سجلت الثقافة الجزائرية خارج الحدود تألقا كبيرا خلال سنة 2010 ، كما سجلت رحيل كبار الكتاب والفنانين الذين غيبهم الموت، كما كانت السنة ذاتها نقطة سقوط لعدد من المثقفين والفنانين المصريين، الذي انخرطوا في حملة للسب الجماعي ضد الجزائر والجزائريين، بعد إقصاء المنتخب المصري من التصفيات النهائية المؤهلة لكاس العالم بجنوب إفريقيا. * الجزائر تبكي مبدعيها في الأدب والفن والفلسفة والتاريخ * كانت سنة 2010 سنة رحيل الكبار، حيث فقدت الجزائر أسماء كبيرة وفاعلة في حقل الفن والأدب يصعب كثيرا تعويضها، حيث رحل عن عالمنا أبو الرواية الجزائرية الطاهر وطارو بعد صراع مرير مع المرض، لتفقد بذلك الساحة الإبداعية الجزائرية أحد أهم أعمدتهاو كاتبا ومنشطا ثقافيا متميزا ومبدعا مشاكسا ومناضلا صعب المراس. الساحة أيضا فقدت المفكر الكبير محمد أركون، الذي توفي في الغربة ودفن فيها، ليعيد رحيله إلى واجهة النقاش العديد من الأسئلة المتعلقة بالنقاش الفكري في الجزائر والهوية والتعددية الفكرية والحق في الاختلاف. من جانب آخر فقدت الجزائر أيضا الأكاديمي الكبير عبد الله شريط صاحب الإسهامات المتميزة التي أثرت المكتبة الجزائرية على امتداد سنوات، كما فقدت فقيه الجزائر وعالمها الكبير عبد الرحمان الجيلالي. * فنيا كان مصاب الساحة الجزائرية أيضا كبيرا وثقيلا برحيل عميدة الممثلات العربيات وأول من مشى على البساط الأحمر في مهرجان" كان"، سيدة المسرح الجزائري الممثلة كلثوم، كما رحل أيضا عن عالمنا الممثل القدير العربي زكال، والمطرب الشعبي عبد القادر ڤسوم، وجيلالي عمارنة، صاحب المشوار المميز في فرقة "راينا راي"، وهذا بعد صراع مرير وقاس جدا مع السرطان، حيث أعاد رحيل جيلالي وتوفيق ميميش الذي توقف قلبه عن الخفقان على خشبة المسرح إلى الواجهة النقاش حول وضعية الفنان في الجزائر، الذي ما زال قيد انتظار مشروع خاص به، رغم أن وزيرة القطاع كانت قد أكدت في أكثر من مناسبة أن القانون سيكون جاهزا في 2010 . * بوشارب يحرج فرنسا الاستعمارية ب "خارجون عن القانون" بالقدر الذي كانت فيه خسارات الجزائر كبيرة ثقافيا برحيل كبار كتابها ومبدعيها، سجلت أيضا سنة 2010 عودة قوية للثقافة الجزائرية، وخاصة السينما إلى الساحة الدولية، حيث أحدث فيلم "خارجون عن القانون" لرشيد بوشارب نقاشا حادا وزوبعة إعلامية على إثر ترشحه باسم الجزائر لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان "كان"، وهو الفيلم الذي أعاد الجدل حول الماضي الاستعماري لفرنسا ودفع باليمين المتطرف في باريس إلى التكشير عن أنيابه والتهديد بتفجير القاعات التي تعرض الفيلم، وهي الضغوطات التي كانت أيضا كفيلة بإخراج الفيلم من المسابقة بخفي حنين، ووصلت إلى حد محاولة تشويه صورة المخرج باتهامه بالسرقة الأدبية، قبل أن تسقط التهمة في نهر السين، الشاهد هو الآخر على بشاعة ما ارتكبته فرنسا الاستعمارية، وبرغم ذلك استطاع العمل أن يفتك إعجاب النقاد والمختصين في السينما، واستقبل العمل بحفاوة كبيرة في كل المهرجانات التي عرض بها، وكان أبرزها مهرجان دمشق الدولي، أين افتك