تملك الأغنية الرياضية في الجزائر تاريخا ثريا صاحبت مختلف مراحل التاريخ الوطني، وكانت تعبّر عن الكثير من المكبوتات والانشغالات السياسية والاجتماعية والثقافية، في صورة تؤكّد بأنّ الملاعب من أكثر وسائل التعبير والاتصال، تترجم حقيقة ما يجري في الواقع. جمعت الأغنية الرياضية معظم فئات الشعب الجزائري، وكانت مصدر إلهام للكثير من الفنانين لاقتباس أغاني الملاعب وتحويلها لألبومات ذرّت عليهم أموالا طائلة. وبين هذا وذاك تبقى الأغنية الرياضية في الجزائر مرتبطة بنجاحات الأندية والمنتخب الوطني لكرة القدم، في الوقت الذي تعبّر فيه أن أمور أخرى يهملها الكثيرون عن قصد وغير قصد. تشير عديد المراجع والكتابات عن أهل الفن إلى تألّق الفنان الحاج مريزق في التغني بمولودية الجزائر، التي كانت رمزا من رموز النضال أثناء الفترة الاستعمارية، داعيا كل من يحب أن يمارس الرياضة آنذاك التوجه للمولودية، التي قال عنها في أغنيته "يالي تحب تعمل سبور شارك في المولودية هي الفريق المشهور في شمال إفريقيا". الأغنية كانت تحمل الكثير من الدلالات السياسية، من خلال اختيار الأندية الجزائرية للممارسة الرياضة بدلا من الأندية الاستعمارية، كما أنّ الحديث عن شمال إفريقيا يعكس النضج الكبير للفنانين وإلمامهم بشتى المواضيع السياسية والنضال ضد المستعمر. وعرفت الأغنية الرياضية بعد الاستقلال تجربة محتشمة مع بعض المحاولات للحاج محمد العنقى رحمه الله، وكان لمستوى النتائج وغياب التتويجات دورا في عدم الإقبال على الأغنية الرياضية، مع تسجيل ازدياد اهتمام الجماهير بكرة القدم، خاصة في الفترة التي عرفت التحاق شبيبة القبائل بأندية النخبة في 1969، وهو ما شجّع الكثيرون من فناني المنطقة التغني بإنجازات الفريق. وقد عرفت تلك المرحلة التي جاءت بعد 19 جوان 1965 انعكاسا على جماهير كرة القدم، التي كانت تردّد بعض الشعارات في شكل أغاني بالملاعب تعبّر عن واقعهم المعيشي ومواقفهم من القضايا الوطنية والدولية، في ظل محدودية وسائل الإعلام وغياب مساحات التعبير الحر. سار دحمان الحراشي على خطى الحاج مريزق والعنقى، غنّى لفريقه المحبوب اتحاد الحراش، يالي تحب تعمل سبور نوصيك استجب ليا شارك في ايسمامسي ليكيب الحراشية"، الذي بزغ نجمه في سنوات السبعينات خاصة بعد أن توّج بأول كأس للجمهورية في 1974 على حساب وداد تلمسان. وقد أخذت الأغنية شهرة كبيرة، ولازال الكثيرون يتغنّون بها إلى غاية يومنا هذا، في ظل حملها لذلك الزمن الجميل الذي كانت تمر به "السمسم..اللقب القديم للصفراء حاليا"، وكذا الجزائر بصفة عامة، وتميّزت أغاني الشعبي بالمعاني الراقية والسمحة والوطنية. تتويج المولودية بكأس إفريقيا 1976...