ساند رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون منذ توليه مقاليد الحكم كل من المثقف والفنان، مشجعا بذلك إبداعاتهم وعطاءهم الفكري والفني، إيمانا منه أن رقي الأمم المتقدمة يقاس بالقيمة والمكانة التي توليها للمثقف والفنان، لما يميز هذه المهن من عطاء وابداع في سبيل ترقية الثقافة والفنون في أوساط مجتمعاتها، تقديم الترفيه، نشر الوعي، ترقية وتهذيب الذوق العام، وتمثيل الهوية الوطنية والدفاع عنها في المحافل الدولية. جاء الاعلان في العدد الأخير للجريدة الرسمية (العدد 70)، حاملا المرسوم الرئاسي رقم 23- 376 المؤرخ في 7 ربيع الثاني عام 1445 الموافق 22 أكتوبر سنة 2023، والمتضمن القانون الأساسي للفنان، كدليل قاطع على تنفيذ التزام رئس الجمهورية 46 بدعم أهل الثقافة والفن. وقد نصّ التزام رئيس الجمهورية على تعزيز الثقافة والأنشطة الثقافية في بنده الخامس، القاضي بتثمين مهنة الفنان وكل الفاعلين في مجال الثقافة وترقية دورهم الاجتماعي ووضعهم القانوني. ويمكن القول إنّ الفنان الجزائري تنفّس اليوم الصعداء، لأن هذا القانون الأساسي الذي دامت المطالبة به مدة طويلة من الزمن جاء ضابطا لمهنته، حافظا لحقوقه السوسيو-مهنية ومحددا لواجباته. ومن بين المحطات الهامة التي مرّ بها إعداد المرسوم الأساسي للفنان، تعليمة رئيس الجمهورية بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 20 فبراير 2023، والمتضمنة "ضرورة وضع آليات التكفل بالجوانب الاجتماعية لكل المبدعين الجزائريين، على اختلاف مهنهم الفنية، عرفانا بما قدموه ويقدمونه من صور جميلة عن الجزائر". ودائما وفق توجيهات رئيس الجمهورية، فقد لعب المجلس الوطني للفنون والآداب دورا هاما، حيث أخذ أعضاؤه من مختلف المؤسسات الحكومية المعنية وأيضا من الفنانين على عاتقهم مهمة إعداد وتحيين مدونة المهن الفنية، وضع معايير موضوعية وشفافة لاستصدار بطاقة الفنان، ووضع ميثاق أخلاقيات مهنة الفنان. 34 مادة تحدّد الحقوق والواجبات يعتبر هذا القانون الجديد مكسبا ثقافيا، يحدد بموجب مواده 34 تعريف المهنة، والتفريق بدقة بين مختلف حرفها ومجالاتها، إضافة إلى تحديد حقوق الفنان المهنية والاجتماعية. يحدد القانون الأساسي الفئات التي تخضع لأحكامه، وتجد فيه واجباتها وحقوقها والمتمثلة في "الفنانون وتقنيو الأعمال الفنية وإداريو الأعمال الفنية، بمناسبة ممارستهم للنشاط الفني". كما يعني بفنان "كل شخص طبيعي يمارس نشاطا فنيا، من خلال الإبداع أو المشاركة بأعماله الفنية أو الأدبية أو التقنية أو الإدارية في الإبداع أو إعادة الإبداع الفني، أو في أدائه أو تنفيذه بأي شكل كان وعلى جميع الدعائم، ويساهم بذلك في تطوير الفن والثقافة". ويعتبر تقني الأعمال الفنية "كل شخص يقوم بعمل تقني يساعد الفنان، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إنجاز النشاط الفني"، في حين أن إداري الأعمال الفنية هو "كل شخص يقوم بعمل إداري يساعد الفنان، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إنجاز النشاط الفني". وتتمثل الحقوق التي يستفيد منها الفنان وتقني الأعمال الفنية وإداري الأعمال الفنية بموجب هذا المرسوم في "الحصول على بطاقة فنان، الإبداع الفكري، ممارسة النشاط الفني بكل حرية في ظل احترام التشريع والتنظيم المعمول بهما، الحصول على عقد فني، الحصول على مقابل نشاط فني، الحماية الاجتماعية والتقاعد، والاستفادة من عقد تأمين تكميلي يغطي المخاطر الاستثنائية التي قد يتعرض لها الفنان في إطار ممارسة نشاطه الفني". ويوفر القانون الأساسي