العمل جائزة أحسن عمل عربي وجائزة أحسن فيلم طويل. لأول مرة على الشاشات العربية مسلسل "ذاكرة الجسد" يعيد اهتمام العرب بالثورة الجزائرية وفي التلفزيون، سجل عام 2010 إطلالة الجزائر على الشاشات العربية في رمضان الفارط بفضل المخرج نجدة أنزور، الذي حقق حلم أحلام مستغانمي في رؤية روايتها "ذاكرة الجسد" في عمل تلفزيوني يعيد اهتمام العرب بالثورة الجزائرية، وهو العمل الذي قدم أيضا وجها جزائريا لأول مرة في البطولة المطلقة للعمل، وهي الفنانة الصاعدة آمال بوشوشة، التي ترشحت بفضل هذا العمل لجائزة أفضل ممثلة في دور أول من قبل لجنة تحكيم مهرجان ودونيا 2010، وبفضل هذا العمل استطاعت بوشوشة البروز بسرعة وافتكاك مكانة وسط نجوم سوريا وترشيحها لعدة أعمال سينمائية وتلفزيونية. وبالرجوع إلى الفن السابع، فقد واصل هذا الأخير رحلة التألق في المهرجانات الدولية، حيث حصدت سامية مزيان جائزة أحسن ممثلة خلال مهرجان الفيلم الفرانكفوني عن دورها في فيلم" رحلة إلى الجزائر" لعبد الكريم بهلول، ومؤنس خمار افتك جائزة أحسن فيلم قصير في العالم العربي عن فيلمه "العابر الأخير"، وكانت أول جائزة في مشوار المخرج الشاب، فيما تحصل يانيس كوسيم على جائزة مهرجان أميان عن فيلمه" خويا"، وقد تزامنت هذه النجاحات للسينما الجزائرية مع الإفراج عن القانون الخاص بتنظيم السينما في الجزائر، الذي ينتظر مصادقة نواب البرلمان عليه، إلى جانب الإفراج عن القانون المنظم للمركز الجزائري للسينما، كما تم أيضا إنشاء الصندوق الوطني للتراث الثقافي الذي صدر في الجريدة الرسمية. الكتاب.. خلافات وتعيينات ومركز وطني وعلى صعيد آخر وفي قطاع الكتاب تم الإفراج عن المركز الوطني للكتاب وتعيين حسان بن ضيف مديرا عاما له، في انتظار مباشرة العمل الفعلي للمركز الذي أوكلت له مهمة التخطيط لسياسية الكتاب في الجزائر، وفي نفس السياق وبعد سنتين من تنحية أمين الزاوي من على رأس المكتبة الوطنية تم تعيين الوزير الأسبق عز الدين ميهوبي لتسيير المكتبة، ويواجه الشاعر رهان إعادة البريق إلى المكتبة، التي نجح الزاوي في تحويلها إلى ملتقى للمثقفين يوميا. وبالموازاة مع إطلاق مشروع مخطط وطني للمكتبات ومواصلة سياسية دعم الكتاب تواصل في الجزائر انحصار المكتبات وتقلص فضاءات النقاش، حيث اختفى فضاء "نون" الذي كان مخصصا للقاءات الفكرية أسبوعيا، كما اختفت فضاءات أخرى مماثلة في العاصمة، فيما كانت سنة 2010 بالنسبة للناشرين صعبة بعد سلسلة المشاكل الداخلية التي عرفتها، وذلك ما أفرز إنشاء هيئة أخرى للناشرين أطلق عليها اسم "الفوراد" للناشرين، أيضا سجلوا سنة صعبة بعد أن تأخرت الوزارة عن دفع مستحقاتهم المالية الناتجة عن برامج الدعم المخصص للكتاب، زيادة على الخلافات التي نشبت بين الناشرين ومحافظ معرض الجزائر إسماعيل أمزيان بعد قرار مقاطعة الناشرين المصريين والإصرار على تنظيم المعرض في خيمة5 جويلية. فضائح وسرقات أدبية وفرار الراقصين في كندا أدبيا كان عام 2010 عام ترشيح 6 أعمال جزائرية لجائزة البوكر العربية لتبقى رواية واسيني الأعرج "البيت الأندلسي" وحدها في السباق