الآبار الإفريقية تروي الظمأ العالمي للطاقة سونطراك.. استثمارات عابرة للقارات تواصل سونطراك حصد الاتفاقيات والعقود، بتجربة ستينية ومخطط خماسي 2024-2028 رصد ما يزيد عن 50 مليار دولار للاستثمارات، 70 % منها موجهة للنشاط الاستكشافي، ومن إمضاء فروعها بالخارج، وبإطارات عالية الكفاءة والتكوين، وبرامج متطورة التقنيات.. على الصعيد القاري، تتواجد سونطراك من خلال فرعها الاستكشافي "سيباكس"، بكل من النيجر، الموزمبيق، كينيا، مالي، تونس، موريتانيا، وليبيا أين قامت، السنة الماضية، بإبرام ملحق لاستئناف نشاطها بالمنطقة. أما على الصعيد العالمي، فقد تمكنت سونطراك من أن تكون المورد الموثوق لأوروبا متخذة من ايطاليا معبرا مركزيا لغازها، بينما تسجل بأمريكا اللاتينية حضورها القوي بدولة البيرو، بمصداقية عالمية، ونشاط متميز يخضع لمعايير الجودة المعترف بها دوليا، لتكون محركا طاقويا عالميا، وموردا طاقويا يدعم الاقتصاد الوطني، ويضمن السيادة الطاقوية. تطرق الخبير الدولي في الشؤون الطاقوية، بغداد مندوش، إلى الرؤية الاستشرافية الاستثمارية للشركة الجزائرية للمحروقات "سونطراك" بالخارج، لا سيما بدول الجوار فيما تعلق باستكشاف، إنتاج، وتسويق البترول والغاز، حيث تمتلك سونطراك باعا طويلا وصيتا عالميا يترجمه تواجد الاستثمارات الجزائرية في الخارج من خلال عملاقها الطاقوي "سونطراك"، منذ أكثر من 30 سنة، وخص المتحدث بالذكر كل من الجارتين تونس وليبيا ودول الجوار ممثلة في مالي، النيجر والموزمبيق، كما تعدت الاستثمارات الطاقوية الجزائرية حدودها القارية لتصل القارة الأوروبية بكل من إيطاليا، وانجلترا، وعلى الرغم من اختلاف أشكال وميزانية هذا التواجد، إلا أن "سونطراك" قد نجحت في تحقيق مصداقية وموثوقية عالمية من خلال خبرتها الطويلة ووفائها بالتزاماتها التجارية. باعٌ طويل وصيت عالمي وتناول بغداد مندوش الاستثمارات الطاقوية الجزائرية خارج حدودها بالتفصيل، مبتدئا بانجلترا، أين أسست "سونطراك" سنة 1989، فرعا لها يحمل تسمية " أس. بي. سي لندن" متخصصة في تسويق منتجاتها من البترول والغاز والمنتجات النفطية بالقارة الأوروبية، عن طريق عقود قصيرة المدى والأسعار المعمول بها ب«سبورت ماركت"، في مرحلة أولى، ثم بالقارات الخمس في مرحلة ثانية. أما على المستوى القاري، فتمتلك سونطراك شركة مختلطة مقرها الاجتماعي بطرابلس، تنشط في مجال البحث والاستغلال والإنتاج، منذ أكثر من 25 سنة. ودائما وفي إطار الإستراتيجية الخارجية للعملاق الطاقوي الجزائري، تتواجد فروع جزائرية لسوناطراك بكل من إسبانيا وإيطاليا، كما تحتضن الشقيقة تونس مناصفة مع الجزائر بنسبة 50% شركة مختلطة، متخصصة في الاستكشافات الطاقوية. كما أبرمت سونطراك سنة 2015، بحقل "غدامس"عقد شراكة بصيغة "تقسيم الإنتاج" مع الشركة الليبية للبترول والغاز، وهي الصيغة القانونية للعقود المتداولة بأكثر من 90% من البلدان المنتجة للبترول والغاز، إلى جانب مشاريع أخرى على الحدود الجنوبية الجزائرية-الليبية، تحديدا بالقطع 65، 95 و96 بحسب التسمية المعتمدة بمجال الاستكشافات النفطية. حيث أوكلت مهمة الاستكشافات بتلك المناطق قبل سنة 2015 إلى شركة فرعية لسونطراك، لتقرر هذه الأخيرة بصفتها مشرفة رئيسية على عمليات البحث والاستكشاف والحفر والإنتاج - بحسب بنود العقد الذي يجمعها بالشريك الليبي- تابع المتحدث بخصوص الشراكة الجزائرية الليبية، ليشير إلى أن المتعامل الجزائري سونطراك قام بحفر أول بئر للبترول، وحقق نتائج ايجابية ومشجعة على متابعة الاستكشافات بالقطع المتبقية، إلا أن الظروف