و257 هكتار، منها مساحة متوفرة قدرها 3626 هكتار ومساحة أراض ممنوحة وغير مستغلة قدرها 4219 هكتار. وسمحت عملية تطهير العقار الصناعي الممنوح، باسترجاع 3519 قطة أرضية، تمثل مساحتها الإجمالية 1553 هكتار (إحصائيات 2022)، وتم تأكيد وجود الآلاف من الهكتارات المتوفرة حاليا، والتي لم توزع أو وزعت ولم يتم استغلالها بطرق تخضع للمقاربة القانونية الناجعة، مثلما صرح سابقا الوزير الأول أمام البرلمان. وكالة للعقار الصناعي.. قريبا الانتهاء من إيجاد النمط العملياتي لمعالجة إشكالية منح العقار الصناعي، يقتضي مراجعة الإطار القانوني المتعلق بنظام الامتياز الخاص بالأراضي التابعة لأملاك الدولة، والموجهة لإنجاز المشاريع الاستثمارية، مثلما أمر رئيس الجمهورية بذلك. ودرست الحكومة، شهر جانفي الماضي، مشروعا تمهيديا لقانون يحدد شروط وكيفيات منح العقار الاقتصادي التابع لأملاك الدولة والموجه لإنجاز مشاريع استثمارية. وأوضح بيان الحكومة، أن المشروع التمهيدي لهذا القانون يدرج آليات وأحكاما جديدة من شأنها تخليص فعل الاستثمار من الدائرة الإدارية، كما من شأن هذا المشروع التمهيدي تكريس تسهيلات وإضفاء المزيد من الشفافية والفعالية في معالجة الملفات المتعلقة بالوصول إلى العقار الموجه للاستثمار، مع ضمان متابعة ومرافقة المستثمرين الذين يستفيدون من إطار تحفيزي أكثر. وبحسب الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، فإن هذا المسعى سيتعزز بالوكالة الوطنية للعقار الصناعي الجاري إنشاؤها، والتي ستشكل حلا جذريا لمسألة العقار الذي سيسير مستقبلا وفق مقاربة اقتصادية محض، وشفافية تامة، بعيدا عن التدخلات المباشرة لمختلف الإدارات. وقد درست الحكومة مشروع مرسوم تنفيذي يتضمن إنشاء وتنظيم وسير الوكالة الوطنية للعقار الصناعي. ويهدف نص هذا المشروع، إلى وضع جهاز موحد ذي بعد وطني تكون مهمته تسيير العقار الصناعي، يتكفل بمسألة منح وتسيير العقار الصناعي، الذي يشكل أحد القيود الرئيسية التي تعيق إنجاز المشاريع الاستثمارية. كما اقترحت الحكومة، إنشاء أربع وكالات وطنية مستقلة تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية، كي تتكفل، لحساب الدولة، بمهام منح العقار الاقتصادي الموجه للاستثمار، ومتابعة تنفيذ المشاريع المنجزة في هذا الإطار. الرؤية المستقبلية للبرنامج الجديد في ظل الطلب المتزايد على العقار الموجه للاستثمار (حوالي 9600 طلب على العقار الصناعي بعد صدور قانون الاستثمار الجديد)، اعتمدت السلطات العمومية برنامجا وطنيا لإنجاز مناطق صناعية جديدة وفقا للمعايير الدولية، من أجل جعل الجزائر وجهة جذابة اقتصاديا. تحقيق هذا البرنامج له تأثير اقتصادي واجتماعي حقيقي على الصعيدين الوطني والجهوي، وذلك من خلال المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل مناطق البلاد، تحفيز العمالة المنتجة المستدامة، تثمين المنشآت القاعدية، تطوير وتنمية التخصص الصناعي للمناطق لإخراج الجهات المعزولة من دائرة العزلة. ويهدف هذا البرنامج إلى زيادة الوفرة العقارية المخصصة للاستثمار، هيكلة الإقليم، ترقية الاستثمار المنتج خارج قطاع المحروقات، تحقيق التكامل بين العناصر الفاعلة والقطاعات، تدعيم سياسة التوازن الجهوي، وتحسين مناخ الأعمال في الجزائر. أما الرؤية المستقبلية للمناطق الصناعية الجديدة، فتسمح بإقامة مشاريع متكاملة تضم عرضا عقاريا يتماشى ومتطلبات المستثمرين، وتوفر مواقع مهيأة في إطار الاحترام الصارم للبيئة، ومساحات مهيّأة بصفة جيدة، تقدم مناخا صناعيا متماسكا ومنسجما وتضمن لمستخدمي المناطق الطرق ووسائل الاتصال المثلى (الإيصال بالشبكات يتناسب مع حركات المرور)، تسيير حديث وفعال. ويتضمن البرنامج الجديد، إنشاء 50 منطقة صناعية موزعة على 39 ولاية، يأخذ بعين الاعتبار الخطوط التوجيهية الأربعة للمخطط الوطني لتهيئة الإقليم لسنة 2030، تمتد على مساحة إجمالية مقدرة ب12000 هكتار، 44 منطقة صناعية يشرف عليها الولاة، 6 مناطق صناعية تشرف عليها الوكالة الوطنية للوساطة والضبط العقاري.