لا يتوقف الجدل حول الأجور في ظل ترقب الثلاثية الاجتماعية المقررة قبل نهاية السنة الجارية، ويتركز النقاش بشكل أساسي حول مسألتين جوهريتين هما المستوى الذي يمكن أن يرفع إليه الأجر الأدنى المضمون ومصير المادة 87 مكرر التي أسالت حبرا كثيرا ووترت مناخ الحوار بين الشركاء. لكن ما الفائدة من زيادة في الأجور بينما تقابلها زيادات نارية في الأسعار خاصة تلك المتعلقة بالمواد الغذائية، إلى درجة أصبحت فيها القدرة الشرائية عرضة لهشاشة مزمنة؟.. وبالفعل تمثل هذه المعادلة المختلة إشكالية تلقي بظلالها على الساحة الاقتصادية والاجتماعية، يحمل فيها كل طرف المسؤولية للطرف الآخر. وفيما يعلن الشريك الاجتماعي عن لائحة مطالب تتصدرها ضرورة تحسين الأجر الأدنى المضمون بما يعزز القدرة الشرائية، يسارع الشريك الاقتصادي بمختلف منظماته للتعبير عن خلاف ذلك او قبول زيادة رمزية لا تسمن ولا تغني من جوع. وتبدو منظمات أرباب العمل تختلف ظاهريا في كل شيء، لكنها تتفق على مقاومة أي زيادة للأجور برفع تبريرات اقتصادية بحتة مثل ضعف الإنتاجية ومتاعب تواجهها المؤسسة الاقتصادية وغيرها، وأحيانا كان هناك نزعة لمقايضة موافقة بمكاسب أخرى لا يمكن للدولة أن تتساهل فيها كالضرائب والعقار الموجه للاستثمار المنتج وتسيير القروض البنكية. حقيقة لا تزال المحروقات المورد الهام للاقتصاد والتحويلات الاجتماعية، وستبقى كذلك طالما يستمر باطن الأرض في ضخ هذه الثروة التي تفيد آخر مؤشراتها بتراجع للمداخيل البترولية، أمام ارتفاع حجم الاستيراد. وبقدر ما يجب الاعتماد على هذا المصدر المالي في ضمان ديناميكية التنمية بقدر ما يتطلب الأمر إعادة ترتيب الخيارات وصياغة ورقة طريق تنطلق من قناعة التوجه نحو خيارات ذات فعالية في ضمان مداخيل إضافية لا علاقة لها بالمفهوم الريعي، ويتعلق الأمر بالتركيز على الصناعة والفلاحة والسياحة والصيد والخدمات ذات الصلة بالإبداع والتكنولوجيات الجديدة. وفي ضوء هذا التوجه من الضروري ضبط الأولويات الإستراتيجية من اجل تحديد وتدقيق المحاور التي يمكن الرهان عليها حاليا ومستقبلا، والخروج من نمط انفراد كل قطاع بتصوره نحو الاندماج في رؤية شاملة ومنسجمة يرافقها خبراء لديهم تحكم في مؤشرات الاقتصاد الوطني والعالمي مع تجدرهم من أي لون ايدولوجي.