قال الخبير الاقتصادي محمد عشير، أن صناعة النسيج والجلود تتسم بمزايا مغرية وجاذبة لأكبر العلامات التجارية العالمية، بفضل خصوصية تمتعها بقاعدة تصدير صلبة وواسعة نحو القارة الإفريقية، وتتوفر بها قاعدة صناعية ويد عاملة منخفضة التكلفة وكذا اقتناء الطاقة بأسعار معقولة، وتوقع أن تشهد هذه الصناعة تحولا عميقا يفض إلى نهضة حقيقية تساهم في تنويع الاقتصاد الوطني، كما تحدث عن وفرة المادة الأولية من جلود وصوف، ودعا إلى تفعيل عمليات الاسترجاع، على خلفية أن القيمة المضافة، لا تكمن في تصدير المواد الأولية، وإنما في المواد المصنعة. بنظرة تشريحية دقيقة، تحدث الخبير الاقتصادي محمد عشير عن واقع وآفاق قطاع صناعة النسيج والجلود في الجزائر، معتبرا أنه يزخر بخبرة لا يستهان بها وقاعدة صناعية قديمة وبقدرات كبيرة خاصة في قطاع النسيج العمومي الجد مهم لإطلاق نهضة منشودة في هذا النوع من الصناعات الاستراتجية، في ظل الطلب الكبير عليها في السوق المحلية، حيث يسجل نحو 39 وحدة إنتاجية عمومية مازالت موجودة وتضخ الانتاج وتزود السوق، كما وصف الخبير هذه الآلة الإنتاجية بالمهمة، كونها تتمتع بقدرات معتبرة وتتوفر على تقنيات وخبرة وتكنولوجيا في هذا المجال، وفوق ذلك سبق لها أن استفادت من برنامج إعادة تأهيل التجهيزات والآلات، وعلى سبيل المثال هناك من استفادت من تكنولوجيا للجيل الحديث وبرامج شراكة مع الإيطاليين والأتراك وخاصة في مجمع "جيتكس"، وأشار الخبير في سياق متصل إلى وجود شركاء أتراك في مجمع "تايال" والذي يعد أكبر مجمع للنسيج في القارة الإفريقية والمتواجد بولاية غليزان. تنويع الاقتصاد وضخ الثروة وبنظرة تفاؤلية، أكد الخبير عشير، أنه يسجل في الوقت الحالي دينامكية لافتة مترجمة في إعادة تطوير النسيج الجزائري، عبر إرساء سياسية إعادة تطوير وبعث صناعة النسيج والجلود في الجزائر، بإرادة قوية، لأنه حسب تقديره أن هذه الصناعة تخلق الثروة وتستحدث العديد من مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، ويعتقد كذلك أنه بإمكان هذه الصناعة المساهمة في تنويع الاقتصاد الوطني وتكثيف الصادرات، هذا من جهة ومن جهة أخرى، يرى الدكتور عشير، أنه من بين مؤشرات هذا القطاع الواعد، أنه يسجل الكثير من المؤسسات الصغيرة والعائلية التي تنشط في مجال صناعة الألبسة والأحذية ويمكن توسيعها وتكثيفها أكثر، وأعطى مثالا بولاية المدية، لأنه على مستواها تم تسجيل نحو 260 مؤسسة ناشطة في صناعة الأحذية، وذكر أنه حسب تقدير العديد من المتتبعين والخبراء هناك ما يقرب نحو أزيد 1000مؤسسة صغيرة تنشط في السوق الموازي ويمكن استقطابها وإدماجها في النشاط الرسمي في صناعة الأحذية والمعاطف الجلدية، وهذا ما سيزيد من تعزيز منظومة القطاع الصناعي في هذا المجال. وقال الخبير، أنه يتوفر نسيج مهم وكثيف في ولايتي المديةوتلمسان على سبيل المثال، ويستقطب القطاع العديد من اليد العاملة النسوية على وجه الخصوص، مشيرا في سياق متصل أن ولاية تلمسان تزدهر بها كثيرا صناعة الجلود والأحذية والحقائب الجلدية، وإلى جانب وجود مؤسسات أو مصانع صغيرة لصناعة الألبسة للنساء والأطفال، لأن نطاق قطاع النسيج جد واسع، مثلا هناك من يختص في خياطة الأرائك والأغطية والمفروشات وما إلى غير ذلك، وفي ظل وفرة اليد العاملة المؤهلة، لذا الجزائر في المرحلة الحالية، أوضح الخبير عشير من الضروري أن تستغل مختلف الطاقات والإمكانيات المتوفرة لإعادة الاعتبار للقطاع السائر في طريق النمو والمعول عليه في طرح القيمة المضافة. إرساء شراكة بين قطاعي الفلاحة والصناعة وتطرق عشير إلى وفرة المواد الأولية في هذا النوع من الصناعات، ودعا إلى ضرورة استغلالها بالشكل الأمثل على غرار الجلود، لكن بالنسبة لمادة القطن والمادة التي تدخل في تصنيع النسيج يتم استيرادها من الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى استيراد لواحق النسيج، وهذا ما يتطلب إرساء شراكة بين قطاعي الفلاحة والصناعة من أجل بعث صناعة القطن، ومن ثم التخطيط الجيد لاسترجاع جلود وصوف الأغنام، أي عبر تقوية سياسة استرجاع الصوف وجلود الأضاحي خاصة في عيد الأضحى، لأنها توفر كميات مهمة للصناعة النسيجية وتمكن بدورها من الاستغناء عن الاستيراد وعدم تكبد التكلفة بالعملة الصعبة. والحل أوضح عشير يكمن في التنسيق والتكامل بين قطاعات الصناعة والفلاحة والتجارة، حتى لا يتم التخلص من بعض الجلود على مستوى المذابح في النفايات. وأفاد الدكتور عشير، أن هناك بعض المؤسسات تصدر هذه الجلود نحو الخارج، لكن من الضروري التوضيح أن القيمة المضافة توجد في المنتوج المصنع وليس في المواد الأولية، لذا لو تستغل المواد الأولية في صناعة النسيج والجلود خاصة من جلود وصوف الأضاحي، وتسوق كمنتجات مصنعة ستكون مربحة أكثر، وهذا أيضا ما يفضي إلى حل مشكل توفير المادة الأولية، كون القطاع يتمتع بخبرة وتجهيزات متطورة ومواكب للتغيرات والتطورات الجارية في الأسواق الخارجية. ووقف الخبير الاقتصادي مطولا عند التجربة النموذجية الرائدة مع "تايال" من خلال الشراكة مع الأتراك، ووصفها بالناجحة، خاصة بعد أن استحدثت في المرحلة الأولى نحو 3000 منصب شغل وأنشأت مركز تكوين، وبالإضافة إلى ذلك من المقرر في السنوات المقبلة، أن تقفز إلى فتح ما لا يقل عن 20 ألف منصب شغل جديد، ويتوقع أن تصبح السوق الوطنية جاذبة إلى علامات تجارية عالمية كبيرة تضاف إلى تجربة "تايال"، بفعل عدة عوامل تستقطب المستثمرين المهتمين بالسوق الجزائرية، وفي صدارتها أن كلفة اليد العاملة منخفضة وكذا تكلفة الطاقة غير مكلفة، وهذا ما يجذب العلامات التجارية العالمية، وإلى جانب كل ذلك فإن الجزائر لديها قاعدة تصدير كبيرة نحو القارة الإفريقية، وهذا كذلك ما يجذب أكبر العلامات التجارية للاستثمار في الجزائر بسبب شبكة القيمة المضافة المغرية.