وجدت نفسي مولعا بالسفر نحو ماضي تندوف، ملامسا محطات أثرية قديمة كان لها الفضل في تشكل الذاكرة الجماعية للساكنة، ولإعطاء صورة لواقع تلك الآثار التي جعلت من سكون الأرض مستقرا لها· تعتبر تندوف من المناطق التاريخية والأثرية الهامة، منها ما هو غير معروف· وقد ارتأت ''الفجر'' تسليط الضوء على بعض المواقع الأثرية والتاريخية البارزة في تاريخ المنطقة، والتي تمثل إحدى الشواهد التاريخية لحقبة زمنية خلت· وتضمن كتاب ''تندوف والصحراء الغربية'' عن منشورات معهد باستور بالجزائر لعام ,1952 صورا لبعض الأماكن الأثرية باختصار، والذي تحدث عن المنطقة من خلال روايات رجال المهاريست الذين كانوا يرابطون بمنطقة شمال إفريقيا والمعروفة باسم ''الصحراء الغربية'' طمعا في خيراتها، لكن إرادة سكان المنطقة كانت أقوى من ظلم الإستعمار· وسنحاول في هذا الإستطلاع، إبراز أهم الأماكن الأثرية التي زرناها، وحكايات البدو الرحل المحيطين بها عن أساطير بعضها، وحكايات القبور والنصب الجنائزية· تقع ولاية تندوف في الجنوب العربي من الوطن، انبثقت إثر التقسيم الإداري عام 1984 · تحدها من الشمال المملكة المغربية، من الشمال الشرقي ولاية بشار، ومن الغرب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، من الجنوب الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومن الجنوب الشرقي ولاية أدرار تبلغ مساحتها 158875 كلم مربع، أي ما يمثل 67,6 بالمائة من المساحة الإجمالية للوطن· تتكون من بلديتين، بلدية تندوف مقر الولاية، لها فروع وتجمعات سكانية كغار جبيلات، تففومت، تندوف لطفي، وبلدية أم العسل التي تبعد عن مقر الولاية ب 170 كلم، وتتشكل هذه البلدية من تجمعات سكانية منها حاسي خبي، وحاسي منير· انتشار المواقع الأثرية عبر فضاء الصحراء تتوزع المواقع الأثرية عبر هذا الفضاء المفتوح، مشكلة فسيفساء من التاريخ القديم والمعاصر، والذي تمتزج فيه الحقب التاريخية التي تعاقبت على المنطقة وكذا الشعوب والأمم المختلفة، التي جعلت من تندوف مستقرا ونقطة عبور إلى مختلف مناكب إفريقيا الشاسعة· ولعل من شواهد ذلك النقوشات الصخرية وعلامات الخيل والإبل، وذلك بمنطقة السلوفية الواقعة بتراب بلدية تندوف· ويقول سكان تلك الجهة إن هناك عدة ''سلوقيات''· تعني الكلمة الأرض المنبسطة وهي مكان تواجد الكتابات الصخرية القديمة، وهو ما نراه أيضا عند هضبة أم الطوابع بضواحي بلدية أم العسل، وتحديدا بمنطقة ( تنف وشاي) وهي على شكل قاع بحر بدليل تواجد القواقع البحرية والمستحثات، والموقع ما يزال بكرا لم تحدث فيه أي دراسة، ماعدا زيارات متتالية لفرق البحث لمركز الدراسات التاريخية والأثرية خلال التسعينيات من القرن الماضي· بناءات على شكل هرمي وقلاع في الصحراء الطريف في آثار تندوف المترامية الأطراف في المتحف المفتوح، هو وجود آثار على شكل هرمي بمنطقة واد أزام والمعروفة لدى أغلبية سكان الجهة ب ''دار البرتغيز''، وتعني الكلمة البرتغاليين، ويمثل أحد المعالم الأثرية النادرة والغريبة على حد سواء· وعندما زرناها اكتشفنا أنها دار مربعة الشكل بها مجموعة من البيوت المفصلة بنفس الحجم والمقاس، وتوجد بقايا برجة مصنوعة من الصفائح الحجرية التي يمكن أن يكون الإنسان القديم الذي عمر بالمنطقة قد صنعها وشكلها، والذي امتاز بالقوة وضخامة الجسم· وتوجد إلى جانب ذلك، آثار مختلفة كالقلعة ذات الشكل الهرمي، والمداخل والأبواب المتعددة بضواحي واد الماء ( أم لعشار)· وتحيط بالمكان نصب جنائزية، حيث تشير الحكايات المستقاة من الرحل المتواجدين على ضفاف وحواشي الأودية، أنها قبور الهلاليين الذين كانوا يمتازون بطول القامة، كما توجد على جنبات القبور الدائرية التي ترتفع منها أعمدة حجرية يصل طول بعضها إلى مترين أو أزيد، إضافة إلى تواجد بقايا الجماجم والعظام البالية، تقول الحكاية