الجيو-سياسية التي مرت بها الشقيقة ليبيا، تسببت في شلل كلي له، مما أدى إلى توقف الاستثمارات سواء الداخلية والأجنبية في ليبيا. لتعود من جديد سنة 2023، بعد أن استعادت الشقيقة ليبيا استقرارها واستأنفت استثماراتها الاقتصادية، من خلال إبرام ملحق للعقد المبرم سابقا، يتم بموجبه تمديد مدته - بالنظر إلى الحالة القهرية التي فرضت توقف النشاط، بحسب ما تضمنته بنود الملحق. استكشافات تعزّز الرصيد النفطي القاري ومن تونس إلى ليبيا إلى العمق الإفريقي، ترسخ سونطراك بصمتها كعلامة فارقة في مجال المحروقات، واصل بغداد مندوش استعراض حصيلة سونطراك الاستثمارية عبر مراحل تاريخية لها وزنها وثقلها على المستوى القاري، متوقفا عند الجارة النيجيرية على الحدود الجنوبية الجزائرية، حيث حققت سونطراك من خلال طاقمها الاستكشافي، أول اكتشاف لأول بئر نفطي سنة 2019، بلغ التقييم الأولي لمخزونه 400 مليون برميل/سنويا، يليه بئر ثان بقيمة مخزون تصل إلى 100 مليون برميل/سنويا، ما يبشر بمستقبل نفطي واعد بالمنطقة. وعلى الجنوب الغربي، تتفاوض الجزائر حول مشاريع استكشافات ستشكل شراكات مربحة مع موريتانيا، في انتظار صدور القرار بمباشرة عمليات الحفر في المستقبل القريب. كما تتواجد سونطراك بكل من أنغولا والموزمبيق. وركز بغداد مندوش في تدخله حول الانجازات الطاقوية الجزائرية بالقارة الإفريقية، على الأنبوب الكبير الذي يصل حاسي رمل بنيجيريا، المسمى "Trans Saharien Pipeline ". بالإضافة إلى الشراكة الجزائرية بأمريكا اللاتينية، تحديدا بدولة البيرو، أين تملك أسهما معتبرة بمشروع أنبوب لنقل الغاز، إضافة إلى أسهمها بمشروع يعود عمره إلى أكثر من 20 سنة، بلغت عائداته سنة 2022، 60 مليون دولار. الاستثمار العالمي.. الانطلاقة من إفريقيا في السياق، استشهد الخبير الطاقوي بالإحصائيات المقدمة من طرف وزير الطاقة، محمد عرقاب، حول المخطط التنموي الخماسي لشركة سونطراك 2024-2028 الذي رصد ميزانية تقدر ب50 مليار دولار، سيوجه 70 % منها إلى النشاط الأساسي للشركة الجزائرية للمحروقات المتمثل في الاستكشافات والإنتاج النفطي. كما خصص مبلغ 442 مليون دولار، ضمن المخطط التنموي، للاستثمارات النفطية الجزائرية بالخارج، مع إعطاء الأولوية للمشروعين الليبي والموريتاني المتواجدين في مرحلة الحفر. وعلى سبيل التذكير، أوضح المتحدث أن الاستكشافات السالفة الذكر، من إمضاء الشركة الفرعية لسونطراك "سيباكس"، التي توظف إطارات بخبرة طويلة وكفاءة عالية في مجال الاستكشاف والإنتاج النفطي، تلقوا تكوينا على مستوى الدراسات العليا في الجيوفيزياء، الجيولوجيا والتسويق الغازي، كما تتمتع الإطارات التي تعوّل عليها سونطراك بتكوين عال في القانون التجاري والصفقات الدولية خاصة ما يتعلق بإبرام العقود والاتفاقيات التجارية العالمية، ضمانا لمصالح الشركة الجزائريةالمالية والقانونية. وقال مندوش إن إستراتيجية سونطراك، تندرج في إطار رؤيتها الاستشرافية المستقبلية، لتحقيق الريادة وخوض المنافسة العالمية على شاكلة كبرى الشركات البترولية العالمية مثل "توتال إينرجي"، 'إيكزو مبايل"، "ريبسون"، "إيني الايطالية". وأضاف إنها إستراتيجية تندرج ضمنها البنى التحتية المتعلقة بإنتاج ونقل الغاز، حيث لا يمكن الحديث عن إنتاج وتسويق المحروقات بالجزائر، دون التطرق إلى عملية النقل عبر الأنابيب، وأشار المتحدث إلى أنبوب الغاز العابر للصحراء الرابط بين نيجيريا، النيجروالجزائر الذي بلغ مرحلة متقدمة من الدراسات، مؤكدا أن إنجاز هذا المشروع ودخوله حيز الاستغلال الفعلي سيجعل من الجزائر مركزا