استمر تراجع الاسعار في الاسواق العالمية أمس الجمعة لتتأرجح في مستوى 36 دولارا للبرميل في التعاملات الاسياوية بسبب تنامي المؤشرات السلبية حول توقعات قائمة للاقتصاد العالمي في أكثر من دولة متقدمة وارتفاع المخزون النفطي ولم تعبأ السوق النفطية بالقرار الذي وصف بالتاريخي الذي اتخذته منطمة الاوبيك مساء يوم الاربعاء الماضي حول تقليص انتاجها برقم قياسي غير مسبوق ناهز 2,2 مليون برميل في اليوم، حيث واصلت في نفس اليوم وعقب الاعلان عن قرار المنظمة في وهران، تراجعها لتتهاوى الى مستويات مقلقة للغاية من 50 دولارا عقب الاجتماع الى ما دون 40 دولارا للبرميل بعد أقل من 24 ساعة عن صدور قرار الخفض مما يؤكد مرة أخرى أن الاسواق العالمية لم تعد منشغلة بقرارات الخفض بقدر انشغالها بتداعيات الازمة المالية التي تحولت الى أزمة اقتصادية عويصة، خاصة وأن كل فصولها السوداوية لم تطفو بعد الى السطح والمرشحة لان تعرف المزيد منها خلال المرحلة القادمة وبالضبط خلال الربع الاول من العام القادم. وفي الوقت الذي أظهرت فيه دول المنظمة انسجاما غير مسبوق وعزم حقيقي لاتخاد كل الاجراءات الضرورية لوقف نزيف الاسعار باتفاقها على مستوى الخفض الذي يمكن اعتباره بغير الهين، في هذا الوقت بالذات بيانات مخالفة تصدر عن أكبر مستهلك للنفط ألا وهي الولاياتالمتحدةالامريكية حول ارتفاع احتياطها من المخزون النفطي بنصف مليون برميل وكذا صعود مخزون البنزين بأكثر من مليون ب/ي ، فضلا عن بيانات أخرى خاصة بتراجع استهلاك الطاقة على نحو قياسي لم يسجل منذ بداية الثمانينات. هذه المؤشرات ومؤشرات اخرى حول تداعيات الازمة الاقتصادية ساهمت الى حد كبير في امتصاص اي اثر كان بالامكان ان يحدثه قرار الخفض التاريخي في انتاج المنظمة على أسعار النفط العالمية، الامر الذي أدى الى حدوث الاثر العكسي، أي مزيدا من التراجع في الاسعار ومزيدا من التراجع ايضا في مستوى الطلب على الخام، مما يعزز الى حد كبير التوقعات بشأن تراجع غير مسبوق في الطلب قد يفوق 5,1 مليون ب/ي وذلك في النصف الاول من العام القادم. ومن جهة أخرى، فان اجتماع اوبيك تزامن مع صدور بيانات قائمةحول نمو الاقتصاد العالمي، لا سيما محركها الاساسي في العديد من الدول الغربية ألا وهو قطاع صناعة السيارات حيث أبدى الرئيس بوش مخاوفه من أن يؤدي انهيار هذا القطاع الى زعزعة الاقتصاد الامريكي، كما أعلنت شركة تويوتا للسيارات اليابانية عن خسائر تاريخية، فيما أوقفت شركات انتاج السيارات في تركيا انتاجها بسبب الازمة المالية. هذه المعطيات القاتمة عجلت في اتخاذ سلسلة من الاجراءات المالية والنقدية وتمحورت اساسا في تخفيضات في معدلات الفائدة في كل من الولاياتالمتحدة واليابان وبعض دول الخليج قاربت الصفر في المائة في البعض منها كما في أمريكا واليابان هذا الاخير خفضها من 3,0٪ الى 1,0٪ فقط قصد تحفيز الاستثمار وذلك بعد أن توقع بلوغ نمو الاقتصاد صفر في المائة في العام المقبل. سباق محموم يسود العالم من أجل تفادي المزيد من الانهيارات والركود، ومنظمة الاوبيك على غرار العديد من الدول تسعى الى وضع حد لمزيد من التهاوي في أسعار النفط وان كانت الانخفاضات المتتالية في انتاجها والمقدرة ب 2,4 مليون ب/ي منذ سبتمبر الماضي لم تضع حدا لنزيف الاسعار، فان رئيس المنظمة الحالي السيد شكيب خليل لم يستبعد اتخاذ قرارات أخرى لخفض الانتاج في اجتماعات أخرى طارئة قد تعقد قبل الاجتماع العادي المقرر في مارس القادم بفيينا. قرار وهران بخفض الانتاج سيدخل حيز التنفيذ مطلع العام القادم، وفي غياب معلومات حول مدى التزام كل أعضاء أوبيك بحصص الخفض المقررة في 24 أكتوبر الماضي، فان التحدي الاكيد للمنظمة يبقى دائما في مدى التزامها بتقليص انتاجها، لأن أي تقاعس قد ينعكس سلبا على اقتصاديات كل الدول الاعضاء لا سيما وان الدول خارج أوبيك والتي سبق لها وأن قدمت وعودا بخفض انتاجها يتزامن مع قرار المنظمة، تراجعت بشكل مفاجىء دون تقديم اية مبررات خاصة من طرف روسيا. أسعار النفط فقدت اكثر من 110 دولار للبرميل منذ جويلية الماضي اي ما نسبته 70٪ وحوالي 20 في ظرف اسبوع فقط مما يعزز المخاوف من تراجع سريع وحاد في الاسعار في الاسابيع القادمة وهو ما قد يعجل بالعودة الى عصر النفط الرخيص بعد أن كان جل المحللين في القطاع يعتقدون ان هذا العصر قد ولى بدون رجغة. ------------------------------------------------------------------------