تتواصل بالمتحف العمومي الوطني البحري بالجزائر العاصمة فعاليات المعرض التشكيلي "البحر .. القصبة وحكاية الذاكرة" للفنان التشكيلي نسيم طالب، والذي يضم أعمالا فنية مميزة تبرز مناظر ساحرة من الواجهة البحرية لمدينة الجزائر ونماذج من السفن الجزائرية، خلال الفترة العثمانية إلى جانب عناصر من التراث المعماري والأزياء التقليدية لحي القصبة العريق. وتضمّ هذه الفسيفساء الفنية 40 لوحة فنية من مختلف الأحجام والتأطير، تتمحور أساسا حول مناظر طبيعية تعج بزرقة البحر ورائحة القصبة، رصدها الفنان بأناقة من زوايا مختلفة تميز الواجهة البحرية لمدينة الجزائر العروس البيضاء المنسدلة بياضها الناصع من أعلى القصبة باتجاه خليج الجزائر، بثراء ألوانها تمّ انجازها بتقنيات المدرسة الواقعية تجسّد اللمسة الإبداعية لهذا الفنان وارتباطه بالتراث وعناصر الذاكرة الوطنية. وتتناول أعمال هذا الفنان الموهوب والعصامي، مواضيع شتى من بينها تفاصيل الحياة اليومية في أزقة القصبة ونافوراتها ومساجدها ومقاهيها وحرفييها، ووشوشات النساء وهن في أبهى أزيائهن على السطح ووسط الدار، حيث تضيئ بالموسيقى الشعبية وجون الجزائر ورائحة البحر وأصوات النوارس. ومن بين الأعمال المعروضة التي تتركز أساسا على الألوان المائية النابضة بالحركة والموزعة بأناقة في فضاء المتحف، نجد عناوين "قهوة لعريش"، "الحايك والقصبة"، "نهج الإنكشاريين"، "نهج سيدي عكاشة" و«زنقة البحر الأحمر".. وهي أعمال تعكس تدفق الحركة في أزقة وشوارع القصبة، حيث تتنقل النساء ورجال القصبة بلباس الحايك التقليدي والسروال والعمامة والبرنوس الأبيض وغيرها من الحلي التقليدية وخيط الروح، إلى جانب رسمه لنماذج من سفينة "الشاباك" وقوراب الصيد "الشقف" بخليج الجزائر، وهي من السفن والقوارب الجزائرية الشهيرة إبان العهد العثماني. كما تتجلى في هذه الأعمال العديد من الرموز والمعالم التاريخية لمدينة الجزائر، على غرار لوحتين تجسدان ملامح ولباس وسلاح الرايس حميدو (قائد بحرية شهير إبان العهد العثماني) وقوته البدنية وحماسه الوطني واندفاعه باتجاه البحر، لحماية مدينة الولي الصالح سيدي عبد الرحمان الثعالبي من الغزاة الأوروبيين، وأخرى عن أميرالية الجزائر، وكذا نهج باب الجديد ونهج الاخوة راسم ونهج نفيسة وعقبة الشطر، برج الفنار وقاع الصور وغيرها من الأزقة والشواهد التاريخية التي ما تزال صامدة إلى اليوم وتأبى الاندثار. وفي هذا الإطار، أكد الفنان نسيم طالب في تصريح ل(واج) أنه "شغوف منذ نعومة أظافره برسم تراث القصبة وزرقة البحر" ويحرص على "التوثيق بالريشة والألوان المائية وعدسة الكاميرا لعناصر تراث مدينة الجزائر الغني بجمالياته وقيمه، وإبداع رموزه والسعى لحماية المهارات والحرف التقليدية القديمة من الاندثار ونقلها للجيل الجديد لمحاربة النسيان والمحافظة على ذاكرة ورموز هذا الفضاء التاريخي، المصنف ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي للإنسانية". وأضاف في هذا الصدد، أن "البحر ومدينة القصبة يمثلان بالنسبة لي مصدر شغف وإلهام فني وابداعي لأنه عنوان الهوية، وطالما كنت أعيد رسم أزقة القصبة وحرفها وسحر ساحلها انطلاقا من البطاقات البريدية القديمة، باعتبارها محور تاريخنا وذاكرتنا وقيمنا الثقافية والفنية والاجتماعية". كما أعرب الفنان نسيم طالب عن "سعادته بتنظيم هذا المعرض الفني بالمتحف الوطني البحري وهو فضاء تاريخي ذو قيمة تاريخية ورمزية، وهو ما يفتح أمامه أفق التعريف بموهبته لدى الجمهور"، موضحا "أن أعماله الفنية المعروضة أنجزها منذ فترة الحجر الصحي 2019 (فيروس كورونا) ووصولا للسنة الجارية 2023". للإشارة يستمر معرض "البحر.. القصبة وحكاية الذاكرة" بالمتحف العمومي الوطني البحري بساحة الشهداء بالعاصمة إلى غاية 31 أكتوبر القادم.