الحملة المسعورة التي يشنّها المغرب منذ أياّم ضد المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية "ستافان دي ميستورا" بسبب زيارته إلى جنوب إفريقيا، لم تكن مطلقا مفاجئة، فالمخزن دأب منذ قبوله قبل ثلاثة عقود بالعملية السلمية الأممية لتسوية النزاع الصحراوي، على فعل كلّ ما في وسعه لعرقلة مهام المبعوثين الأمميين، الذين يسعون إلى تنفيذ مهامهم بكلّ حياد ونزاهة بهدف بلوغ تسوية نهائية لآخر قضية تصفية استعمار في القارة الافريقية. منذ تعيينه في السادس أكتوبر 2021 مبعوثا أمميا، والمغرب يتحيّن الفرصة للضغط و«الهجوم" على الدبلوماسي الإيطالي السويدي "دي ميستورا" بغرض إرغامه إماّ على الرضوخ لمطالبه الإستعمارية، أو للاستقالة مثلما فعل مع مبعوثين سابقين مارس عليهم كل أشكال الابتزاز والمساومة والتشهير، وأرغمهم في النهاية على رمي المنشفة والمغادرة، ونذكر جميعا ما صادفه "كريستوفر روس" و«هوريست كوهلر" من مصاعب وعراقيل انتهت بهما إلى الانسحاب دون تحقيق أي تقدّم في العملية السلمية. وقد ذكّر المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، "كريستوفر روس" الذي تولى مهمته بين 2009 و2017، بالحملات التضليلية والاتهامات الباطلة التي كالها له المخزن لأنّه فقط، رفض التخلي عن الحياد لإرضاء نزعته الاحتلالية. وفي ردّ مكتوب على اتّهامات باطلة بأنّه معاد للمغرب في محاولات للتشهير بشخصه نظير مواقفه الحيادية من تسوية النزاع في الصحراء الغربية، أوضح "روس" أنّه عمل كمبعوث شخصي للأمين العام الاممي لمدة ثماني سنوات، حيث كانت مهمته، كما حدّدتها قرارات مجلس الأمن المتعاقبة، هي تسهيل المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع "المغرب وجبهة البوليساريو" بهدف التوصل إلى "حل سياسي مقبول للطرفين، وينص على تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية"، ولتحقيق هذه الغاية، قدّم الطرفان مقترحاتهما في أفريل 2007. وبعد أن أكّد السيد "روس" أنّ دوره كوسيط يتطلّب الحياد التام، أوضح أنه لم يقم قط طيلة ولايته بدعم أي اقتراح محدد للتسوية، على الرغم من الضغوط القوية من المغرب لفرض طرحه الاستعماري المسمى "الحكم الذاتي"، أمام جبهة البوليساريو المصرة على الدعوة إلى استفتاء لتقرير المصير يتضمن الاستقلال كخيار للتسوية. وما عاناه الدبلوماسي الأمريكي المخضرم "كريستوفر روس"، واجهه الألماني "هورست كوهلر" الذي اضطرّ هو الآخر إلى الاستقالة في 2019. ورغم أنّ "كوهلر" ربط استقالته بأسباب صحية، فإن "روس" قال بأنها "على الأرجح بدافع الاشمئزاز من عدم الاحترام الذي لقيه من المغرب والجهود المبذولة لعرقلة عمله كما فعلوا معي". ورجح "روس" تردّد الكثير من الشخصيات في قبول منصب المبعوث الأممي للصحراء الغربية، إلى إدراكها بأنها ستشرع في مهمة مستحيلة، حيث أنّ "المغرب يريد شخصاً يكون مدافعاً عنه بدلاً من أن يظل محايداً". وذكّر المسؤول الأممي السابق في الأثناء، بأنّ المغرب وجبهة البوليساريو وافقا عام 1991 على خطة تسوية أممية وعدت بإجراء استفتاء مقابل وقف إطلاق النار، غير أنّه وبعد 33 سنة من المحاولات للتوصل إلى قائمة ناخبين مؤهلين لإجراء الاستفتاء، فشلت هذه الجهود لأنّ المغرب قرّر أن الاستفتاء يتعارض مع مزاعم سيادته على الصحراء الغربية، ممّا تسبب في استقالة المبعوث الأممي الأسبق "جيمس بيكر" أيضا. وأشار في ذات السياق، إلى أنّ ثلاث عشرة جولة من المحادثات، عقدت وجها لوجه بين طرفي النزاع (البوليساريو والمغرب)، برئاسة ثلاثة مبعوثين متتاليين للأمم المتحدة من هولندا (فان فالسوم) والولايات المتحدة (كريستوفر روس) وألمانيا (هورست كوهلر)، وبحضور الجزائر وموريتانيا في الفترة من 2007 إلى 2019، غير أن كافة هذه الجهود فشلت حتى الآن بسبب المواقف المغربية المعرقلة. يكذب الكذبة ويصدّقها لم تقف الأممالمتحدة صامتة أمام الحملة الإعلامية الضالة التي أطلقتها أبواق المخزن ضد "ستافان دي ميستورا"، وأعربت على لسان المتحدث باسم أمينها العام ستيفان دوجاريك، أن المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية ليس بحاجة لتأشيرة أو إذن من القصر الملكي المغربي لضبط تحرّكاته ومهامه، فالزيارة لم تخالف الأسس المتفق عليها، وهي تندرج في إطار مهامه وما تمليه الأهداف المسطّرة فيها. وقد سبق لدي ميستورا أن ناقش قضية الصحراء الغربية مع ممثلي بلجيكا، سويسرا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة وألمانيا، وهي دول لا تشارك بشكل مباشر في إدارة النزاع وليست عضوا في نادي أصدقاء الصحراء الغربية، فلماذا لم يعلّق المغرب على ذلك ولم يحتج أو ينتفض؟ كلام دوجاريك، جاء ردّا على تصريحات ممثل محمد السادس بالهيئة الأممية عمر هلال الذي - حسب رأيه - كان واجبا على دي ميستورا أن يخبر القصر الملكي والحكومة المغربية بزيارته إلى جنوب إفريقيا، وكأنّ المبعوث الأممي موظف عندهما ويجب الإئتمار بأوامرهما. وقال المتحدّث باسم غوتيريش، ستيفان دو جاريك، إنّ زيارة مبعوث الهيئة الدولية لجنوب إفريقيا لا تحمل في طياتها أية شبهة، بل تندرج ضمن ممارسة مهامه، ودافع المتحدث عن نهج السرية الذي يضبط بها ستافان دي ميستورا مهامه مع جميع الأطراف، ليضيف في الشأن ذاته "كما يقول الأمين العام الأممي، هناك أشياء معينة يجب أن تنخرط في دبلوماسية السرية". وقد كان الردّ الأممي بمثابة صفعة زلزلت كيان المخزن، الذي ما كان ليجنّ جنونه بهذا الشكل لو أنّ دي ميستورا زار دولة أخرى غير جنوب إفريقيا التي تعتبر من أكثر الدول دعما للقضية الصحراوية، ومن المدافعين بشدة عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وفوق هذا وذاك، هي الدولة التي جرّت الكيان الصهيوني، حليف المخزن، إلى محكمة العدل الدولية لإنصاف الشعب الفلسطيني، الذي يتشارك مع الصحراويين في الكثير من الأمور، على رأسها الاحتلال وممارساته اللاّإنسانية. لا إرادة للاحتلال في السّلام من جهتها، أكّدت جبهة البوليساريو أن اعتراض المغرب على زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية، ستافان دي مستورا إلى جنوب إفريقيا، يثبت عدم توفر أي إرادة سياسية لدولة الاحتلال للانخراط بجدية ومسؤولية في عملية السلام في الصحراء الغربية. وأوضح ممثل جبهة البوليساريو بالأممالمتحدة والمنسق مع بعثة الاممالمتحدة لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية (المينورسو)، سيدي محمد عمار، قبل أيام، أن "الدولة المغربية ليست في وضع يسمح لها بوعظ الآخرين حول القانون الدولي، لأنها تواصل احتلالها غير الشرعي لأجزاء من الصحراء الغربية المدرجة في جدول أعمال الأممالمتحدة كقضية تصفية استعمار". وأضاف سيدي عمار أنّه من المعروف جيدا أنه في الوقت الذي تتخذ فيه جنوب إفريقيا خطوات "جريئة" لمحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه المستمرة في فلسطين، "فإن دولة الاحتلال المغربي، وهي تذرف دموع التماسيح على الشعب الفلسطيني، تستمر في بذل كل ما في وسعها لتقويض الحقوق الفلسطينية المشروعة من خلال التواطؤ السافر مع الاحتلال الصهيوني". وحسب الدبلوماسي الصحراوي، فإنّ "ما لا شك فيه أن دولة الاحتلال المغربي ليس لديها أي إرادة سياسية على الإطلاق للانخراط بجدية ومسؤولية في عملية السلام التي ترعاها الأممالمتحدة في الصحراء الغربية، وبالتالي فإن لغة الابتزاز والتهديد التي استخدمها ممثل دولة الاحتلال المغربي فيما يتعلق بزيارة دي ميستورا إلى جنوب إفريقيا، هي مثال آخر على الأساليب المحسوبة والملتوية التي استعملتها دولة الاحتلال المغربي تجاه المبعوثين الشخصيين السابقين للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية، ممّا دفع معظمهم إلى الاستقالة لسبب أو لآخر". وذكّر الدبلوماسي الصحراوي، الاحتلال المغربي "بأنّه من ضمن ولاية المبعوث الأممي التواصل مع الدول الأعضاء، كما أكّد مؤخرا المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، وأن المبعوث الشخصي يمثل الأممالمتحدة ومسؤول أمامها وليس أمام دولة الاحتلال المغربي". التّواصل مع جنوب إفريقيا..