رغم التعليمات الأخيرة التي أقرها الوزير الأول، عبد المالك سلال، المتعلقة بإصلاح الإدارة، حيث حدد تاريخ 30 نوفمبر كآخر أجل لتحيين الخدمة العمومية وإرجاع الثقة بين المواطن والإدارة، من خلال تخفيف الإجراءات الإدارية على المواطنين وتبسيطها وكذا التكفل الفعلي بشكاويهم عبر تحسين الاستقبال. كما أنّ والي الولاية وخلال اجتماعه الأخير برؤساء الدوائر البلديات ومختلف مديري الهيئات العمومية، كان قد شدد على ضرورة تطبيق هذه الإجراءات وتحسين الخدمات الإدارية، من خلال فتح الحوار مع المواطنين. لكن ما نلاحظه يوميا عبر مختلف الإدارات العمومية ومكاتب البريد، وكذا مصالح البلديات بولاية بجاية، يعكس تماما رغبة السلطات في محاربة البيروقراطية وتحسين ظروف الخدمة العمومية. ففي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن البسيط تحسّنا في الخدمات المقدمة، يبدو أنّ العكس هو الذي يحدث في الواقع، نفس الطوابير الطويلة عبر مختلف مكاتب البريد، ونفس البيروقراطية في مختلف هيئات الإدارة العمومية ومصالح البلديات، خاصة في مصلحة الحالة المدنية، ويمكن بسهولة رؤية مدى الفوضى العارمة المنتشرة عبرها، من خلال تصرفات الموظفين العاملين بها، خاصة أنّ معظم عمال عقود ما قبل التشغيل الذين يتم تعيينهم خلف الشبابيك، أغلبهم يفتقد للخبرة وكيفية التعامل والتواصل مع المواطن. فمن خلال جولة قصيرة قادتنا إلى بعض المكاتب الإدارية بمدينة بجاية وبلدية وادي غير، اكتشفنا حجم المعاناة التي يعيشها المواطن البسيط مع هيئات الخدمة العمومية. بدايةً، كانت وجهتنا مركز البريد المركزي وسط مدينة بجاية، فالطوابير الطويلة التي شاهدناها أمام مختلف الشبابيك، والتي تصل حتى خارج المبنى، تعكس جليّا ضعف الخدمات المقدمة من طرف الموظفين، خاصة موظفي شبابيك السحب والدفع، وما وجود ذلك الطابور الطويل من المواطنين أمام الشباك الخارجي، الذي يقدم خدمة السحب بواسطة البطاقة المغناطيسية، لدليل قاطع على سوء الخدمات والتسيير، خاصة وأن المشهد يتكرر يوميا وعلى مدار الأسبوع. أحد المصطفّين في الطابور، أكّد لنا أنه ينتظر دوره منذ مدة طويلة من أجل سحب بعض الأموال، "ظننت أنني سأتمكن من سحب المال بسرعة عبر هذه الآلة، إلاّ أنه كما ترى من المستحيل الدخول إلى داخل المركز، فأنا هنا منذ حوالي ساعة أنتظر دوري من دون جدوى". مضيفا، أنه "ينبغي على السلطات المعنية إضافة آلة سحب أخرى، لأنّ واحدة لا تكفي، خاصة وأنّ هذا المركز يقع في وسط المدينة ويستقبل زبائن كثر يوميا". مواطن آخر كان واقفا في آخر طابور وصل حتى الباب الخارجي للمكتب، قال إنه يريد إرسال حوالة بريدية، وها هو ينتظر هناك منذ مدة طويلة، مشيرا إلى أن الأمر أصبح لا يطاق، مرجعا السبب في كل هذه الطوابير إلى قلة الموظفين العاملين في الشبابيك، يقابله في ذلك كثرة الزبائن الذين يترددون يوميا على شبابيك هذا المكتب الرئيسي. نفس المعاناة لاحظناها بمكتب البريد الذي يتواجد في وسط بلدية وادي غير، خاصة في أيام السحب الخاصة بمنحة المتقاعدين، أين تتكرر مشاهد الطوابير الطويلة والمناوشات المتواصلة بين الزبائن. وما زاد من معاناة المواطنين، هو صغر هذا المكتب الذي يتوفر على شباكين فقط، للسحب والدفع ومختلف التعاملات البريدية لأزيد من 25 ألف نسمة. غير بعيد عن مكاتب البريد، قصدنا مصلحة الحالة المدنية لبلديتي بجاية ووادي غير، فالظروف متشابهة والأوضاع هي نفسها تسجل يوميا عبر مختلف الشبابيك. ففي بلدية بجاية، ورغم أن المسؤولين قد أنشأوا عدة فروع عبر أحياء المدينة، إلا أنها مازالت تعاني ضغطا رهيبا وفوضى عارمة، خاصة عندما يتعلق الأمر باستخراج شهادات الميلاد الأصلية، فبسبب العدد الهائل للمواطنين الذين يتوافدون على المصلحة، أصبح من المستحيل استخراج الوثائق في مدة قصيرة، رغم استخدام المصلحة لنظام الإعلام الآلي لاستخراج الوثائق الإدارية، ويبقى المواطن البسيط وحده فقط من يعاني، أما من لديه "المعريفة" فإن مشكلته تعتبر مقضية، كل هذا يحدث رغم التوصيات الرامية إلى القضاء على البيروقراطية. نفس الصور والمشاهد لاحظناها ببلدية وادي غير، فعند وقوفنا على مصلحة الحالة المدنية، تفاجأنا بالعدد الهائل من المواطنين المتذمرين أمام شبابيك الخدمات التي لا تلبي، بحسبهم، الطلب الكبير على استخراج الوثائق المختلفة، خاصة شهادة الميلاد الأصلية التي أصبحت تستخرج الآن آليا، بعد تبني البلدية نظام الإعلام الآلي. أحد العاملين في الشباك، أكد لنا أن هذه الطوابير الكبيرة تتكرر يوميا، وأغلبهم هنا ليس لاستخراج الشهادة الأصلية بل للتصديق على الشهادات طبق الأصل، أو استخراج شهادات عدم العمل أو عدم الزواج، أو الشهادات العائلية ومعظمهم يسكنون قرب الفرع البلدي لملالة، الذي يمكنه تقديم هذه الخدمات وفك الضغط عن هذه المصلحة.