بعد فوز »باراك أوباما« مرشح الحزب الديمقراطي بالرئاسيات الامريكية، ودخوله مرحلة العمل باختيار فريق عمله، ومن ثم الانطلاق في تطبيق برنامج العمل الذي اعلن عنه في حملته الاطول والاغلى في تاريخ الحملات الانتخابية الامريكية، ماذا ننتظر في عالمنا العربي من تغيير من الادارة القادمة..؟ من دون شك ان تفاصيل هذا البرنامج ستكون بالتأكيد مختلفة عما اعلنه أوباما في حملته الانتخابية مثلما هو مطبق عمليا عقب الفوز بكل الرئاسيات الامريكية، خاصة وان انطلاقة أوباما ستكون صعبة بالقياس مع الصعوبات العديدة المطروحة على ارض الواقع سواء فيما يخص الازمة المالية في الاسواق الامريكية وتداعياتها على الصعيد الدولي، أو من حيث المشاكل الداخلية على صعيد الصحة والتعليم والبطالة، الخ.. او فيما يخص المشاكل الدولية المعقدة التي جعلت سياسة »بوش« الكارثية تهبط بسمعة الولاياتالمتحدةالامريكية بصورة غير مسبوقة في تاريخها. واذا كانت سياسة التغيير التي تبناها »أوباما« ستكون مطروحة بحدة على الصعيد الداخلي، فانها ستكون بطيئة على الصعيد الخارجي، ولن تطرح الا بقدر التحولات التي يفرضها الواقع الدولي، مثلما هو منتظر بالنسبة للملف الايراني والحرب في افغانستان. فإيران اكدت دوما تمسكا منقطع النظير بمواقفها المبدئية المرتكزة على وحدة شعبها وقوتها المتنامية. اما الحرب في افغانستان، فقد خلصت مؤخرا الى مراجعة السياسة الامريكية في هذا البلد الخاضع للاحتلال منذ أحداث 11 سبتمبر المشبوهة، الى الاقرار بأن الولاياتالمتحدة تفقد السيطرة على الارض. وضمن هذا السياق، اجمعت، حسب شبكة »س.أن. أن« الاخبارية الامريكية، الوكالات الامريكية ال 24 المشاركة في وضع هذه المراجعة على ان الوضع في افغانستان بات كئيبا، حيث اكدت ان العنف تفاقم بنسبة 43٪ في السنوات الخمس الماضية. كما ارتفعت نسبة زراعة المخدرات بمعدل 100٪ منذ سنة .2000 وضمن سياق هذا التدهور، تراجع دعم الشعب الافغاني للقوة الدولية المشكلة من 70 الف جندي نصفهم من الامريكيين بنسبة 33٪ في الاشهر الاخيرة الماضية، ولهذا يرجع عدم امتلاك واشنطن للقوة العسكرية الكافية لشن تدخل على الطريق العراقية في افغانستان. ومن ثم، فانه، لا يمكن تلبية اقتراح الرئيس الامريكي المنتخب باراك أوباما بارسال جنود اضافيين، والذين سيكون عددهم محدودا، كما ان سحب اعدادا كبيرة من القوات الامريكية من العراق لن يتم قبل جوان او جويلية المقبلين، وسيكون ذلك متأخرا، ولن يقدروا على مواجهة المعارك التي تبدأ قبل الربيع وحفظ الامن في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الافغانية المقررة في اوت .2009 وامام تدهور الوضع الامني والعسكري، وفي ظل صمود حركة طالبان وتمسكها بثوابتها ورفضها للتفاوض مع الحكومة الافغانية قبل انسحاب القوات الاجنبية، تواصل القوات الامريكية وقوات الناتو انتقامها بقتل المزيد من المدنيين الابرياء بما فيهم النساء والاطفال، ولم يجد الجيش الامريكي بدا من الاعتراف يوم الاحد الماضي بتسببه في مقتل 37 مدنيا واصابة 35 آخرين وتقديم اعتذاره لاسر الضحايا والشعب الافغاني على الغارة التي شنتها طائراته على كمين نصبه مقاتلو طالبان داخل قرية »ويش باغتو« في جنوبافغانستان. وبالنسبة للقضية الفلسطينية، فلن يكون حلها من اولويات »أوباما« وادارته الجديدة.. كيف لا..! وقد تخلى عنها القادة العرب، بعد ان تنازل عنها الفلسطينيون انفسهم السائرون في الركب الصهيو أمريكي عن حقوقهم مقابل وهم السلام المزعوم والدولة الفلسطينية التي تعهد الرئيس »بوش« باقامتها في سنة .2004 ليتمادوا بذلك في مسلسل التنازلات الفلسطينية المجانية منذ اتفاقيات اوسلو، ليصلوا بها اليوم الى دعم وتجديد الحصار على غزة عقابا على اختيار الشعب الفلسطيني لحركة حماس في الانتخابات التشريعية الاخيرة التي شهد العالم عن نزاهتها. وبالتالي، فان اقصى ما سيقدمه أوباما في بداية عهدته هواستئناف التفاوض العربي الاسرائيلي غير المحدود بفترة زمنية بعد اجراء الانتخابات الاسرائيلية المقبلة. ويبقى الامل بالنسبة لتصحيح مسار الاوضاع بالشرق الاوسط مرتبطا بالتحركات السورية الاخيرة التي تحاول الاستفادة من المتغيرات الدولية سواء بتكسير الاحادية القطبية في العالم بدعم المواقف الروسية ورفض شن أي عدوان على ايران او بفرض تغيير في السياسة الامريكية بعد تنصيب الرئيس المنتخب وادارته الجديدة، وذلك من خلال الرفض العملي لاستمرار سياسات بوش الكارثية بالمنطقة. ولعل ما يؤكد العمل الجدي في هذا الاتجاه هو مهاجمة الرئيس السوري بشار الاسد خلال افتتاحه للدورة الثانية للبرلمان العربي الانتقالي للاتفاقية الامنية التي يجري التفاوض بشأنها بين بغداد وواشنطن باعتبارها تهدف الى تحويل العراق الى قاعدة لضرب دول الجوار مثلما حدث في الشهر الماضي عندما شنت مروحيات امريكية غارتها على مزرعة السكرية بمدينة البوكمال السورية المحاذية للحدود العراقية.