الذي قادها أيضا للترشح لجائزة أفضل كتاب عربي، وإن كانت رواية واسيني قد خرجت من الترشيح مبكرا وبخفي حنين، لكنها كانت كافية لفضح بؤس الساحة الثقافية عندنا، التي ما تزال تدار بطريقة النميمة والضرب تحت الحزام، حيث اندلعت النقاشات بين عدد من الكتاب اتسمت بالسب والشتيمة المبطنة، ليس حول قيمة الأعمال، لكن في سب فلان وعلان، وهي الظاهرة التي كشفت أن بعض الذين كانوا ينتقدون المرحوم الطاهر وطار كونه كان زعيم النميمة الثقافية، كشفوا أنهم لا يختلفون عنه كثيرا وأن أمراض الساحة الثقافية لا علاقة لها بالجيل، لكن بشيء أعمق لم نتمكن حتى الآن من تشخيصه، كما أثبت أن الثقافة الجزائرية لم تنجح في فرض نفسها عربيا، وإننا لا نتقن بعد فن التسويق الثقافي بنفس القدر الذي يتقنه جيراننا وأشقاؤنا في لبنان مصر أوالمغرب. وبرغم هذا التقصير في إدراك أهمية التسويق الثقافي عندنا، فقد تم تتويج 4 جزائريين لأول مرة من طرف المركز الجغرافي لأدب الرحلة "ارتياد الأفاق" عن مشاريعهم المميزة في ذات الإطار، حصل سفيان حجاج مدير البرزخ على جائزة الأمير كلاوس "إحدى أرقى الجوائز الثقافية الإنجلوفونية " للثقافة وقدرها مليار سنتيم تقديرا عن مجهودات الدار في عالم النشر طيلة عشرية من الزمن. وسجلت الثقافة عندما أيضا سرقة أدبية من العيار الثقيل بطلها الدكتور حفناوي بعلي، الذي حصل على الجائزة الكبرى للشيخ زايد عن كتاب في نظريات النقد الحديث، لكن تبين أن الكتاب محل التكريم كان حصيلة سرقات موصوفة مارسها الكاتب، ومن غريب المفارقات أن يكرم السارق من طرف المسروق عبد الله الغذامي، الأمر الذي يحيلنا إلى سؤال أعمق، ما جدوى الجوائز العربية وما مدى مصداقيتها المعرفية والأكاديمية خارج البهرجة الإعلامية والمالية، وفيما لم تتخذ الجامعة أي رد فعل أو إجراء ضد الدكتور، الذي ثبتت بحقه السرقة الأدبية كانت الطبعة الرابعة من برنامج أمير الشعراء مسرحا لفضيحة من العيار الثقيل، حيث اتهمت الشاعرة الجزائرية سمية محنش الشاعرة المغربية حليمة إسماعيلي بالسطو على قصيدتها ونسيتها إلى نفسها، فسارعت المغربية إلى نشر دليل نسبة القصيدة إليها يعود إلى سنة 2006، وما تزال القضية تتفاعل عبر المواقع والصحف العربية، وربما الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن السارقة والمسروقة، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، أقدمت جماعة من شباب البالي الوطني على الفرار وطلب اللجوء السياسي في كندا بعد إحياء حفل أول نوفمبر، الأمر الذي أدى بوزيرة القطاع إلى فصل مديرة البالي المتهمة من قبل أعضاء البالي بالتسيير العشوائي للمؤسسة. وغير بعيد عن سؤال الجوائز، اختفت من الوجود جائزة المكتبين الجزائريين وجائزة معرض الكتاب، دون أن يثير الأمر أي نقاش يذكر في الساحة، وفي لفتة تشبه إعادة الأمل، قررت أحلام مستغانمي إعادة بعث جائزة مالك حداد للرواية، وينتظر أن تزور الجزائر لترسيم القرار وهذا بعد أن كانت قد قررت أن تأخذ الجائزة خارج الحدود. الأسماء المصرية تسقط في وحل الشتيمة وأمير الراي في السجن ولعل أبرز حدث ستحتفظ به