تتوفّر الخزائن الشعبية بتندوف على كم هائل من المخطوطات والوثائق التاريخية الهامة لاسيما بخزائن حي ''الرماضين'' لدى أسرة ''أل العبد'' أو ب ''موساني'' لدى عائلة ''أل بلعمش''، أو ما هو بحوزة سكان البدو الرحل بالحقائب الجلدية القديمة. وتتشكّل خارطة الموروث الثقافي اللامادي من وثائق على قدر كبير من الأهمية كطرق تقسيم التركة وأساليب التعامل والتعاون بين مختلف أفراد المجتمع، فضلا عن الجوانب الفقهية والدينية مثل المصاحف الفريدة والكتب النادرة.ونظرا لأهمية الموضوع في تكوّن الذاكرة الجماعية للمجتمع التندوفي، زرنا بعض ملاك المخطوطات عبر نقاط مختلفة من المدينة، وأطلعنا على واقع تلك المخطوطات الثمينة التي ما تزال في حاجة إلى الرعاية والاهتمام، رغم ما عرفته في فترة التسعينيات من عمليات الترميم والمعالجة من طرف مركز جمعة الماجد بالإمارات العربية، الذي أوفد آنذاك فرقة علمية لحماية هذا التراث الفكري الهائل، بالإضافة إلى جهود متفرقة من هنا وهناك لبعض مثقفي المنطقة لبعث مشروع تحقيق بعض تلك المخطوطات ودراستها، ومن هؤلاء الأستاذ خونا أحمد محمود الذي حقق في مخطوط ''شفاء الصدور في فتح مساءلتي المشكور'' لصاحبه العلامة محمد المختار بن بلعمش التندوفي رحمه اللّه، إضافة إلى أعمال أخرى للأستاذ باريك اللّه حبيب وآخرون.إنّ المخطوطات المفهرسة وتلك المحققة تعود لأحقاب زمنية مختلفة من تاريخ الجزائر، وتتناول مجالات شتى من أبرزها الفقه والتاريخ والأدب والفلسفة والفلك والدراسات التراثية. وسمحت هذه الأعمال القيّمة ودور معلمي القرآن وشيوخ الزوايا والمحاضرين من إثراء جوانب مضيئة من التاريخ الوطني، وإبراز دور تندوف في مجال نشر العلوم وأصول المعرفة والعلوم الشرعية والمكانة التي كان يتبوّأها علماء المنطقة على مر العصور وإسهاماتهم القيمة في الحضارة الإنسانية.وقد حدّثنا أحد شيوخ تندوف بأنّهم كانوا يقايضون الكتب النفيسة بقطيع من الإبل، وكانوا يقطعون المسافات الطوال من أجل تلقي المعرفة ونسخ المخطوطات وعلى ظهور الإبل، وهذا يدل فعلا على المكانة الهامة للمخطوطات والدور الكبير الذي لعبه النساخ وخطاطو الكتب النفيسة، مع الدور الذي لعبه الحرفيون من جهتهم في صيانة الكتب والوثائق بواسطة التجليد بجلود الإبل والماعز.ومن أبرز المخطوطات الثمينة التي عثرنا عليها أثناء هذا الاستطلاع عند بعض الأسر والعائلات التندوفية كعائلة ''باليل معروف'' التي ما تزال تحتفظ ببعض مخطوطات والدها المرحوم ''باليل محمد ولد عبد الرحمان'' منها كتاب الخازن بأجزائه الثلاثة، ويتناول علم التفسير، وكتاب ''الصاوي ذو الجلالين'' وفيه أربعة أجزاء يشرح فيه الفقيه الربع الأخير من القران الكريم، أما زاوية بلعمش فتحتوي هي الأخرى موروثا تاريخيا على قدر كبير من الأهمية، منها مخطوط النصيحة لذوي الرسوخ، وشرح إضاءة الدجنة للمقري، ومعرفة المباني في صحة المعاني للمقصد العاني. ومن بين المخطوطات المحققة صدر عمل لمخطوط ''تاريخ ميورقة'' لأبي المطرف احمد بن عميرة المخزومي (582 658ه / 1186 1260م) الذي قام بدراسته وتحقيقه الدكتور محمد بن عمر أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة وهران، وقد تمّت ترجمة هذا الكتاب بإسبانيا إلى اللغتين الاسبانية والكاتالونية على حساب هيئات اسبانية. وفي انتظار ذلك، بات من الضروري إيجاد حلول عاجلة للتكفل الأنجع بهذا التراث التاريخي الهام وصيانته من عبث الزمن ويد الإنسان، وفهرسته، ووضعه في متناول الباحثين وشباب المنطقة من دارسين ومهتمين بتراث الأوائل.