بمجرد اندحار الصهيوني عن مخيم جنين شمال الضفة الفلسطينيةالمحتلة وقبل أن تلج عدسات الصحافيين أطلال المخيم لتنقل صورة الدمار الذي لحق به للعالم أعلنت الجزائر عن منحة مالية كبيرة لإعادة إعماره هذا عنوان جيد تنشره الصحف، وهو كذلك خبر لافت لمحبي الجزائر والمؤمنون بها وأنا واحدة منهم ولكن أجمل ما في الخبر وأنبل ما في محتواه أنه يثبت مجدداً أن جزائرنا شعباً وقيادةً لا تزال استثناءً يرفض زمن الهوان العربي ويتمرد عليه.. طيلة تاريخ العلاقة بين الجزائر والثورة الفلسطينية هل سمعتم أنها قدمت دعماً مالياً أو سياسياً مشروطاً وهل سمعتم أنها حاولت أن تصطنع لها في ساحتنا أزلام وجماعات أو هل استنتجتم يوماً أن لها أجندة خاصة تحاول تمريرها في فلسطين، بالطبع لا هذا لم يحدث في سنوات ثورتنا الأولى عندما كان لكل نظام عربي تقريباً فصيل فلسطيني يعمل كذراع له على الساحة ولم يحدث في سنوات انقسامنا العجفاء والتي بات فيها لكل من يدفع دولارا لشعبنا جماعات وأزلام وأجندة يجب أن تُمرر في المشهد الفلسطيني. إنّ الجزائر وبدعمها الدائم لفلسطين شعباً وثورة تؤكد أنها لا تزال على فطرتها الثورية الأولى لا تؤمن بسطوة المال المُسيس ولا تُمارسها وأنّ شعبها وحكومتها وجبهتها لا تزال على طهارتها التي كانت عليها في الجبال تقاتل الاستعمار. أنا لا أطلب من حكوماتنا أن تكون على غرار حكومة الجزائر، فهذا أمر يبدو صعباً لأنّ النسور تخرج من أعشاشها نسوراً وتُمضي حياتها هكذا والحمائم أيضا تخرج حمائم وتموت حمائم إن جُل ما أطلبه هو أن يحافظ الشعب الجزائري على طهرانية ثورته وأن يُحصنها ويصونها بالدم لو تطلب الأمر وأن يظل مقتنعاً أن أرضه وثورته ومبادئه مستهدفة من العدو الصهيوني ومن حلفائه في الغرب الإمبريالي وأذنابه الرجعبين ومن كلّ القوى التي لا تُريد لأمتنا خيراً ولا تريد لشعبنا العربي ظهراً قوياً يستند إليه وما تجربة الراحل جمال عبد الناصر التي تآمرت عليها الدنيا عنا ببعيدة. أما شعوبنا العربية المكلومة والتي أطبق اليأس عليها من كل جانب فمطلوب منها وفي مقدمتها نحن الفلسطينيين أن نُشَرِّع تفاؤل الإرادة أمام تشاؤم العقل الذي يعصف بنا وأن نظل على قناعة بأنّ الجزائر ستبقى ملجأنا ونصيرنا حين يعُز النصير وعليه فإنّ لها في أعناقنا أمانة أن نعمم تجربتها ونؤمن بمقدراتها وقدرتها على أن تكون رافعة أساسية في النهوض بحالنا القومي وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني مستندةً في ذلك لإرثها الثوري وسياستها القومية ونظافة يدها وطُهرانية شعبها.. عاشت الجزائر ودامت رئة يتنفس منها كلّ الثوار وركناً شديداً يأوي إليه كلّ المغبونون في أمتنا.