طاقويا، وممونا موثوقا لأوروبا بالغاز الطبيعي، حيث تعتبر إيطاليا جسرا نحو ألمانيا والنمسا بحكم الحدود الجغرافية المشتركة. واستئنافا للحديث حول إستراتيجية سونطراك الاستثمارية، قال الخبير الطاقوي إن هذه الأخيرة تعتمد أساسا على تجديد خزانها من البترول والغاز بالتعاون مع شركائها الأجانب خاصة من بني إقليمها القاري من دول الجوار، كما تعتمد نفس الإستراتيجية على تعزيز ورفع إنتاج الجزائر من البترول والغاز ورفع كمياتهما الموجهة للتصدير حيث تستفيد دول جنوب أوروبا، خاصة إيطاليا التي ستستفيد من تموين بالغاز الجزائر يصل إلى 27 مليار متر مكعب. ويولي المخطط التنموي الخماسي لسونطراك أهمية بالغة للصناعات التحويلية البتروكيماوية، من أجل تحقيق أقصى استغلال للإنتاج من البترول والغاز. التكوين ومعالجة البيانات.. من جهة أخرى، تمثل سونطراك موردا يعوّل عليه في إنعاش وتمويل الخزينة العمومية من العملة الصعبة من خلال عائدات صادراتها، فزيادة على التوجه الاقتصادي للجزائر الجديدة وفق الرؤية الاستشرافية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، المبنية على تنويع وتعزيز الصادرات خارج المحروقات لدعم مداخيل الخزينة العمومية، فإن عائدات الجزائر من المحروقات – يقول مندوش - تبقى موردا مهما لاستقرار وأمن الخزينة العمومية. وأرجع الخبير الطاقوي نجاح سونطراك، إلى اهتمامها بالتكوين، والتركيز على المورد البشري كطرف أساسي ضمن معادلة تحقيق الأهداف المسطرة، حيث تعكف على تكوين إطاراتها على مستوى مؤسساتها الفرعية، بالخصوص المعهد الجزائري للبترول الذي يتمتع بمستوى أداء عال في التكوين في مجال المحروقات ومناجمانت الصناعات الغازية والبترولية، وهي تخصصات تستقطب اهتمام الدول الإفريقية من أجل رسكلة إطاراتها وتكوين إطارات جديدة، حيث يحصي المعهد الجزائري للبترول ضمن رصيده التكويني، عددا معتبرا من الطلبة الأفارقة من ليبيا، أنغولا، الغابون، والنيجروموريتانيا، كما قام المعهد الجزائري للبترول بإبرام عقد شراكة مع الشركة النفطية الموريتانية لتكوين إطاراتها. ولمشاريعها المستقبلية التي تندرج ضمن إستراتيجيتها الخارجية، سطرت سونطراك خلال السنوات المقبلة برنامج تعاون من خلال صفقات تم إبرامها مع كل من موريتانيا، ليبيا والنيجر، ستقوم بتجسيده شركتاها الفرعيتان، "أونازيو" المختصة في الاستكشاف بامتلاكها ل10 ورشات، مستعينة في ذلك بأحدث التقنيات في الاستكشاف ومركز لتحليل البيانات عبر برنامجي "بروماكس" المتطور و«أوميغا" المستعملين في برنامج "Data Processing " المختص في الاستكشاف، بمركز الشركة الفرعية "إيناجيو " المتواجد ببومرداس الذي يضم مهندسين تلقوا تكوينا عاليا بالولايات المتحدةالأمريكية. وفي سياق متصل، يتوقع الخبير الطاقوي أن تبرم سونطراك، عبر شركتها المختصة في الاستكشاف "سيباكس"، عقود شراكة مع المؤسسات البترولية والغازية بالموزمبيق، موريتانيا، ناميبيا، كينيا، نظرا لاستكشافاتها خلال ال15 سنة الأخيرة. التزام بالمعايير الدولية المعتمدة وتكملة للحديث عن انجازات سونطراك في مجال استثماراتها الخارجية، ونظرا لارتباط نجاحها وتسويقها عالميا بمدى احترامها لمعايير الجودة المعتمدة عالميا، قال محدثنا إن سونطراك تمتلك شهادة اعتراف معيار أو "إيزو 17.020" و«إيزو 50.000" المتعلقة بالتحول الطاقوي و«إيزو 50.001" المتعلقة بمناجمنت المؤسسات، و«إيزو 7929" المتعلقة بمكانيزمات المراقبة إضافة إلى ميثاق أخلاقيات المهنة، وهو وثيقة داخلية تحدد أخلاقيات مزاولة النشاط المهني على مستوى الشركات التابعة لوصايتها.