وَصَفَ خبراء قانونيّون الأدلة التي قدّمتها جمهورية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بقضية الإبادة الجماعية، التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، بأنها قويّة. بينما تستمر سلطات الاحتلال الصهيوني بانتهاك القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية منذ 7 أكتوبر الماضي، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضدها، في 29 ديسمبر الماضي، بتهمة انتهاك اتفاقية الأممالمتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ورأى خبراء في حديث حول الأدلة التي قدمتها جنوب إفريقيا، والدفاعات الصهيونية المحتملة، وطلب جنوب إفريقيا اتخاذ تدابير احترازية عاجلة، أنه سيتم اتخاذ قرار ضد الكيان الصهيوني في جلسات الاستماع الأولية التي ستعقد غدا الخميس. في السياق، يقول الدكتور بجامعة نوتنجهام ترنت في المملكة المتحدة لويجي دانييلي: "إنّ مجموعة محترفة من المحامين سوف يمثلون جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية". محامو جنوب إفريقيا متمكّنون ويضيف دانييلي أن "الطلب الذي تقدمت به بريتوريا قويٌ للغاية، لقد أعدّ المحامون عريضة قوية جدًا، وهذه ليست مفاجأة، لأن جون دوجارد، وغيره من المحامين الذين سوف يمثلون جنوب إفريقيا، خبراء وناجحون للغاية بهذا المجال". ويوضح أن جنوب إفريقيا "استخدمت بنجاح في طلبها المرفوع، خطاب السلطات الصهيونية الذي يكشف عن نيّتها بارتكاب الإبادة الجماعية ضد سكان غزة" ويؤكّد أنّه "لا يمكن تفسير تصريحات المسؤولين الصهاينة هذه إلا بأنها إبادة جماعية، وذلك كما ذكرت جنوب إفريقيا في الطلب المرفوع". ويشير إلى أن "الإشارات إلى الإنجيل وشعب العمالقة، هي أكثر من مجرد إشارات إلى أحداث تاريخية وثقافية، كما يدّعي بعض الحقوقيين اليهود، بل تكشف عن وجود نية مبيّتة بعقاب جماعي ضد سكان غزة". تصريحات المسؤولين الصّهاينة تدينهم ويلفت إلى أنّ "جميع المسؤولين الصهاينة رفيعي المستوى، أدلوا بتصريحات في نفس الاتجاه، حيث ألقوا باللوم بشكل كامل على سكان غزة، دون تمييز بين المدنيين والمقاتلين، ودعوا إلى قتل جماعي لسكان غزة". وتابع: "لقد أوضحت سلطات الاحتلال أهدافها على مستوى رئاسة الدولة، وسمعنا تصريحات مماثلة من العديد من المسؤولين رفيعي المستوى، حيث تم ذكر غرض الإبادة الجماعية بشكل واضح ومباشر". وعن قول دفاع الاحتلال "أن تصريحات المسؤولين الصهاينة و إن تحدثت عن فعل الإبادة الجماعية، إلا أنها لا تعني في الواقع حدوث إبادة جماعية هناك"، يعلق الأكاديمي دانييلي قائلاً: "هذا الدفاع هو أضعف حجة قرأتها على الإطلاق، نحن نفسر هذه التصريحات من خلال النظر إلى ما يحدث على أرض الواقع". ويوضح أنه "عندما ننظر إلى العلاقة بين تصريحات المسؤولين الصهاينة وما يحدث على الأرض، نرى أن الشروط الضرورية لوصف هذه الحرب بالإبادة الجماعية، هي وجود نية قد توفرت بالفعل". وفي إشارة إلى أن المحكمة اتخذت إجراءات احترازية وقرارات وقائية ضد خطر الإبادة الجماعية المحتمل، قال دانييلي: "بدلاً من إلزام جنوب إفريقيا بإثبات وقوع إبادة جماعية، يكفي إثبات وجود خطر الإبادة الجماعية، وحينها يتم تطبيق معيار أقل قليلاً من المعيار الجنائي لجريمة الإبادة الجماعية". ويشير