تعددت أسباب تعاطي المخدرات في الوسط الشباني واختلفت مخاطرها، ولم تبق الجهات والهيئات مكتوفة الأيدي أمام غزوها لأماكن حساسة كالمدارس والجامعات، إذ قامت بحملات ميدانية توعوية وتحسيسية لمحاربة هذه الآفة الخطيرة، التي تهدد المجتمع الجزائري ككل وفئة الشباب على وجه التحديد، دفع المختصين إلى دق ناقوس الخطر، ودعوة الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم للقضاء على آفة مدمرة تزحف بشكل رهيب. لم يعد يقتصر تواجد المدمنين على المخدرات في الأحياء الفقيرة، إذ أصبح الكثير من الشباب في الأحياء الراقية أسرى لهذه الآفة، التي كانت سببا في حدوث الكثير من جرائم القتل والاغتصاب والاعتداءات والسرقة... ويزداد يوم بعد يوم عدد المتعاطين في الجزائر بشكل مثير للقلق، إذ تشير آخر الإحصائيات إلى أن ما يزيد عن 300 ألف شاب جزائرى يتعاطون المخدرات، 90 بالمئة منهم ذكور، تتراوح أعمارهم بين 12 و35 عاما، ووفقا لبعض الدراسات فإن تعاطي المخدرات كان يتمركز بشكل كبير في المدن، لكن في الفترة الأخيرة انتقل إلى القرى والمناطق الريفية، وطال الجامعات والثانويات، وأدى ذلك إلى ارتفاع نسب الجريمة والعنف وحوادث السير وغيرها.
المختصة النفسانية كريمة لعبادي: 70٪ من أسباب تعاطي السموم أسرية اجتماعية أكدت، كريمة لعبادي، أستاذة في علم النفس، في حديث ل«الشعب»، أن أسباب تعاطي المخدرات كثيرة، تبدأ منذ الطفولة المبكرة، بحيث أن الطفل الذي لا يحصل على الرعاية الكافية، ولا تلبي أسرته احتياجاته المادية والمعنوية، تترك انعكاسات سلبية في فترة المراهقة، وتظهر عليه بعض الاضطرابات، تؤدي به إلى تعاطي المخدرات انتقاما من العائلة، وهناك من يتناولها حبا في التقليد والمغامرة واثبات الذات أو نتيجة اختلاطهم برفقاء السوء. وأضافت لعبادي في نفس السياق، إلى أن الأسرة تلعب دورا جد هام فيما يخص متابعة المراهق، موضحة أن المتابعة لا تعني المراقبة الشديدة والضغط، لكن لابد أن يكونوا على اطلاع بما يقوم به الشاب داخل البيت وخارجه، ومعرفة زملائه وأصدقائه واحتياجاته. وأشارت إلى أن المعلم والأستاذ يكمل دور الأسرة في هذا الاطار، إلى جانب المسجد، الجمعيات، الإعلام، الأمن والقضاء... معتبرة أن دور تلك الهيئات يختلف، إذ هناك من لها دور وقائي تحسيسي، وأخرى ردعي بتطبيق القانون على المتعاطين، مبرزة أهمية دور الحركة الجمعوية خاصة في مجال التحسيس والتوعية والتقرب من الشباب المتعاطي للمخدرات. وأكدت المختصة النفسانية لعبادي، أنه عوض تنظيم ملتقيات دراسية حول الموضوع، من الأحسن الخروج للميدان والالتقاء بالشباب وسماع الأسباب التي أدت بهم لتناول المخدرات لمعرفة الحلول، كما أنه من المهم فتح المجال لهم للتعبير وطرح مشاكلهم، من خلال اشراكهم في لقاءات مع مختصين نفسانيين واجتماعيين وممثلين عن الأمن والدرك، بحضور شباب غير مدمنين، لايصال النصائح والتوجيهات والاقتراحات لأكبر فئة ممكنة من الشباب . وحول تجربتها في هذا المجال قالت كريمة لعبادي: «قمت بعدة حملات تحسيسية، وزعت استمارات استبيان بها مجموعة من الأسئلة، ومن خلال عينة البحث وجدت أن 70 بالمئة من أسباب تعاطي الشباب للمخدرات أسرية، فعلى سبيل المثال كتبت لي فتاة أنها تعاطت المخدرات لأنها شاهدت الأب يخدع الأم، وشاب أخر ذكر أن الوالد يضربه، لذلك يفضل البقاء بعيدا عن البيت ومجالسة أصدقاء في الخارج يتعاطى معهم مختلف أنواع المخدرات...». وأضافت لعبادي أن «20 بالمئة من الشباب يتعاطونها لأنهم يرونها موضة العصر لا آفة