تيغرسي: إرساء منظومة فلاحية متكاملة من أجل صناعة تحويلية متطوّرة المنتج الجزائري يستجيب للمعايير التّنافسية وينبغي تعزيزه الجنوب الجزائري ساهم بسخاء في الرّفع من القدرة الإنتاجية الزّراعية يعتبر القطاع الفلاحي في الجزائر، ثاني قطاع معوّل عليه من حيث المساهمة في الناتج الخام المحلي بعد قطاع المحروقات، حيث يشكل دعامة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي، وفي هذا الصدد قطعت الجزائر أشواطا معتبرة في عديد الشعب الغذائية، من خلال التحول من الاستهلاك المباشر دون تثمين إلى خلق قيمة مضافة باستحداث مصانع للصناعات التحويلية، وكانت الدولة الجزائرية قد مهدت لها من خلال منحها حصة الأسد من التحفيزات التي جاء بها قانون المالية لسنة 2023، وتضمنها قانون الاستثمار الجديد، خاصة ما تعلق بتوفير العقار الفلاحي وكذا الصناعي والمرافقة التنظيمية والجبائية من أجل توسيع استثمارات في مجال الإنتاج الفلاحي وتسويقه في شكل منتجات غذائية، تمكّنت من افتكاك أوسمة الجودة العالمية. يرى الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي، أن الأمن الغذائي مؤشر مهم لتحقيق السيادة الاقتصادية، وهو مرتبط بمنظومة اقتصادية عالمية تغيرت موازينها بعد جائحة كورونا التي أثرت على جميع القطاعات الاقتصادية دون استثناء، تلتها الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بكل ثقلها على قطاعي المحروقات والغذائي كقطاعين استراتيجيين، ما جعلهما مجالا للتنافس، حيث تسعى جميع الدول حاليا، خاصة الأوربية منها، إلى ملء مخازنها من النفط وتأمين أسواق موثوقة للغاز الطبيعي، بالمقابل تعمل على إنتاج بدائل للطاقة التقليدية، إضافة إلى سعيها إلى تحقيق أمنها الغذائي من خلال تطوير منظوماتها الغذائية وإنتاج ما يغطّي احتياجاتها المحلية من المواد الاستهلاكية، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة استيرادها، مع أسعار النقل والشحن التي ارتفعت بأكثر من 40 بالمائة. إنتاج غذائي يستجيب للنّمط الاستهلاكي الجزائر لن تكون مستثناة من معادلة الأمن الغذائي مقابل السيادة الاقتصادية، فالمرحلة القادمة - يقول تيغرسي - ستكون سباقا غذائيا بامتياز، يتطلب اتخاذ قرارات سيادية تعتمد أساسا على مدى استقلالية هذه الدول اقتصاديا. فالجزائر اليوم مدركة لضرورة إحداث طفرة إنتاجية من حيث المواد الغذائية التي تستجيب للنمط الاستهلاكي للفرد الجزائري، من خلال التوجه إلى بعث الصناعات التحويلية الغذائية، إلا أن هذه الأخيرة - يضيف تيغرسي - لا يمكن لها أن تحقّق الإنتاجية المنتظرة منها بمنأى عن منظومة فلاحية مرتبطة بإستراتيجية متماسكة من حيث توفير عوامل الإنتاج سواء الزراعي أو الحيواني، بدءا من تهيئة المساحات الزراعية الصالحة للزراعة من حيث نوعية التربة وشساعة المساحة وتوفر المياه، سواء الموسمية أو الجوفية، وملاءمة المناخ لإنجاح مختلف أنواع الزراعات. إضافة إلى مكننة شعبة الزراعة من خلال توفير المعدات والتجهيزات الفلاحية، خاصة ما تعلق بآلات السقي الحديثة، وكذا العمل على تطوير الإنتاج الفلاحي من خلال المحافظة على جودة السلالات النباتية، وفي ذلك - يتابع تيغرسي - من المنتظر أن يلعب بنك البذور المستحدث خصيصا من أجل الحفاظ عل السلالات النباتية الأصيلة وتطويرها دورا محوريا، وأكّد محدثنا على ضرورة توفير منظومة رقمية لإحصاء ومتابعة النشاط الفلاحي بجميع شعبه، وتعزيز ثقافة المتعلقة بالارتباط بالأرض لدى الشباب من خلال المؤسسات الناشئة في العمل الفلاحي. تطوير الأداء الفلاحي..