انزلق الوضع في سوريا إلى ما لا يحمد عقباه في ظل تصميم الجماعات المسلحة على الدفع بزهرة الشام إلى محرقة تأتي على الأخضر واليابس وذلك باغتيال العلامة محمد سعيد رمضان البوطي الذي لم يتوقف عن الدعوة بلسان مسالم ولا يهادن أي من الأطراف لوقف الفتنة وقطع دابرها بالرجوع إلى الضوابط والجلوس حول طاولة الحوار المفتوح والبناء بعيدا عن أي نزعة لإلغاء الآخر أو ابتزازه وجعل المصلحة العليا للشعب السوري فوق كل اعتبار بعيدا عن الوقوع في كماشة قوى دولية إقليمية وعالمية لا تتأخر عن الدفع بالأوضاع في سوريا إلى مزيد من التأزم وتكريس الفرقة والتشرذم والضياع واستنزاف القدرات الإستراتجية لبلد يقف على خط مواجهة أعتى كيان استدماري وعنصري غرسته قوى الشر في خاصرة الوطن العربي. سقط الرجل في سن متقدمة وسط جمع من المؤمنين ومعه حفيده وهو يواصل مهمته التي التزم بها طوال حياته في نشر ثقافة التسامح وتنمية القيم الإنسانية في بلاده وعبر العالم الإسلامي الذي يتخبط عدد من بلدانه في ظلمات الإرهاب، فاستباحته عصابات التقتيل والتخريب مدفوعة من قوى الشر التي لا يهدأ لها بال حتى تغرق البلدان العربية في أتون حروب داخلية فتقد الثقل وتخسر الموارد ولن تصل بالشعوب إلى ما تتمناه جيلا بعد جيل من رفاهية وتحضر وتقدم يكون فيه الإنسان الحلقة الجوهرية غير قابل للخضوع لأي كان. ضربة قوية تلقاها الإسلام الوسطي في تلك البقاع المتداخلة دينيا وعرقيا وثقافيا باستهداف هذا العلامة الذي انتصر وبوضوح إلى خيار الدفاع عن وطنه وشعبه وعدم الاستسلام لجماعات يجهل برنامجها ولا تخشى إهدار دماء الأبرياء، فراحت تعيث في الأرض فسادا تنشر الخراب وتستبيح أعراض الناس مخيرة إياهم بين التهجير القسري أوالخضوع للأمر الواقع المخالف للدين الإسلامي الذي لا يقبل موالاة الخارجين عن الملة والمناصرين للصهيونية التي تواصل مشروع تهويد أولى القبلتين وثالث الحرمين القدس الشريف ضاربة عرض الحائط بكل الشرائع والأديان في قتل الشعب الفلسطيني وتعذيبه وإبادته. لقد دفع ثمن حرصه على أن يكون الإسلام كما هو في الأساس دين محبة وتسامح وحوار محذرا من المخاطر المحدقة بالأمة العربية الإسلامية في ظل انتشار تيار العمل المسلح لزعزعة المجتمعات مستفيدا من شلة فقهاء وعلماء تنكروا للمنطق وسقطوا في المحظور بالدعوة للعنف وإهدار دم من يعارض مشروعهم المخالف لمسار تاريخ الشعوب الإسلامية بتحالفهم مع من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء في العراق وفلسطين ومناطق أخرى أعادوها إلى الجاهلية الأولى وهو ما لم يتوان الراحل في التنبيه إليه والتحذير من الأبعاد المدمرة لدعاة الفوضى والشرق الأوسط الكبير. ولم يكن بالأمر الغريب عمن هو ضليع بشكل متميز في شؤون الدين والسياسة أن يجسد دور إمام بلاد الشام فبقي وفيا لنفسه إلى النهاية متموقعا في الصفوف الأولى في رد الهجمة التي تدار على بلده وشعبه دون استكانة أوتهاون في فضح المؤامرة وبقي صوته مدويا وسط القصف والتفجيرات محاولا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من فرص عودة العقل إلى الساحة الدمشقية، فيستفيق من استدرج إلى تلك المغامرة التي لا تخدم مصلحة سوريا وشعبها بكافة أطيافه ليعود إلى خيار الحوار باتجاه إرساء التغيير من خلال التحول الديمقراطي المتوازن والقائم حقيقة على الاختيار الحر والنزيه لجميع أفراد الشعب السوري بعيدا عن الضغط أو التهديد أو الابتزاز. ولأنه كذلك وفي لمبادئه مهما كان الصخب والسخط حوله سجل كان للرجل موقفه المشهود تجاه الجزائر دولة وشعبا بحلوله عل أرضها بكل إقدام واطمئنان في سنوات مضت محاضرا ومحاورا في إطار الملتقيات الإسلامية ذات نوعية عالية كما رفض بصوت عال ما تعرضت له الجزائر خلال العشرية السوداء التي قاوم فيها الشعب الجزائري الإرهاب رافضا أن يكون وسيلة للوصول إلى السلطة وأن إرادة الشعب هي الأقوى، كما ثمن البوطي إمساك الجزائر بالمصالحة الوطنية والوئام كخيار حاسم لتجاوز مرحلة العنف، فكان حقيقة أقرب للجزائر التي تأثرت على كافة المستويات لاغتياله بطريقة متوحشة وغادرة رحمه الله.