تهدد القيم والأخلاق وتؤثر على الصحة». وأشارت إلى أنه بعد البحث الميداني «نخرج ببيانات وإحصائيات توضح الأسباب ومختلف الحالات، وجدنا أن أغلبها لها ارتباط بالتنشئة الأسرية والاجتماعية للشاب، ومن خلالها نستنتج الحلول». وأكدت لعبادي في نفس الوقت، أنهم يستعملون في الحملات التحسيسية أشرطة فيديو لشهادات مدمنين، يتحدثون عن تجربتهم المريرة مع المخدرات من جهة، ويقدمون النصائح والتوجيهات من جهة أخرى، وهي طريقة كما قالت ناجعة تؤثر في المتلقي وتجعله يقلع مباشرة عن تناولها. وأضافت أنه «في الحملات التحسيسة نأكد على عنصر مهم أيضا، وهو حضور الأولياء رفقة الأبناء، لتشجيع التواصل بينهم وحتى يستمع الأب والأم لمختلف مشاكل واحتياجات الابن أو البنت، ولو كانت بسيطة، فعلى سبيل المثال قد يكون الحصول على علامة ضعيفة في مادة دراسية سببا في اللجوء لتعاطي المخدرات...» وأوضحت أن هناك مشكلا طفى إلى السطح مؤخرا، وهو سوء استعمال الأنترنت من شباب يبحرون في مواقع تشجع على الادمان، فمن الضروري مراقبتهم من طرف الأولياء . رئيس جمعية مستقبل الشباب: التحسيس الجواري للوقاية من الانحراف
أبرز خالد بن تركي، رئيس جمعية مستقبل الشباب، الموجود مقرها ببئر خادم، أهمية دور الحركة الجمعوية في التحسيس والتوعية بمخاطر تعاطي المخدرات، مؤكدا في نفس الوقت أن القضاء على الآفة يتحملها الجميع (الأسرة، المدرسة، الجمعيات، المسجد، الإعلام، الأمن، الدرك،...). وعن عمل جمعيته في هذا الشأن، أكد بن تركي أن جمعية مستقبل الشباب قامت بأول تجربة تحسيسية في 2006 أي سنة تأسيسها، إذ نظمت دورة كروية شارك فيها 36 فريقا على مستوى بلدية بئر خادم، بحيث كما قال كانت تجربة جد مفيدة وأعطت ثمارها، ما شجعنا على مواصلة العملية إلى يومنا هذا. وأضاف خالد بن تركي «هذا العام نقوم بحملة تحسيسة لمكافحة المخدرات على مستوى ولاية العاصمة، انطلقت منذ مدة وتستمر إلى غاية سبتمبر المقبل، تحت شعار ''لنتواصل معا لمستقبل أفضل'' الهدف منها تكوين شباب عبر دورات متنوعة، بإمكانهم القيام بالعمل الجواري التحسيسي على مستوى أحياءهم ومحيطهم». وكشف بن تركي، أن هذه الدورات أقيمت بمخيم الشباب بزرالدة، وأخرى بسيدي فرج، وهذا بعد أن تم اختيار 10 شبان من كل بلدية، مؤطرين من طرف أساتذة ومختصين، ينتمون للمركز الوطني ببئر خادم، بمشاركة ممثلين عن الأمن والدرك الوطنيين، تدوم كل دورة ثلاثة أيام. وأضاف قائلا «قسمنا العملية إلى ثلاث جهات، الشرقية، الوسطى والغربية، ويشرف عليها رئيس المجلس الشعبي الولائي بالشراكة مع مديرية الشباب والرياضة لولاية العاصمة» . وأشار بن تركي إلى أنه تم تكوين لحد الآن 50 وسيطا اجتماعيا متطوعا، ولم يتبق كما قال سوى الجهة الوسطى التي ستنطلق العملية بها غدا الأربعاء من المركز الثقافي عيسى مسعودي بحسين داي، مشيرا إلى أن هذه الحملة التطوعية ستختتم في سبتمبر القادم بتنظيم ندوة ولائية. وأوضح خالد بن تركي في الأخير، أن الشباب الذين تم اختيارهم ليكونوا وسطاء اجتماعيين متطوعين للتحسيس بمخاطر المخدرات، كانوا في المستوى، وأظهروا وعيا كبيرا بالمسألة ورغبة في القيام بعمل جواري فعال، يمكنه الحد من هذه الآفة الخطيرة، داعيا الشباب المدمن إلى التفكير في مستقبله بالإقلاع عن تناول المخدرات، مؤكدا أن الشباب غير المدن من واجبه نصح المدمنين والتواصل معهم، ويساعدهم حتى يقلعوا عن تعاطيها، لمصلحتهم ومصلحة المجتمع ككل، موجها شكره لمديرة الشباب والرياضة على التشجيع والدعم الذي قدمته للجمعية.