قاعدة للصّناعات الغذائية أكّد تيغرسي أنّ تغطية الحاجيات الاستهلاكية المحلية متعلقة بسلاسل قيم، أساسها توفير المادة الأولية من المنتجات الفلاحية سواء زراعية كانت أو حيوانية لتحويلها إلى مواد غذائية، إضافة إلى إستراتيجية تسويقية وفق معادلة السعر / الجودة، لتحقيق التنافسية على مستوى الأسواق المحلية والخارجية، خاصة الأسواق الإفريقية النهمة للمنتجات الغذائية الجزائرية، حيث تمكّنت المنتجات الجزائرية من افتكاك الريادة من حيث الجودة على غرار زيت الزيتون ومختلف الزيوت الجزائرية الأخرى ذات الصيت العالمي، إضافة إلى العسل الجزائري الذي يشهد على نشاط فلاحي ذي جودة عالية في مجال تربية النحل. في هذا السياق، ومن أجل الرفع من مساهمة الصناعات التحويلية الغذائية في الناتج الخام المحلي التي لا يتعدى 5 بالمائة، يشدّد الخبير الاقتصادي على ضرورة توفير بيئة استثمارية محفزة لدعم المناطق الفلاحية، ومضاعفة الإنتاج الفلاحي في مختلف التخصصات، مثمّنا التحفيزات التي تضمنها قانون الاستثمار الجديد، بهدف تطوير منظومة فلاحية بإمكانها بعث صناعات تحويلية. فالإنتاج الصناعي الغذائي - يقول المتحدث - مرهون بمدى القدرة على ربط المنتجات الفلاحية الخام بمختلف الأقطاب الصناعية، لتحويل هذه المنتجات إلى مواد غذائية مستقطبة لاهتمام المستهلك الأجنبي نظرا لميزتها التنافسية، إلى جانب ضرورة فتح فروع للبنوك الجزائرية بالخارج من أجل مرافقة المتعاملين الاقتصاديين، وتسهيل حركة العملة الصعبة. المناطق الجنوبية الأولى من حيث التّسهيلات الاستثمارية لخّص المتحدّث جملة المجهودات التي تبذلها الدولة من أجل بعث صناعة غذائية من شأنها تلبية حاجيات السوق المحلية، بداية من العمل على توفير العقار الفلاحي بالنسبة للزراعة أو العقار الصناعي بالنسبة للشق المتعلق باستحداث مصانع للصناعات التحويلية، حيث استفاد هذا القطاع من تحفيزات مهمة في قانون المالية لسنة 2023 سواء ما تعلق بمرحلة انجاز المشروع من خلال التمويلات، أو الإعفاءات المهمة من الرسوم الجمركية والجبائية التي تتضاعف قيمتها في المناطق الجنوبية، سعيا من الدولة الجزائرية إلى تحقيق أمنها الغذائي من خلال القيمة المضافة للعملية الإنتاجية الكبرى كمشاريع مهيكلة يشترط قدرتها على توفير أكثر من 500 منصب شغل / المشروع، ومدى قابلية المشروع للقدرة على التصدير وتوفير العملة الصعبة واستعمال التكنولوجيات الحديثة، من أجل تكييفها ضمن هندسة التحفيزات الثلاث التي تضمنها قانون الاستثمار والمتعلقة بالتحفيزات الخاصة بالمناطق، القطاعات والاستثمارات الهيكلية. هذه أسس النّجاح.. تشهد الجزائر حركية كثيفة فيما يخص الانفتاح على الاقتصاد الدولي من خلال التشجيع على عقد شراكات قوية مع كل المهتمين بالاستثمار في الجزائر، دون تمييز أو انحياز لأي شريك اقتصادي كان. وفي هذا الصدد، يقول تيغرسي، إنّ رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، كان قد أكّد على أن الجزائر على نفس المسافة من جميع الشركاء، والتعامل معهم سوف يكون وفقا لمبدأ الندية وقاعدة رابح-رابح. وأضاف المتحدث أنّ الحضور القوي للوفود الأجنبية في المعرض الدولي للصناعات الغذائية الذي نظمته الجزائر منذ أسبوعين، دليل على الصيت العالمي والقوة الاقتصادية التي تتمتع بها الصناعة الغذائية التحويلية الجزائرية، إلى جانب المشاركة الجزائرية للمنتجين الجزائريين في المعارض الدولية كإيطاليا، البرتغال، تركيا، السعودية وغيرها، حيث اعتبر تيغرسي أنّ قيام صناعات تحويلية هو عملية استثمار للموارد الطبيعية وإشراك للعنصر البشري المؤهل، إضافة إلى كونه عملية تحويل للتكنولوجيا، ومجال لتبادل الخبرات مع مختلف الشركات العالمية الكبرى، يبقى الهدف منها الوصول إلى نسبة 15 بالمائة، كمساهمة في الناتج الخام المحلي .