دعا مختصون في مجال التوعية ومكافحة المخدرات إلى التركيز على الوقاية للقضاء على هذه الآفة والإدمان عليها، وذلك باعتماد تدابير جديدة ضمن استراتيجية متكاملة يتم فيها إشراك مختلف فعاليات المجتمع. أكد الخبير في الوقاية الجوارية ورئيس مركز مكافحة الادمان على المخدرات، عبد الكريم عبيدات، أن الوقاية من الإدمان على المخدرات تستوجب وضع «استراتيجية وطنية للوقاية»، مبرزا «أهمية العمل الجواري» في التوعية والتحسيس بخطورة الإدمان وما يترتب عنه. كما ركز في ذات السياق على تأثير الوضع الاجتماعي السيء للشباب في دفعهم نحو التورط في هذه الآفة الخطيرة، مبرزا أهمية العلاج الطبيعي والنفسي في اقناع المدمن بالإقلاع عن تعاطي المخدرات من خلال تهيئة كل الظروف. من جانبه، حذر البروفيسور في الصحة العمومية وعلم الأوبئة والطب الوقائي ورئيس الجمعية الوطنية «حق الوقاية للحماية من السيدا»، تاج الدين عبد العزيز، من انعكاسات الإدمان عن طريق الحقن وخطورته على الصحة العمومية، بحيث يساهم في انتشار أمراض أخرى أكثر حدة كالسيدا والتهاب الكبد الفيروسي، مذكرا في هذا الشأن بدراسة «أجريت على مستوى العاصمة سنة 2019 والتي أثبتت وجود 3 آلاف مدمن عن طريق الحقن منهم 10 بالمائة إناث، و40 بالمائة منهم كانوا قد أصيبوا فعليا بالتهاب الكبد». كما أكد في ذات السياق، «بأهمية تكثيف حملات التوعية والتحسيس على طول السنة» بعيدا عن المناسباتية، مع تجنيد الجميع دون استثناء وتمكين الجمعيات من الأدوات الكفيلة بتسهيل عملها خصوصا الجواري على مستوى الأحياء المعروفة بالمتاجرة والترويج أو استهلاك هذه السموم، وشدد في هذا الصدد على أهمية تجنيد الشباب الذين خضعوا للعلاج من الإدمان في استمالة أقرانهم وإقناعهم بضرورة الاقلاع لما يملكونه من طرق مثلى للقيام بذلك انطلاقا من معرفتهم السابقة بخبايا هذه الظاهرة. وفيما يتعلق بالصعوبات الموجودة في الواقع، أوضح البروفيسور أنه من بين التطورات التي تستدعي دق ناقوس الخطر، تورط الأطفال في تعاطي المخدرات وتراجع سن المدمنين إلى 12 سنة مقارنة فيما كان عليه خلال السنوات الماضية، إلى جانب تورط العنصر النسائي وكذا انتشار المخدرات في جميع الأوساط والأماكن بحيث لم تعد تقتصر على المدن الكبرى فقط. وفي إطار البحث عن حلول كفيلة بالقضاء على الإدمان في أوساط الشباب، اعتبر رئيس الجمعية أن «الخطوة الأولى تبدأ من أخلقة المجتمع من خلال النظام التربوي ليساهم في ترسيخ قيم المواطنة لدى التلميذ وتلقينه الاحترام، حب الوطن والالتزام ضمن مجتمع صالح يبغض العنف والتمييز والعنصرية». ضرورة تبني مقاربة جديدة للوقاية وفي هذا الإطار، شدد مدير مخبر التربية، الانحراف والجريمة في علم المجتمع بجامعة عنابة، كريم فريحة، على «ضرورة تبني مقاربة جديدة للوقاية» تكون «ناجعة»، بعيدا عن أساليب العقاب التي أثبتت - حسبه - «عدم ناجعتها» بالنظر إلى تزايد عدد المدمنين والمتعاطين، وذلك بالاهتمام أكثر بالنشء خصوصا في مراحل الطفولة والمراهقة وصولا إلى الشباب، والسعي لشغل وقت فراغهم من خلال تنمية اهتماماتهم بأنشطة إيجابية كالرياضة أو الرسم وغيرها والتي قد تؤدي إلى اكتشاف مواهب كانت مخفية. ودعا في السياق ذاته الى الاستفادة من تجارب دول أخرى أثبتت فعاليتها في تراجع عدد المدمنين ونسبة الجريمة ذات الصلة بالمخدرات، والتي اعتمدت في مجملها على الوقاية من خلال تنظيم دورات رياضية تكون غالبا مجانية لتحفيز الشباب على المشاركة، وأنشطة أخرى ترفيهية عديدة تمكنهم من تفجير طاقاتهم وتوفر لهم جوا إيجابيا. وفي هذا الجانب، اعتبر المعالج النفسي والأستاذ المحاضر بجامعة غرداية، مراد يعقوب، أن الوقاية من المخدرات لابد أن يرافقها البحث في الأسباب، والذي يبدأ - كما قال - من «التوجه نحو المؤسسات المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية كالمدرسة والمسجد والاعلام (التلفزيون).. وغيرها بالنظر إلى دورها في بناء الفكر وتوجيه الرأي والرغبات وبالتالي لديها دور استباقي لحماية الشاب منذ طفولته». ومن منطلق تجربته كمعالج نفسي في الجمعيات، أوضح أن الأسباب التي تدفع الشاب إلى التعاطي متعددة وأحيانا تكون «ساذجة» كالفضول -على حد قوله - ورغبته في تجريب شيء مختلف، وهنا تبرز شخصية المتعاطي فإما أن يكون إنسانا واعيا يتحكم في زمام الأمور ويقلع بعد مرتين أو ثلاث، وإما أن يكون ضعيفا فيغرق في هذه السموم ويدمن عليها. وبهدف الوقاية من هذه الآفة، أكد الأستاذ يعقوب على «دور الأسرة وتحديدا الأب في مراقبة طفله المراهق وكسب ثقته ومحاولة فهم ما يدور في ذهنه وعدم ترك المسؤولية كاملة على عاتق الأم، إلى جانب اصلاح الفضاء المدرسي بحيث تصبح المدرسة مكانا مريحا بالنسبة للتلميذ وتوجيه الأطفال نحو الرياضة وغيرها من النشاطات لصقل مواهبهم وملء فراغهم».