الشعبية هناك عن وجود متاع وأواني قديمة قد دفنت مع أصحابها منذ عقد من الزمن· شهادات حية من تندوف أكد لنا شيخ بالغ من العمر 85 سنة، أنه سبق لبعض الرحل قديما أن عثروا على صينية أي طبلة، وهي وسيلة لتناول الشاي توضع فوقها الكؤوس والأباريق، إضافة إلى خواتم فضية وبعض المسكوكات· علاوة على كل ذلك، تتواجد معالم كثيرة منتشرة عبر الفضاء الصحراوي، منها القبو الدائرية والنصب الجنائزية، والتي تكثر بين الصخور السوداء وعلى حواف الأودية وعلى المرتفعات المعروفة محليا بالكور أو على مرتفعات لكرب الواقعة بين تندوف وعوينت بلقرع على مسافة 400 كلم، وعلى مستوى منطقة الحنك على مسافة 700 كلم· وتتشكل هذه القبور من الصخور والأعمدة الحجرية المرفوعة على القبر، ويحيط بالقبر جدار من الحجارة المصفحة، وتسمى تلك القبور التي وقفنا عندها بالقبور الدائرية والتي تكثر أساسا بمنطقة عوينت بلقرع والصفيات، كما تشتهر تلك الهضاب بتواجد العديد من القواقع البحرية· كما توجد الكثير من شظايا القدور الدالة على حياة قديمة بالمنطقة· أما المواقع الأثرية والتاريخية بداخل المدينة، فتتجلى في المسجد العتيق، بحي موساني، الذي شيده الولي الصالح محمد المختار بن بلعمش، إضافة إلى مقر الزاوية الشهيرة بالمنطقة وما تحتويه من مخطوطات تاريخية خطها علماء تندوف، ووثائق نفيسة في التاريخ والفيزياء وعلوم الشريعة، فضلا عن وثائق الميراث وضبط العلاقات بين الأسر والقبائل التي عمرت المنطقة، وقد شكلت الزاوية البلعمشية بمحاورها الثلاثة: الزاوية، المسجد العتيق، خزنة الكتب والمخطوطات، أبرز أوجه التراث المحلي لتندوف، ونفس الشيء من حيث تواجد الشواهد التاريخية المادية وغير المادية بدويرية أهل العبد بحي الرماضيين وما تحيط بها من دور تاريخية قديمة منها: دار عيشة مي، وهي ملتقى المجاهدين إبان الثورة التحريرية، وتمتاز بالهندسة المعمارية المتميزة حيث استعمل في بنائها مادة ( الركز) وهي الأرض المدكوكة· وتتواجد بالدويرية دار الضيافة وخزنة الكتب التي كان أهل القصر أوالقصبة ينهلون منها العلم والمعرفة، كما لعبت دار الديماني الوسري بحي القاصبي دورا كبيرا في رسم معالم الثقافة والتاريخ بتندوف، وهي اليوم عبرة عن دار مهجورة ومأوى للخراب· وتمثل كل تلك المواقع الأثرية إحدى المشاهد الهامة التي تعكس الطابع الإجتماعي والنفسي لعقلية السكان المبينة على البساطة والتواضع، وذلك من خلال طبيعة البناء ونمط السكن التقليدي، والذي تضاف إليه الخيمة وما تحتويه من أثاث ومتاع، مثل الخيمة الوبرية المصنوعة من وبر الإبل، أحد الرموز والدلالات التي تعكس حياة أهل تندوف·· وما تزال باقية رغم حالات التمدن والحداثة· وعموما فهذه جولة يمكن أن توصف بالسياحية لمنطقة ما زالت تحكي الكثير من الحكايات والأساطير، كتلك المرتبطة ببحيرة تفاقومت الواقعة على بعد 190 كلم، والتي تمثل أحد أماكن الجذب الساحي لما تتوفر عليه من مياه وطيور مهاجرة، وما يحيط بها من آثار تاريخية تعود إلى حقب قديمة، وتقول الأسطورة أن البحيرة ماؤها عميق، وهي مكان مريح بالنسبة للبدو الرحل يأوون إليها من أجل الراحة والإستمتاع بالهواء وزرقة الماء التي لا توجد إلا في هذه البحيرة النادرة بتندوف والمترامية الأطراف في فضاء شاسع· وقد أخبرنا الشيخ محمد مولود ولدزريبيغ، وهو رجل مهتم بالتراث على دراية بآثار تندوف وتاريخها، عن وجود صخور كثيرة تحمل علامات وحروفا عربية وأمازيغية ورسومات للخيل والنعام، متواجدة بمنطقة نائية على مسافة 800 كلم، إضافة إلى معرفته الدقيقة بتواجد الآثار المادية المتنوعة كالأسهم الحجرية وأدوات الصيد القديمة، وقد ذكر لنا أحد المواطنين القاطنين مناطق لحكال وشنشان، وهي المناطق النائية والأكثر آثارا على اختلاف أشكالها وحقبها، بأنه يعلم أماكن تواجد قطع حجرية غريبة كتبت عليها رموز وأشكال متنوعة·