سياسة مدمجة ومتكاملة ساهمت في تقليص نسبة البطالة يشكّل التزام رئيس الجمهورية رقم 44 المتعلق بترقية والنهوض بقطاع التشغيل، والسعي إلى تخفيض البطالة بنسبة كبيرة خصوصا وسط فئة الشباب، المنطلق الأساسي للسياسة الوطنية المنتهجة من قبل الحكومة للتقليل من الظاهرة، وإعداد آليات وأجهزة جديدة لامتصاص اليد العاملة المؤهلة خصوصا منهم خريجي الجامعات ومراكز التكوين المهني، عن طريق تشجيع المبادرات الاقتصادية وغرس فكر المقاولاتية، ومرافقة حاملي الأفكار المبتكرة على إنشاء مؤسسات ناشئة ومصغرة تساهم في إنتاج الثروة ومناصب الشغل، والعمل على تحيين المنظومة التشريعية بإعداد قانون استثمار جديد. تشكّل الأرقام الإيجابية المحقّقة في الميدان التي أعلن عنها قبل أيام وزير التشغيل والضمان الاجتماعي، فيصل بن طالب، المتعلقة بتوجيه قرابة 320 ألف شخص مستفيد من جهاز البطالة إلى عالم الشغل منهم 30 ألف بمناصب قارّة، مع إدماج أكثر من نصف مليون مدمج بالنسبة للمستفيدين من جهاز المساعدة على الادماج المهني، وفق نظرة الخبراء، ثمرة سياسة التشغيل الجديدة التي تبنّتها الحكومة وفق تصور برنامج رئيس الجمهورية، الذي قدّم الخطوط العريضة وخارطة طريق متكاملة تسعى الى ترقية القطاع، ومحاربة ظاهرة البطالة وتقليصها إلى الحد الأدنى، وهذا بانتهاج مقاربة شاملة ترتكز أساسا على البعد الاقتصادي بتشجيع الشباب وحاملي الشهادات على تبني الفكر المقاولاتي، وإنشاء حاضنات الأعمال بالجامعات لتأطير حاملي الأفكار المبتكرة. وقد كان من ثمرة هذه السياسة الجديدة المنتهجة في ميدان التشغيل بالجزائر القرار الوزاري رقم 1275 الخاص بشهادة جامعية، مشروع مذكرة، مؤسّسة ناشئة الذي بدأ يستقطب الطلبة الجامعيين المقبلين على التخرج من أجل تجسيد افكارهم المبتكرة في الميدان، وأغلبها مرتبطة بالقطاعات التكنولوجية الحديثة التي تتماشى مع التحول الاقتصادي المبني على اقتصاد المعرفة والذكاء الصناعي، وهذا تجسيدا للالتزام رقم 41 المتعلق بجعل الجامعة إطارا للتعليم والتنمية والابداع عن طريق تطوير أقطاب الامتياز بالشراكة مع المؤسسات الاقتصادية، وتشجيع فكر المقاولاتية وسط الشباب الجامعي، حيث تشير الأرقام المقدمة من قبل المشرفين على هذه الحاضنات عن تسجيل أزيد من ألف براءة اختراع لمشاريع جديدة، منها 300 مؤسسة تحصلت على وسم "لابال"، ومناقشة أكثر من ألفين مذكرة تخرج خاصة بمؤسسة ناشئة استعدادا لولوج عالم الشغل والاستثمار، واستقطاب رؤوس الأموال واليد العاملة المؤهّلة. كما أدّت باقي الأجهزة الأخرى الكلاسيكية منها الوكالة الوطنية للتشغيل منذ إنشائها سنة 2006، دورا كبيرا في إعادة تنظيم وهيكلة سوق الشغل بفضل أجهزتها المستحدثة، منها جهاز المساعدة على الادماج المهني الموجّهة لعدد من الفئات المهنية منها فئة الشباب من حاملي الشهادات الجامعية، فئة خريجي التعليم الثانوي ومراكز التكوين وفئة الشباب بدون تكوين أو تأهيل، وذلك بالموازاة مع الدور الكبير الذي أدته باقي الأجهزة المرافقة لإنشاء مؤسسات مصغرة بداية من وكالة "أنساج" (أناد حاليا) إلى وكالة تسيير القرض المصغر "أنجام" الموجه بالخصوص للمرأة الريفية والماكثة بالبيت والأسرة المنتجة بصفة عامة ووكالة التأمين على البطالة، وكلها ساهمت في إنشاء عشرات المؤسسات والمقاولات التي تساهم حاليا في دعم الانتاج الوطني المحلي وتوظيف اليد العاملة العاطلة. القطاع الاقتصادي..رهان مستقبلي بديل للوظيفة العمومية نظرا لما يمثّله القطاع الاقتصادي في تجسيد السياسة الجديدة للتشغيل بالجزائر، التي تعرف حركية اقتصادية كبيرة ومشاريع هامة استثمارية وتنموية بفضل الاستثمارات الجديدة في مختلف القطاعات المنتجة للثروة، والاستفادة من الطاقات الهائلة والكفاءات المتخرجة من الجامعات، فقد شدّد رئيس الجمهورية في برنامجه على ضرورة مضاعفة فرص الشغل التي يوفرها القطاع الاقتصادي لدعم مجهودات قطاع الوظيف العمومي، الذي يقوم بامتصاص سنويا عشرات الأيدي العاطلة خصوصا بالنسبة للإطارات الجامعية المتخرجة، من أهمها قرار إدماج حوالي 60 ألف أستاذ متعاقد بسلك التربية الوطنية، و10 آلاف أستاذ جامعي في قطاع التعليم العالي السنة الماضية. مع التوجه أيضا نحو إعادة هيكلة أجهزة المساعدة على الادماج المهني والتشغيل بإنشاء آليات جديدة ترتكز أساسا على البعد الاقتصادي في معالجة البطالة عن طريق تشجيع الفكر المقاولاتي، وإنشاء مؤسسات مصغرة ومنح تحفيزات جبائية للشركات العمومية والخاصة لتوظيف الشباب البطال، إلى جانب عدة إجراءات أخرى مرافقة لترقية سوق الشغل، منها قرار استحداث إجازة أو عطلة تصل الى 18 شهرا لفائدة الموظفين بالإدارات العمومية من أجل القيام بتجربة جديدة في مجال المال والأعمال الحرة في ميدان الخدمات والأنشطة الاقتصادية والاستثمارية التي توفرها السوق الاستهلاكية الجزائرية الواعدة. في الأخير يمكن القول إنّ سياسة التشغيل التي تبنّتها الجزائر اعتمدت على مقاربة شاملة ومدمجة مع عدة قطاعات حيوية كقطاع الصناعة والاستثمار، الفلاحة، السياحة، الأشغال العمومية وغيرها، إلى جانب قطاع التكوين المهني الذي يلعب هو الآخر دورا كبيرا في تكوين وتأهيل الحرفيين الناشطين في قطاع الصناعة التقليدية، وأيضا تكوين المستفيدين من منحة البطالة، مع تحيين المنظومة التشريعية والقانونية المتعلقة بقانون الاستثمار الجديد وآلياته التطبيقية وإطلاق منصة المقاول الذاتي، واستمرار سياسة تطهير العقار الصناعي على مستوى الولايات، ورفع القيود على أكثر من 3 آلاف مشروع اقتصادي مكّن من توفير أزيد من 80 ألف منصب شغل، حسب الأرقام المقدمة من قبل وزير التشغيل، وتنصيب 481 ألف شخص في مناصب شغل دائمة في القطاع الاقتصادي العام والخاص.