للفئات المذكورة أعلاه الحق في الحماية من كل أشكال التعدي والعنف خلال ممارسة العمل الفني أو بسبب الأعمال المنجزة، وتأسيس أو الانخراط في هيئة تمثيلية مهنية، والمساهمة في إعداد السياسات العامة في الميادين الثقافية والفنية"، إضافة أيضا "إلى الاستفادة من تكوين فني أو تقني من أجل ترقية الفن والثقافة، وكل هذه الحقوق دون الاخلال بالحقوق المادية والمعنوية المعترف بهما لهذا الفنان، بموجب التشريع والتنظيم المعمول بهما". ومن جهة أخرى، يلتزم الفنان بموجب القانون الأساسي الخاص به باحترام الواجبات المنصوص عليها في العقد الفني، إعلام الجهة المستخدمة أو الجهة المتعاقد معها مسبقا بكل ما يستوجب توفيره من ظروف مواتية ووسائل مادية ضرورية لإنجاز نشاطه الفني، احترام النظام العام والآداب العامة، تسديد المستحقات الضريبية ذات الصلة بالنشاط الفني المنصوص عليها في التشريع المعمول به". ويجب عليه أيضا احترام أحكام ميثاق أخلاقيات مهنة الفنان الذي يعده المجلس الوطني للفنون والآداب، وكذا التصريح والانتساب إلى الضمان الاجتماعي طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما. وفي سياق متصل، يعرف هذا المرسوم النشاط الفني بأنه "كل عمل يكون موضوعه إبداع فني أو عرض لمصنف فني أو أدبي، في أي مجال من مجالات الفنون والآداب، من أجل إتاحته للجمهور بأي طريقة أو وسيلة كانت"، وأما الإبداع الفني فهو "كل عمل فني أو أدبي يبدعه شخص طبيعي في أي مجال من مجالات الفنون والآداب"، في حين أن العقد الفني هو "اتفاق مكتوب يبرم بغرض ممارسة نشاط فني بمقابل". ويعرف أيضا هذا المرسوم مقابل النشاط الفني بأنه "كل المستحقات التي يتقاضاها، في شكل نقدي أو عيني، الفنان و/ أو تقني الأعمال الفنية أو إداري الأعمال الفنية مقابل قيامهم بنشاط فني"، في حين تعتبر المهن الفنية "كل المهن المتعلقة بمجال الفنون والآداب المحددة في مدونة مجالات الفنون والآداب"، بينما المؤسسة الفنية هي "كل شخص طبيعي أو معنوي خاضع للقانون الجزائري يمارس نشاطا فنيا بموجب عقد فني وبمقابل". ويحمل المرسوم أحكاما خاصة بالفنانين الصغار (أقل من 16 سنة)، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وأخرى تخص الفنانين الأجانب. ويضمن المرسوم أيضا الحماية الاجتماعية للفنان وحقه في بطاقة الفنان والعقد الفني، ومقابل النشاط الفني والمؤسسات الفنية وترقية نشاط الفنان. كما جاء في المرسوم أيضا أن مدونة المهن الفنية تحدد وتحين بموجب قرار من الوزير المكلف بالثقافة والفنون، بعد موافقة المجلس الوطني للفنون والآداب عليها. وعرف المرسوم المهن الفنية وفق المجالات الآتية: الفنون الأدبية، والفنون المسرحية، والفنون الموسيقية، وفنون العرض، والفنون الكوريغرافية، والفنون البصرية، والفنون السينماتوغرافية والسمعية البصرية، وفنون الشارع، والفنون الرقمية. ويشار هنا أن المهن الفنية الحالية قسمت إلى 9 مجالات كبرى، تضمنت بعد التحيين خلال السنة الجارية 184 مهنة فنية، فيما تبقى عملية التحيين مستمرة كلما دعت الضرورة. وتلغى، في إطار هذا المرسوم الرئاسي، أحكام المرسوم التنفيذي رقم 21- 204 المؤرخ في 8 شوال عام 1442 الموافق 20 مايو سنة 2021 الذي يحدد النظام النوعي لعلاقات العمل المتعلقة بالفنانين والمسرحيين. للتذكير، ثمّنت وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، بالمناسبة "صدور المرسوم الرئاسي حول القانون الأساسي للفنان"، معتبرة إياه "من أهم المكتسبات الثقافية في الجزائر، وحدث تاريخي في المشهد الثقافي الجزائري منذ الاستقلال".