إنها الأغنية الرياضية التي تعيش الأوج والرواج قبل لهيب ال14 نوفمبر القادم•• وكأنها وحدها القادرة على شد المزاج الجزائري والحفاظ على لياقته الذهنية أمام توتر الانتظار وحساب فارق الأهداف•• كيف تسللت الأغنية الرياضية إلى حياتنا ويومياتنا بهذا الشكل؟ وما هي خطة الدفاع التي صنعت لنا كلمات وألحان حماسية لاهبة نالت من قلوبنا؟ الحاج مريزق والبدايات النضالية•• تأسس أول فريق خاص بكرة القدم في الجزائر في الفترة الاستعمارية عام ,1921 وصادفت ليلة تأسيسه هذه ليلة المولد النبوي الشريف الموافق ال15 جويلية، فسمي الفريق تبركاً باسم ''المولودية''، وبدورها هي التي فتحت الباب الواسع للأغنية الرياضية، على الرغم من أن الملعب كان السيد الأول لكل الشعارات والأهازيج التي صنعها المناصر من أجل عيون فريقه المعشوق حد الفناء، فكان في البداية يحّور كل الأغاني الريتمية الرائجة آنذاك ويرتب على مقاسها كلمات تناصر الفريق وتكون على الميزان الموسيقي للأغنية•• كما ظل يستعير الاسم من الأغنية ويسقطه على فريقه، لاسيما وإن كانت الأغنية تتغنى بمفاتن المعشوقة وتعدد خصالها، فمريم مريومة مثلاً تصبح مريم مولودية•• وهكذا كانت أول أغنية رياضية موثقة في جزائر الاحتلال لصاحبها الحاج مريزق والتي يقول فيها: يا للي تحب تعمل ُُِّْس شارك في المولودية هو Club مشهور في شمال إفريقيا على هذا الإيقاع الشعبي الرزين، بدأ التغني بالفرق المحلية الرياضية لكرة القدم في الجزائر، من أجل غايات التشجيع وشحن معنويات أعضاء الفريق، وغالباً ما كان كل فريق يجر معه إلى الملعب فرق موسيقية بكاملها تأتي تطوعاً للمشاركة في انتصارات الفريق• وعلى ذات النهج قدم الحاج محفوظ، أغنية لفريقه وهو فريق الاتحاد الإسلامي البليدي، إلا أنه يجب الإشارة أن هذه الفترة حملت توجهاً نضالياً فكانت المقابلات والشعارات الرياضية تحتفي بالجزائر قبل الرياضة، وأي نجاح لكرة القدم هو نجاح للجزائر، حيث لعب فريق كرة القدم لجبهة التحرير الوطني مقابلات ودية مع عدد من الأشقاء العرب رفرف فيها علم الجزائر عالياً•• USMA والمسامعية•• لا تزال الحكاية إلى حد الآن خاصة بفرق محلية تشهد رواجاً وسط مناصريها؛ فكرة القدم تحظى بشعبية كبيرة في الجزائر•• وفريق اتحاد الجزائر الأكثر على الإطلاق في جمع عدد كبير من المناصرين الذين يمتهنون الغناء، وانتصاراتهم كانت عبارة عن حفلات راقية للفن الشعبي وكأنهم بذلك أقل حدة من المولودية التي تميل إلى الشعارات الحماسية المضبوطة على مقاس'',3,2,1 فيفا لالجيري''•• هذا ''الشعار الكينغ'' والذي لا نعرف بداية التغني به•• وفي الغالب قد يعود إلى السبعينيات وربما مع كأس العالم•• لأن العالم يتحدث الإنجليزية ونحن كنا في مونديال .1982 مونديال 1982 والأغنية الرياضية الوطنية•• إلى حد الآن كل الأغاني كانت خاصة بفرق جزائرية محلية تتدافع نحو الملاعب من أجل الظفر بلقب بطولة وطنية لحد أقصى، ولكن تأهل الجزائر إلى المونديال سنة 1982 غيّر الكثير من خطوط الأغنية الرياضية في الجزائر وقدم لها متسعاً من الكلمات والألحان، فبعد أن كانت الأغاني خاصة بفرق معينة، أصبحت موجهة للمنتخب الجزائري•• المنتخب الرسمي الذي يمثل الشعب الجزائري والسيادة الجزائرية ويرتدي ألوانها ويرفع رياتها•• فطلت فرقة البحارة وزعيمها الصادق جمعاوي بأغنية ''جيبوها يا لولاد••'' التي هزت الشعب الجزائري كاملاً ولا تزال موشومة على الذاكرة الجزائرية، غير أن صاحبها لم يتحصل على حقوقه المادية جراء هذه الأغنية الضاربة جداً•• كما أنه علق مشروعه المتمثل في تسجيل أغنية لعدد من الفرق المحلية•• رابح درياسة أيضا رفرف عاليا بأغنية '' هيا نمشو لسبانيا'' وهكذا كانت الانطلاقة الفعلية للأغنية الرياضية الوطنية لأنه يجب أن نفرق بينها وبين الأغنية الرياضية الخاصة بالفرق المحلية• بعد تاريخ 1982 يمكننا حساب الأغاني الرياضية الوطنية بعدد الانتصارات، ومنذ 1990 الانتصارات الخارجية للجزائر معطلة•• البنية الفكرية للأغنية الرياضية الأغنية الرياضية تشبه إلى حد كبير أهازيج الحروب وشعاراتها الحماسية في القديم، فقط الحلبة تختلف والمنافسة شريفة ولا تعترف بخديعة الحرب، ولكنها ضمنياً منازلة يكون فيها النصر والشرف للذي استطاع الخروج من التسعين دقيقة