تشهد العديد من القرى بتيزي وزو تنظيم سهرات عائلية خاصة بالنساء فقط، أين تتحوّل المنازل التقليدية التي أعيد تهيئتها إلى فضاء تسترجع فيه عادات وتقاليد الأجداد، والتي احتضنتها لقرون طويلة هذه المنازل التقليدية التي تفرّد ساكنوها بإحياء عادات خاصة بالمنطقة بعيدا عن ضجيج المدينة وزحامها. مع عدم قدرة العديد من العائلات للتنقل الى المدينة في الساعات الليلية وحضور السهرات الرمضانية الموسيقية التي تقام على مستواها، وهذا لبعد المسافة وعدم توفر وسيلة للنقل، بحثت النسوة عن فضاءات خاصة بهن من شأنها أن توفر لهن أجواء من المرح والفرح، بعد ساعات من الصيام والانتهاء من اشغال المنزل، لتكون وجهتهن المعتادة المنزل التقليدي الذي يحتضنهن بعيدا عن الأنظار، حيث يقمن بتحضير مختلف المشروبات الغازية وطهي الشاي والقهوة، الى جانب تحضير مختلف الحلويات التي يكثر عليها الطلب في شهر رمضان "الزلابية، قلب اللوز وأنواع أخرى"، كل ذلك لقضاء سهرة رمضانية ممتعة تطغى عليها الضحكات والأحجيات التي تنسيهن عناء اليوم، وتخلق لهن جوا خاصا بهن رفقة "آلة البندير" والأغاني الشعبية التي تتفنّن حناجرهنّ بعزف أجمل السيمفونيات الموسيقية الخاصة بمنطقة القبائل، والتي يطلق عليها اسم "اورار نلخلاث". قرية الساحل ببوزقان إحدى هذه القرى التي أعادت نساءها الرونق لهذا الفن الشعبي "اورار نلخلاث" بعدما اندثر لسنوات طويلة، والذي عززته مسابقة الغناء الشعبي الامازيغي بدار الثقافة مولود معمري، لتعود معه عادات وتقاليد القرى خاصة مع تبني النسوة لهذا الفن، وعودتهن الى الميدان بتشكيل العديد من الفرق الموسيقية التي تشارك في مختلف التظاهرات الثقافية بتيزي وزو، وبعودة هذه الفرق الموسيقية الخاصة بالغناء الشعبي الامازيغي أعادت معها النسوة السهرات الرمضانية داخل القرى. وتتّفق النسوة في قرية الساحل بعد ارتداء أجمل الجبات القبائلية والحلي والمجوهرات الفضية كأنّهن عروسات في ليالي رمضان، على الالتقاء بعد الافطار ونهاية صلاة التروايح، في إحدى المنازل التقليدية التي أصبحت تعد على الاصابع داخل القرى بإحضار أشهى الحلويات والمشروبات، الى جانب إحضار آلتي "البندير والدربوكة" التي تعتبران من الآلات الموسيقية الاساسية لإحياء هذه السهرات التي تكون نسوية بامتياز، والكلمة الأولى والأخيرة تعود للمرأة فهي الجوق الموسيقي والمغني، وهذا ما يزيد من جمال هذا النوع الفني الذي تبدع فيه المرأة، ويزيد أيضا من رونق هذه السهرات التي تجتمع فيها النسوة بحضور الفتيات الصغيرات وهذا لتوريثه لهن. على بعد مسافات طويلة وبين أزقة قرية الساحل الجميلة، والتي تربعت على عرش الجمال والنظافة في تيزي وزو، تسمع ترانيم موسيقية مرفوقة بالبندير والدربوكة لتخرج أجمل الوصلات والأغاني التي تحمل معاني ومظاهر الحياة اليومية للمرأة في منطقة القبائل، والتي تترجم معاناتها ويومياتها وسط الحقول والاشغال المنزلية عبر كلمات ملحنة فقط بالحناجر، فغنّت للفرح، للحب، للوحدة، للغربة، للظلم وللمعاناة، وهذا ما عزز من هذا النوع الموسيقي الذي تحول مع مرور القرون الى وسيلة تعبيرية تنفس من خلاله المرأة عن مكنوناتها، وتمسكت به وحافظت عليه من الاندثار بالرغم من رياح العصرنة التي عصفت به وكادت أن تطفئ شمعته. سهرات رمضانية خاصة بعودة الفرق النسوية عاد هذا الفن الشعبي الأمازيغي، الذي أصبح يزين الليالي الرمضانية في منطقة القبائلية، والذي يسمع صداها بين جدران المنازل القديمة التقليدية التي جعلت منها الفرق النسوية فضاءات موسيقية يقضين فيها سهراتهن الرمضانية في أجواء ملؤها الفرح والسعادة والضحكات التي تسمع على بعد مسافات. السهرات الموسيقية النسوية تمتد في غالب الاحيان الى السحور، وتتخللها الأحجيات وإلقاء الأشعار الملحونة والشعبية عن مختلف الحقب التاريخية ومختلف مراحل الحياة، وهذا ما أعاد تقاليد وعادات الأجداد الى الواجهة لتحفظ من الاندثار عبر التناقل بين الأجيال، كما أنّها خلقت فضاءات للترفيه والمرح بعيدا عن ضجيج وصخب المدينة، لتحصر داخل القرى المعروفة بخصائصها الفريدة من نوعها، ونمط حياة مغاير بالمقارنة بمختلف ولايات الوطن.