بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر جوان 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ عقّب الشاعر سامي عوض الله من الشتات: "تحياتي للأخت براءة وللباسلات في سجون الاحتلال. عقبال ما يتحرر جميع الأسرى. ربنا معاكم". وعقّب الأسير كميل أبو حنيش عن هذه المبادرة في رسالة بعثها للروائي مصطفى عبد الفتاح ونشرها بدورِه على صفحات "الاتحاد" الحيفاويّة، وممّا جاء في هذه الرسالة قوله: "يفتح ثغرة ولو صغيرة في جدار الأسر السميك ويسمح بتسرّب القليل من نور الحريّة ليضيء عتمة الزنازين الثقيلة". وعقّبت الكاتبة إسراء عبوشي: "لقد قمت بعمل رائع مع أسرانا البواسل ساندتهم وهم بأمسّ الحاجة لمعين بإذن الله سيخرج أسرانا ونحتفل بهم خارج الأسر وستكمل الرسالة إلى أن تتحرّر فلسطين". أبلغتني إدارة سجن الدامون، يوم الأربعاء 29 نوفمبر عن إلغاء الزيارة المقرّرة ظهر الغد بسبب "تصفير" السجن ولم تعد هناك أسيرات وفرحت كثيراً، وكتبت خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. بدأت حملة اعتقالات مكثّفة، وبناءً على تواصل أهالي بعض الأسيرات، تقدّمت يوم الثلاثاء بطلب زيارة ثلاث أسيرات، وفوجئت صباح الأربعاء باتصال هاتفي من إدارة الدامون وأعلموني بأنّه بالإمكان الزيارة خلال ساعة، ولم أكذّب خبراً وزرت السّجن. تبيّن لي أنّ هناك 10 أسيرات تمّ اختطافهنّ من غزة، وخمس أخريات سيصلن ذات اليوم، وقلقهنّ بالأساس على الأهل وهل سمع أحدهم بمصيرهنّ أم أنّهن منسيّات؛وتبيّن لي أنّ عدد الأسيرات سيصبح 39 أسيرة!! الأسيرات بحاجة ماسّة للملابس والغيارات؛ صُعقت حين سمعت عن إجراءات التحقيق (قبيل وصولهنّ الدامون)؛ الضرب المبرح، سحب وشدّ ومعط الشعر، الشتائم والمسبّات بحقّ الشرف والذات الإلهيّة، ضرب المعتقلة وتسجيل صراخها وتكرار الضرب مع إسماعها التسجيل، التهديد باعتقال كلّ أفراد العائلة، التهديد بالاغتصاب، التفتيش العاري كليّاً، وإجراء جديد أسمع به للمرّة الأولى – تفتيش عاري بالكامل جماعياً، أيّ التفتيش العاري للمعتقلة بحضور زميلاتها! مِشْ عيّوطَة زرت صباح يوم الأربعاء 6 ديسمبر 2023 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة براءة جمال عثمان كرامة (مواليد 08.01.2005، طالبة تمريض في جامعة البوليتكنك/ الخليل)، وبعد التحيّة أخذت تصوّر لي وضع أسيرات الدامون؛ 31 أسيرة وينتظرن اليوم وصول 3 أسيرات جدد وكذلك 5 أسيرات غزيّات (زيادة على العشر أسيرات الغزيّات "القدامى" اللواتي قلقات على الأهل، ويتساءلن: في حدا عارف إنّا هون؟)، وحدّثتني عن زميلات الزنزانة والدور الذي تقوم به الأسيرة آية خطيب، بعد تحرّر نورهان. كان لقاؤها الأول مع محامي منذ اعتقالها، على حدّ قولها، حدّثتني عن التعذيب في مرحلة التحقيق والتنقّل من حي أبو كتيلة الخليليّ إلى عتصيون وعوفر وهشارون والدامون، وخاصّة مجنّدة الشارون اللئيمة (ينادونها "ياسمين") التي استعملت الضرب وشدّ الشعر والمسبّات والشتائم، وحرمانها من الشرب، وتهديدها باعتقال إخوتها ووالدتها، وجولتها في أرجاء الوطن السليب، للمرّة الأولى، عبر البوسطة اللعينة. حدّثتني عن طقوس الفورة؛ ساعة واحدة لكلّ غرفتين معاً ويسمح لهنّ خلالها بالاستحمام، "بنمرق ع الغرف وبنتعرّف وبنمَرحِبْ"، وأعادوا الغسّالة والنشّافة، وعن المعتقلة المقدسيّة القاصر هديل، والمعتقلة المريضة سندس. وقتها مليان؛ قراءة (سمحت سلطة السجون بإدخال مُصحف وكتاب لكلّ زنزانة)، وبلّشت تدرس تجويد. قلقة على العائلة (الوالد معتقل)، هل داهموا البيت واقتحموه من جديد؟ وطلبت إيصال قبلاتها لأخيها عُديّ (عمره عام) وعبّود (ابن أختها) وسلامات لأختها تسنيم، لبشرى وشمس وللجميع. تطمئنهم بأنّ دعاواتهم تصلها أوّل بأوّل. لازمتها ابتسامة وضحكات، ومعنويّاتها عالية جداً، طلبت منّي أن أخبر والدتها أنّها "بتِسقعِش"، وحين افترقنا طلبت منّي أن أوصل والدتها بأنّها "مِشْ عيّوطة"! لك عزيزتي براءة أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع الأحرار، وكلّي أمل بلقاء قريب في فضاء الوطن، دون "البوسطة". (حيفا/ كانون أوّل 20230)