بأكبر عدد من الأهداف•• وبذلك يمكننا ضبط بعض أطر النظام البنيوي للأغنية الرياضية الوطنية•• والتي سنبدؤها بالعمر الزمني للأغنية، حيث أنها تعيش بين عدد من الأزمان، الزمن الأول هو ما قبل المباراة الذي غالبا ما يكون الأطول لأنه يعيش مع الفريق كل مراحل الذهاب والإياب ومختلف أدوار المنافسة الدولية•• والزمن الثاني هو ما بعد المباراة، فإذا كانت النتيجة ليست لصالح المنتخب الوطني لم يكتب للأغنية الرياضية الوطنية العيش أكثر، أما إذا تأهل الفريق فالأغنية ستحصد النجاح الكامل•• هذا من دون الاختلاف على العمر القصير للأغنية الرياضية فهي موسمية ومؤقتة تصاحب التظاهرات الدولية فقط، وطبعا بعض الأيقونات تبقى صالحة لكل زمان، مثل أغنية البحارة، ولكننا نلاحظ أن الأغنية الرياضية تفضل الجدة لأن كلمات الأغنية لابد أن تحوي على أسماء اللاعبين•• وهذا ما يدفعنا إلى التطرق للعنصر الثاني، وهو البنية الضمنية التي تخص كلمات الأغاني، حيث تستند إلى ثلاث عناصر وهي: -التغني بالوطن -ذكر الحدث -أسماء اللاعبين حيث لا تكاد تخلو أغنية رياضية وطنية من ذكر ألوان العلم، حب الجزائر، ''معاك يا الخضرا ديري حالا''، كما يبدو من الضروري ذكر الحدث الذي يلعب من أجله الفريق الوطني ثم مخاطبة اللاعبين بأسمائهم، لا سيما الهدافين من أجل شحن كامل للهمم على شاكلة ''بوفرة عنتر يحي والجزائر تحيا'' مع ضرورة إضافة العنصر الرابع هذه المرة واستثناءً في انتظار مواجهة ال14 نوفمبر: -ذكر الخصم والذي نجده في معظم الأغاني التي سجلت مؤخرا لمناصرة الفريق الوطني ومن طرف عدد من المطربين والفرق الغنائية مثل الشاب عقيل، فيصل الشنوي، الشاب توفيق، حسيبة عمروش، فرقة ترينو- ميلانو، الشاب الياس•• ويأتي ذكر الخصم في أكثر من موضع لاسيما بعد بلبلة إعلامية سوف لن تفيد فيها حملة شوبير النقية، علما أنه برلماني يحتاج إلى صورته أكثر من صورة الإعلام الجزائري في عيون المصريين وعلى حسب ''يا المصري يا لي عايز•• بربي عليك جايز'' نتمنى أن يسجل منتخبنا الجزائري ثلاث أهداف مقابل لا شيء• نصل إلى البنية الموسيقية للأغنية الرياضية الوطنية التي ترتكز على الهتاف الحماسي الشديد؛ حيث شهدت قفزة نوعية هذه الأيام فصار إيقاعها شديداً وملائما للغرض، على الرغم من اعتمادها في السابق على ألحان معروفة تلبسها الكلمات الحماسية اللاهبة• الأغنية الرياضية ومنسوب الوطنية منحنى آخر يمكن أن تحملنا إليه الأغنية الرياضية، وهو منسوب الوطنية الذي أصبح بيد مجموعة ال11 وصديقهم حارس المرمى•• وحين فشلت مبادرة الوزير عز الدين ميهوبي الخاصة بعلم لكل بيت استطاع الشيخ سعدان أن يجعل كل نوافذ البيوت الجزائرية تتغطى بألوان الراية الوطنية•• طبعا مع فارق بسيط وهو الوقت•• لأن الرياضة مؤقتة ومفهوم الوطنية عندها ليس عميق وإنما خاضع للتمثيل فقط•• قد يكون الإحساس بالوطنية مرتفع هذه الأيام ولكن هل يعالج ذلك دوافع الهجرة من الوطن أو الحرفة أو مباركة قرار ساركوزي في منح الجنسية لكل مواليد فرنسا ما قبل 1962 •• المشكلة معقدة ومنسوب الوجع فيها مرتفع أيضاً وقد لا يعالج ب''لالجيري•• دزاير ساكنة في قلبي'' التي أبدع فيها فريق تورينو - ميلانو، ورغم أننا هنا نقف وقفة الحائر من اسم هذه الفرقة الغريب أو بالأحرى الأجنبي غير أنه يعني المولودية فٍَِّّ- والفرق الإيطالية هي إسقاط للألوان•• طبعا يمكننا مناقشة الأمر والحديث عن جدوى إسقاط أسماء الفرق الجزائرية والحفاظ على أسماء أندية أوروبية!! لكن هي ثرثرة كلام قد لا نستطيع خلالها فهم النسق العام الذي تقوم عليه الذهنية الرياضية الجزائرية•• هذا من دون نسيان الفتوى العظيمة - المصرية طبعا - والتي تقول إن منافسة مصر لن تكون مع الجزائر لأن غالبية الفريق قادم من أوروبا ومتجنس بالفرنسية، وهذا قد لا يصب في مغزى الوطنية التي قد تساعد كرة القدم في رفعها•• معاك يا الخضرا ديري حالا ولكنها حالة جميلة من الفرح•• حالة من التوقف الذي قد يساعد الفرد الجزائري على متابعة روتين وتعب يومياته المغلفة بالشقاء والوجع•• هي فرصة لإعادة الاعتبار للتركيبة الجزائرية التي يصعب فك رموزها•• والتي حتما ستحصد النجاح في استاد القاهرة لأنها، ومع فارق حساب النقاط والأهداف، تدرك جيداً عتمة شعور الخيبة في عيون الجزائريين•