دانييلي إلى "أهمية إصدار الأمر الأولي بسرعة كبيرة، ويجب ألا ننسى أن أكثر من 100 طفل فلسطيني بريء يستشهدون كل يوم، ويصاب أكثر من 90 طفلاً كل يوم". ويؤكد أن "الالتزام بمنع الإبادة الجماعية هو مسؤولية جميع الدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها للعام 1948". ما يجري على الأرض يثبت الإبادة بدوره، يشير مارتن شو، أستاذ العلاقات الدولية والسياسة في جامعة ساسكس، إلى أن "عدم إقالة الأشخاص الذين أدلوا بتصريحات تكشف عن وجود نية الإبادة الجماعية، سيضعف دفاع الاحتلال". ويضيف شو أن "المهم هو ما يفعله الصهاينة على الأرض، وإذا كانت تصرفات الاحتلال تنطوي على احتمال ارتكاب إبادة جماعية، ووجود نية لإبادة الفلسطينيين، فقد يتم في النهاية الإقرار بارتكابهم جريمة إبادة جماعية، وبطبيعة الحال، سوف تنظر المحكمة في طلبات اتخاذ تدابير احترازية في هذه المرحلة". ويؤكد "أن الإجراءات المؤقتة هي قرار مؤقت يتم اتخاذه قبل القرار النهائي، كما يتعين على المحكمة أن تقر بوجود خطر إبادة جماعية، وأن تأمر الصهاينة بوقف العنف ضد السكان، وسحب قواتهم من غزة، والسماح للمساعدات بالتدفق بحرية إلى غزة، وسنرى إلى أي مدى ستذهب المحكمة في هذا الاتجاه، وما إذا كانت دولة الاحتلال ستلتزم بقرارات المحكمة". دفاعات الاحتلال ضعيفة من جهته، يقول الدكتور نمر سلطاني، من قسم القانون بجامعة الدراسات الشرقية والإفريقية البريطانية، العضو بمركز الدراسات الفلسطينية، إن "طلب جنوب إفريقيا يتضمن العديد من التصريحات التي أدلى بها مسؤولون وجنرالات في الكيان الصهيوني، تعبر عن نية ارتكاب إبادة جماعية". ويذكر سلطاني أن "سلطات الاحتلال بهذه التصريحات والأفعال تكون قد انتهكت التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، حيث توضح هذه التصريحات أن الكيان الصهيوني يهدف إلى إبادة غزة أو جزء كبير من السكان الفلسطينيين". ويرى سلطاني أن "دفاع سلطات الاحتلال عن نفسها، إستراتيجية ضعيفة، وبعض التصريحات واضحة للغاية، ومن الصعب عليها تجاهلها واعتبارها غامضة". ويشدد على أن "جنوب إفريقيا لا تحتاج إلى إثبات أن جميع تصريحات المسؤولين الصهاينة تشير إلى وجود نية لارتكاب إبادة جماعية، من أجل الحصول على أمر قضائي وتدابير احترازية، لأن من حق المحكمة التدخل واتخاذ تدابير احترازية لمنع مزيد من الانتهاكات". التّدابير الاحترازية تكون ملزمة ويذكر سلطاني أن "قراراً قضائياً محتملاً بوقف قوات الاحتلال عملياتها العسكرية في غزة، سيكون ملزماً بالنسبة للكيان الصهيوني، وأن عدم التزام هذا الأخير بالقرار المشار إليه يؤكد وضعه كدولة منبوذة". وينتقد سلطاني "تعيين الاحتلال لرئيس المحكمة العليا الصهيونية السابق أهارون باراك، قاضياً مؤقتاً في قضية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية". ويقول: "لم يكن هذا التعيين مفاجئاً، فهذه الشخصية، وباعتباره قاضياً دبلوماسياً، سعى دائماً لإضفاء الشرعية على نظام القمع والاحتلال الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ورغم انتشار الممارسات الصهيونية المناهضة للديمقراطية في عهده، وتزايد وحشية الاحتلال مع مرور الوقت، وترسيخ نظام الفصل العنصري، إلا أن باراك حظي بالإعجاب في جميع أنحاء العالم".