شرف وأضاف أنّه منذ تعيينه كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية في 6 أكتوبر 2021، قام دي ميستورا بزيارة بلدان عديدة، وبالتالي فإنّ زيارته إلى بريتوريا تندرج في نطاق ولايته، "لا سيما بالنظر إلى التزام جنوب إفريقيا القوي بنظام دولي قائم على القواعد، فضلا عن دعمها وتعزيزها للحلول السلمية والعادلة للنزاعات في إفريقيا وخارجها". واسترسل في السياق يقول إن "دفاع جنوب إفريقيا الثابت عن تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية وتضامنها القوي مع الشعب الصحراوي دليل آخر على التزامها القوي بحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير والحرية طبقا لمبادئ القانون الدولي ذات الصلة". واستغلّت البوليساريو المناسبة لتجدّد التأكيد على التزامها بالتعاون مع جهود كل من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي بغية إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا، "وبنفس القدر، تعيد جبهة البوليساريو التأكيد بقوة على تمسّكها الثابت بالدفاع، وبكل الوسائل المشروعة، عن حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف، وغير القابل للمساومة ولا للتقادم في تقرير المصير والاستقلال". يحقّ له ما لا يحقّ لغيره الإحتلال المغربي هزّ الدنيا ولم يقعدها بسبب زيارة دي ميستورا إلى جنوب إفريقيا رغم أنّها تدخل ضمن صلاحياته ومقتضيات مهمّته، لكنّه بالمقابل تغاضى عن خرقه هو للقانون الدولي ولميثاق الأممالمتحدة، حيث قام مباشرة بعد انتخابه رئيسا لمجلس حقوق الإنسان الأممي، بتنفيذ خطته لإستغلال هذا المنصب الدولي لخدمة أجندته الضيقة الخاصة المتمثلة في الترويج لموقفه الإستعماري في الصحراء الغربية. لقد عمد المغرب بداية هذا الشهر إلى دعوة 14 سفيراً معتمداً لدى الأممالمتحدة في جنيف لزيارة إقليم الصحراء الغربية المحتل، وقد تمّ استغلال الزيارة وهؤلاء السفراء في عملية دعائية إعلامية واسعة النطاق لمحاولة تضليل الرأي العام الدولي، وإساءة استخدام رئاسة المجلس للترويج لإحتلاله غير المشروع للصحراء الغربية. ومثل هذا السلوك المغربي الاستفزازي، يشكّل انتهاكا صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، الذي يعتبر الصحراء الغربية إقليما غير مستقل وبصدد عملية تصفية إستعمار، كما يتعارض مع ولاية رئيس وروح مجلس حقوق الإنسان الأممي التي حددها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤسس للمجلس، والذي يشير إلى الأهمية القصوى "لمبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب"، والحاجة الماسة "لضمان العالمية والموضوعية وعدم الإنتقائية في النظر في قضايا حقوق الإنسان، والقضاء على إزدواجية المعايير والتسييس". لا يضيع حقّ وراءه مطالب وبين حملته المسعورة ضد المبعوث الأممي، واستغلاله لمنصبه على رأس مجلس حقوق الانسان لخدمة مخططه الاستعماري، يتجلى واضحا بأنّ سلوك الاحتلال المغربي لم يتغير طول العقود الماضية، فهو يعتمد الابتزاز والمساومة والتضليل وشراء الذمم وخرق القوانين وتزييف الحقائق من أجل فرض هيمنته على الاقليم الصحراوي. لكن رغم تطاوله الدائم على الشرعية الدولية بأساليبه الخبيثة والماكرة، فإنّ الحقيقة التي فشل المغرب في قلبها، هي الموقف الدولي الذي مازال متمسّكا بدعم حق تقرير المصير بالنسبة للشعب الصحراوي ومساندا لمخطط التسوية الأممي، كما أخفق المغرب في تنظيف صورته التي شوّهتها فضائحه الكثيرة من "مغرب غايت" و«بيغاسوس"، والمجزرة التي ارتكبت في حق المهاجرين الأفارقة في مليلية في جوان 2022، إلى الحصار والطرد الممنهج للمراقبين الدوليين، ومسلسل الإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في الاقليم المحتل والموثقة من قبل المنظمات الدولية. ويبقى الأكيد، أنّ المغرب سيفشل في كلّ المعارك التي يخوضها للسيطرة على الصّحراء الغربية سواء تعلّق الأمر بالمعارك المسلّحة أو الدبلوماسية، ببساطة لأن قضيته باطلة من الأساس، وهو ليس صاحب حقّ. في المقابل، ورغم التحديات والمصاعب التي يواجهونها، فإن الصحراويين الذين يستعدون للاحتفال بالذكرى 48 لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الذي يصادف يوم 27 فيفري من كل عام، مصرّون على مواصلة الكفاح بكلّ الطرق والوسائل من أجل استعادة أرضهم وبناء دولتهم، والحقّ سيعود إلى أصحابه مهما طال الزّمن.