المنعرج أنعش تتويج فريق مولودية الجزائر بأول كأس افريقية للأندية البطلة على حساب "حافيا كوناكري الغيني" في 1976 الأغنية الرياضية، حيث أهدت فرقة البحارة بقيادة الصادق جمعاوي أغنية "ياو مالي حبيب من غيرك انتيا، هي عمري رفيقة صغري، حتى في كبري وفي للمولودية أحكي يا شيخ، لو شوية على فريق المولودية، هذاك الزمان يا وليدي عهد الحرمان عهد الطغيان والعبودية عهد "الكومان" عهد "الهزية" عهد الشجعان والمولودية، على المولودية على المولودية ياناس ما دارت فيا"، وهي التي صنعت نجاحا منقطع النظير ولقيت رواجا كبيرا، ومازالت إلى يومنا هذا تصنع الحدث وتذكّر الكثيرين ممّن خاب ظنّهم في تشكيلة الفريق الحالي بأيام الزاهية لعميد الأندية الجزائرية، والذي بالإضافة إلى كأس إفريقيا في 1976 نال البطولة الوطنية وكأس الجزائر في سابقة نادرة في تاريخ كرة القدم الجزائرية والعالمية. مونديال 1982.."هيا يا جزاير ندخلوا لاسبانيا" تواصلت أفراح الكرة الجزائرية بتأهلها لمونديال إسبانيا 1982 لأول مرة في تاريخها بفضل جيل ذهبي من اللاعبين بلومي، ماجر، عصاد ومرزقان، والكثيرين الذين دوّنوا اسمهم بأحرف من ذهب بعد قهرهم للألمان ووقوعهم ضحية لتآمر النمسا وألمانيا، وحرموا من التأهل للدور الثاني. دفع هذا الانجاز الكثير من الفنانين إلى عدم التخلف عن هذه المناسبة، وقدم الفنان القدير رابح درياسة أغنية بموسيقى الفلامينكو الاسبانية الرائعة "هيا بنا يا جزاير هيا، هيا ندخلوا لاسبانيا، هيا يا بلادي والنصر معاك، هيا وعلامك الأخضر وتاك، يا فريق أعزم وقاوم والانتصار بالعزم يداوم يا فريق"، وقد كانت الكلمات قوية ومعبّرة تعكس التحولات الاجتماعية والرخاء الاقتصادي الذي كانت تمر به الجزائر. كما لم ينس الكثيرون أغنية الشاب خالد حاج براهيم، حول تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم إلى مونديال بلاد "السومبريرو" المكسيك في 1986، والتي حملت عنوان "راهم خرجوا قدامنا لابسين ألوان علامنا، يا فرحي بهاذوك الأبطال طالعين للمونديال، في مكسيكو إنشاء الله يدوم فرحنا"، وقد أخذت الأغنية شهرة عالمية خاصة مع الشهرة التي اكتسبها فن الراي. وقد خلّدت تلك الأغاني الجيل الذهبي لكرة القدم الجزائرية،ومجرد سماع أغنية واحدة يذكّرنا بتلك الأيام الجميلة، أين كان الهدوء والاستقرار والسكينة تسود المجتمع الجزائري. "بركة سيدي الخير" تنزل على سطيف تألّق النسر السطايفي في نهاية الثمانينات، من خلال وصول نادي وفاق بلاستيك سطيف إلى نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة وتتويجه باللقب على حساب "ايوانوانيو" النيجيري بمعلب الشهيد حملاوي بقسنطية ب 4 0، وهذا بعد أن انتهى لقاء الذهاب بهدف لصفر لصالح الفريق النيجيري. وأهدى المطرب السطايفي سمير بلخير أو المدعو سمير السطايفي "يا سيدي الخير، وعامر الأحرار تربح الكحلة.."، والتي عرفت نجاحا باهرا، وأشادت بمختلف عناصر الوفاق، التي كانت من خيرة اللاعبين لكل الأوقات من عصماني إلى نابتي، عجاس، برناوي، الإخوة بولحجيلات، غريب، وعجيسة، ماماتم وسرار وغيرهم من الذين نجحوا تحت راية المدرب الراحل مختار عريبي المدرب الفذ للنسر الأسود. والملاحظ على الأغنية في هذه المراحل هو سلاسة الكلمات وتمجيدها للوطنية، إلى غاية مرحلة التسعينات التي تأثرت بالتحولات التي عرفتها الجزائر بعد مرحلة التعددية.