ذاكرة العام الراحل هو المواجهات الثقافية بين الجزائر ومصر، حيث سقطت الكثير من الأسماء المصرية التي كنا نعتقد أنها كبيرة في حملة منظمة لسب الجزائري ثقافة وشعبا وحكومة وحتى الشهداء في قبورهم مثل صابرين ومحمد فؤاد وزينة وأشرف زكي وأحمد بدير.. وحتى الأسماء التي لقيت كل الترحيب والتكريم في الجزائر كيسرا وفتحي عبد الوهاب كان لهم نصيب في ذلك، أما يوسف زيدان، فقد صدم الوسط الثقافي العربي بمقاله "ذكريات جزائرية" وهو المقال الذي دفع العديد من الأسماء إلى المطالبة بسحب البوكر منه، قبل أن يعود ويعتذر للجزائر عبر اسم واسيني الأعرج، الذي كان له هو الآخر نصيب من النقد من طرف بعض المثقفين، الذين لم يتقبلوا كيف يقبل واسيني الاعتذار باسم الجزائريين. الحرب الإعلامية التي شنتها الفضائيات المصرية توجها بيان نقيب الفنانين، أشرف زكي، بالمطالبة بمقاطعة الجزائر ثقافيا وفنيا، لترد الجزائر بالمثل حتى لو كان بطريقة غير معلنة، فغابت الأسماء المصرية عن الجزائر طيلة 2010، كما غابت الأعمال المصرية في رمضان عن التلفزيون الجزائري لأول مرة قبل أن تتراجع حدة المقاطعة في مهرجان وهران للفيلم العربي، الذي قرر في ديسمبر الفارط استضافت خالد أبوالنجا وعددا من الأسماء التي لم تتورط في حملة السب ضد الجزائر. المهرجان الذي عاد في ديسمبر لم تكن عودته كما كانت منتظرة، حيث سجل عددا من النقائص التي جعلت البعض يترحم على زمن حمراي حبيب شوقي. تلفزيونيا كان عام 2010 سنة اكتساح الإنتاج السوري للتلفزيون الجزائري بعد أن سجل الإنتاج الوطني غيابا ملحوظا في الشبكة البرامجية لرمضان الفارط لولا أن مسلسل "الذكرى الأخيرة" حفظ ماء الوجه والتفت حوله العائلة الجزائرية. فنيا دائما سجل 2010 سنة المحاكمة الثانية لأمير الراي الشاب مامي الذي يقبع في سجن مولان بفرنسا بعد نطق المحكمة ب5 سنوات سجن ضده على إثر اتهامه من قبل المصور إزابيل سيمون بمحاولة إجهاضها بالقوة، وهي القضية التي أسالت الكثير من الحبر، وذهب البعض إلى اعتبارها قضية سياسية لا تخلو من رغبة الانتقام من مامي. كما سجل عام 2010 عودة عملاق الأغنية القبائلية الحكيم لونيس آيت منقلات إلى الساحة الفنية بألبوم حقق صدى كبيرا وسط محبيه وعشاقه "ثوريقث تشفحانت"، وهو الألبوم الذي أثبت عبره آيت منقلات أنه ما يزال ملك الأغنية الملتزمة والهادفة والوحيد الذي ما تزال حفلاته تستقطب جمهورا غفيرا وتمتلئ على إثره القاعات، وغير بعيد عن الفن الملتزم سجلت أيضا سنة 2010 إعادة حمامة السلامة اللبنانية ماجدة الرومي لرائعة الراحل الهاشمي قروابي "ألو ألو" التي أدتها في ليالي الكازيف ومهرجان تيمڤاد، وهي المهرجانات التي استمرت في استقطاب العديد من الأسماء داخليا وخارجيا برغم القطيعة الثقافية بين الجزائر ومصر. إذا كانت سنة 2010 قد قذفت بعدة أسماء إلى الساحة، وأطاحت بأخرى في خضم الصراعات، فإن عام 2010 يضبط عقاربه على تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية وتخصيص مبلغ 10ملايير دينار لإطلاق مشاريع التظاهرة التي ينتظر أن يفتتحها رئيس الجمهورية في فيفري القادم.