حثت مجموعة «أصدقاء» سوريا في اجتماعها الأخير بباريس الجماعات المعارضة للأسد على حضور محادثات السلام، الأسبوع القادم، بجنيف باعتباره السبيل الوحيد للحل السياسي للأزمة القائمة، في وقت لم تحسم فيه المعارضة موقفها من المشاركة وأرجأت ذلك إلى 17 من الشهر الحالي. وقد شارك في اللقاء بباريس رئيس الائتلاف السوري «أحمد الجربا» ووزير الخارجية الأمريكية جون كيري، والفرنسي لوران فابيوس، بالإضافة إلى بقية وزراء المجموعة المكونة من 11 دولة والإبراهيمي. وكان دبلوماسيون أمريكيون أعلنوا أن الولاياتالمتحدة تأمل في إقناع المعارضة بالمشاركة في مؤتمر السلام. من جانبه قال الأمين العام الأممي (بان كيمون)، إن الهدف الرئيسي لجنيف2 هو تطبيق البيان المشترك الصادر في جنيف1 والذي ينص على تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة. بينما يرى مسؤولون في حكومة الأسد، أن الهدف من المؤتمر هو مكافحة الإرهاب الذي ينخر جسد سوريا ويضرب قدراتها الوطنية. وأرجأ الائتلاف الإعلان عن موقفه من حضور جنيف2 إلى 17 جانفي الجاري، بعد أن هدد ربع أعضائه، البالغ عددهم 121 عضو، بالاستقالة. وقد حثت الدول الرئيسية لأصدقاء سوريا الائتلاف على الحضور في بيان ختامي لهم في اجتماع باريس جاء فيه: ندعوهم إلى تشكيل وفد من قوى المعارضة بأسرع ما يمكن لكي يشارك في العملية السياسية... وقال فابيوس: لا يوجد حل سياسي آخر لسوريا ما لم تعقد اجتماعات جنيف2. أما كيري فقد اعتبر حضور المؤتمر الخاص بالسلام السوري اختباراً للمصداقية. وسبق أن طالب مشاركون في لقاء تشاوري في قرطبة بإسبانيا، بتوحيد مواقف سائر مكونات المعارضة. وأكدت جماعات المعارضة على أن يتضمن الحل السياسي وضع نهاية للنظام وتشكيل حكومة انتقالية وصدر ذلك من جانب نحو أكثر من 100 عضو من ممثلي مختلف المجموعات المعارضة. والجدير بالذكر، أن مؤتمر جنيف2 يفتتح في 22 جانفي الجاري في «مونترو» السويسرية، التي سيصلها وزراء خارجية الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وحوالي 30 دولة أخرى، بالإضافة إلى ممثلي المنظمات الدولية والإقليمية، كالجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي. وضع إنساني كارثي أحدث العنف والاقتتال في سوريا دمارا وأثارا مروعة وفظائع يندى لها الجبين. وقد عبّرت «فاليري آموس»، نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، عن قلقها العميق إزاء ما يتعرض له السوريون من حصار وسوء أوضاع جراء الاقتتال المستمر. وقالت آموس، إن معاناة الناس العاديين هناك تزداد سوءاً يوما بعد يوم، وسط أنباء عن قرب انتشار المجاعة في بعض المناطق السورية، بما فيها مناطق قريبة من العاصمة دمشق، وما ينجر عن ذلك من أمراض جراء سوء التغذية. وفي هذا الإطار، أعلنت الخارجية الإيطالية احتضان مؤتمر دولي للمساعدات الإنسانية لسوريا يوم 3 فيفري القادم. المعارضة تائهة أصبح الاقتتال في سوريا عنيفا ومُستَشْرياً ليس فقط بين قوات النظام والمعارضة، بل امتد إلى فصائل المعارضة فيما بينها!! فقد صرح نشطاء سوريون، أن 482 شخص على الأقل قتلوا في صدامات مسلحة بين جماعات معارضة مسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، المرتبط بتنظيم القاعدة. واشتد الاقتتال، الأسبوع الماضي، في أربع محافظات في مناطق تقع تحت سيطرة جماعات المعارضة المسلحة شمالي سوريا. ويضم تنظيم «داعش»، التابع للقاعدة، عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب. إن الاقتتال بين أطياف المعارضة السورية يقترب عدد ضحاياه أو قد يتجاوز إجمالي الذين لقوا مصرعهم في النزاع الأوسع نطاقا بين النظام والمعارضة، فهل هو جزء من حملة مدعومة دوليا لاجتثاث الإرهابيين في كل من سورياوالعراق، أم أنه يستهدف تمهيد الطريق أمام محادثات السلام؟ لا شك أن الأطراف الخارجية لا تتعاطف مع القوى الإرهابية، سواء أمريكا أو روسيا أو جهات أخرى، بل المجتمع الدولي كله يسعى لمحاربة الإرهاب. فما إن زادت قوة تنظيم «داعش» حتى زادت صداماته مع المجموعات المسلحة الأخرى، فهو يستولي على قواعدهم ويختطلف المقاتلين في محاولة منه للسيطرة على الطرق الحيوية التي تصل عبرها الإمدادات من تركيا. ووصلت الاضطرابات ذروتها، نهاية ديسمبر الماضي، حين سلمت «داعش» جثة مشوهة ل«حسين السليمان" المعروف ب«أبي ريان" وهو قائد كتائب أحرار الشام بعد احتجازه لثلاثة أسابيع، وأطلقت بعد ذلك مجموعة هجمات على قواعد «داعش» شنتها عديد المجموعات المقاتلة، كالجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وجبهة ثوار سوريا. وفيما يتعلق بالمخاوف الغربية والروسية، من انتشار المجموعات الإرهابية في صفوف المعارضة السورية، فإن الكبح المحتمل لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» لن يؤدي إلى تغيير جوهري، وستظل "جبهة النصرة"، التي تمثل الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا، مدمجة بشدة في صفوف مقاتلي المعارضة أثبتت أنها أكثر تناغما داخل المجتمع السوري من تنظيم «داعش» المستمد قيادته من خارج سوريا. وقال مسؤول بالائتلاف، مع حديث النظام عن ضرورة محاربة الإرهاب، بالرغم من خلافنا معه بهذا الشأن، إلا أن مؤتمر جنيف2 يجب أن يخصص لذلك. القتال الحقيقي ضد الإرهاب تقوم به المعارضة، ولذلك فمن الجيد أن نمول هذا القتال وأن نصنعه على طاولة المفاوضات. والأطراف الدولية من جهتها، تواصل مساعيها الدبلوماسية لإيجاد تسوية سياسية للأزمة مع اقتراب موعد جنيف2، في ظل ارتفاع وتيرة القتال بين قوات النظام والمعارضة المسلحة. ولا شك أن اللقاءات التي تنظم هنا وهناك لأصدقاء سوريا قبيل مؤتمر جنيف2 وآخرها لقاء باريس، تبحث عن ضمانات للمعارضة لحثها على المشاركة في الحل السياسي الذي يضع حدّا للعنف الذي دام ثلاث سنوات ولم يأت للسوريين إلا بمزيد من التدهور في مختلف نواحي الحياة... جوع وتشرد وقتل ودمار وجهل...فمؤتمر جنيف 2 يرمي إلى تحقيق حل سياسي للصراع عبر إبرام اتفاق شامل بين حكومة الأسد والمعارضة لضمان التطبيق الكامل لبنود جنيف واحد المعلن عنها في 30 جوان 2012.